«الفيس بريسلي الفارسي».. يدعم المظاهرات في شوارع إيران بالأغاني

ألبومه الجديد «ساندني» مزيج من الفارسية والإنجليزية ويلقى إقبالا على «يوتيوب»

آندي مداديان («لوس أنجليس تايمز»)
TT

عندما شاهد الحشود الغاضبة تتدفق عبر شوارع طهران المكتظة، رغب آندي مداديان في القيام بأمر ما، لكن كيف؟ دأب مداديان، المواطن الأميركي ذو الأصول الإيرانية، الذي يعيش في لوس أنجليس على مدار ثلاثة عقود، عدم الحديث بصورة مباشرة في سياسات إيران، بيد أن الأزمة التي شهدتها إيران الشهر الماضي، بسبب نتائج الانتخابات الرئاسية، رغب الرجل الذي اشتهر باسم «ألفيس الفارسي» في إرسال رسالة تعاطف ودعم موسيقية إلى أبناء بلده.

لذا قام في الرابع والعشرين من يونيو (حزيران) بالاشتراك مع دون واس، أحد كبار المنتجين الموسيقيين، ومغني الروك جون بون جوفي، وعازف الغيتار ريتشي سامبورا، بتسجيل أغنية «ستاند باي مي» وهي أغنية قديمة لبن كنغ، بأشعار فارسية وإنجليزية. وعلى الرغم من أن أغنية «ساندني» ـ أو «ما يكي هاستيم» التي تترجم «كلنا متحدون» ـ ليست أغنية احتجاجية، إلا أنها لقيت إقبالا كبيرا، حيث شاهدها 600.000 على موقع «يوتيوب» والمواقع الأخرى.

وأشار مداديان، مضيفا بابتسامة، إلى أن عمله منتشر عبر الاسطوانات المقلدة، وقال: «يمكنك القول إن غنائي يشكل بيانا سياسيا، لأن موسيقاي ممنوعة في إيران، وأعتقد أن الشباب في إيران، أكثر من أي شيء آخر، يرغبون في الحصول على حرية التفكير، متمثلة في الإنترنت والسينما والموسيقى، وما نحاول قوله، «إننا نسمعكم ونتعاطف معكم ونحاول إيصالها إليكم».

وقد جذبت الأحداث التي تجتاح إيران، خلال الأيام القليلة الماضية، عددا من الشعراء والكتاب والفنانين والعاملين في صناعة السينما والممثلين الإيرانيين من المقيمين في كاليفورنيا الجنوبية. وقد أدلى البعض منهم بتصريحات أدان فيها النظام الإيراني، والرئيس محمود أحمدي نجاد. فيما عبر آخرون مثل مداديان بعمل يعبر عن التضامن العام مع الشعب الإيراني، ونقل رسالة رقيقة وموجزة أكثر منها رسالة علنية.

وفي جهد ملحوظ، قامت جماعة من الممثلين والموسيقيين المنفيين، يقودهم فنان بريطاني ـ إيراني الأصل، إلى إنتاج أغنيات وأشرطة فيديو تحت عنوان «متحدون من أجل ندا». وضم الفيديو صورا للعنف والمواطنين المصابين، ويقدم الفيديو، الذي أخذت مشاهده من لقطات كاميرا فيديو هاتف جوال، العرفان لندى أغا سلطان، الشابة التي لقيت مصرعها بالرصاص، ونقلت مشاهد موتها على «يوتيوب» وتحولت إلى رمز للاحتجاجات. وقد كتب الأغنية وأنتجها تايلور، وتبدأ الأغنية ببيت شعر يقول: «يوم آخر يمر. أدعوك ربي أن يثبتوا وأن يقهروا الأحقاد والآلام والأكاذيب».

ويلجأ المدونون ومدونو «تويترز» في إيران والصين والدول الأخرى التي تتسم بحرية تعبير زائفة، إلى نشر آرائهم على الشبكة العنكبوتية كي يراها الجميع، لكن الفنانين الإيرانيين سواء أكانوا مقيمين أو في المنفي كانوا غالبا ما يتخذون أسلوبا حذرا ويلجأون إلى استخدام الاستعارات والشعر الفارسي القديم والموسيقى والفن، للتعبير عن أنفسهم والاعتماد في الوقت ذاته على التكنولوجيا لنشر أفكارهم على المشاهدين، بعيدا عن متناول الرقابة.

وقد أصبحت الأفكار المطروحة في قوالب مجازية ورمزية إستراتيجية هامة خلال الأعوام الثلاثين الماضية، منذ إطاحة رجال الدين بالشاه المدعوم من قبل الولايات المتحدة، وتأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقال رضا أصلان، المؤلف الأميركي ـ إيراني الأصل، مؤلف كتب «لا إله إلا الله: الأصول والتطور ومستقبل الإسلام» والمعلق التلفزيوني والإذاعي: «إيران مجتمع مجازي، فأفلامه وفنه وشعره يتحدثون الآن عبر استعارات ومجاز خاصة».

وأوضح الفنانون والكتاب المنفيون أن الحركة الساخطة التي اندلعت في إيران هذا الصيف كانت متوقعة منذ فترة. فالخلاف بشأن وضع المرأة والقمع الذي يمارسه النظام، والآثار الاقتصادية والاجتماعية التي تركتها حرب ثماني سنوات مع العراق في الثمانينات، من بين الموضوعات التي طفت على السطح في الأفلام الإيرانية الأخيرة والشعر والفن سواء في الداخل أو الخارج.

وقد قدمت تلك الأحداث بصورة ذكية في الفن الإيراني المعاصر، حيث انعكست في معرض «إيران إنسايد آوت» الذي أقيم في متحف فنون مانهاتن تشيلسي آرت ميوزيم. تحت عنوان «من إيران إلى كويران وكل شيء بينهما».

كما أظهرت السينما أيضا إشارات التنوع والتناقض التي تفور تحت سطح المجتمع الإيراني. وخلال فترة ازدهار صناعة السينما الإيرانية، التي بدأت في أوائل التسعينيات، خلال فترة الحرية الثقافية النسبية، أنتجت الكثير من الأفلام البارزة لمخرجين شاركوا في مهرجانات عالمية، مثل عباس كياروستامي «مذاق الكرز» ومحسن مخمالباف «قندهار» وكان مخمالباف، يجوب كمتحدث رسمي باسم مير حسين موسوي، مرشح الرئاسة الخاسر، الذي رفض نتائج الانتخابات على أنها مزورة.

على الرغم من ندرة احتوائها على أي مضامين سياسية واضحة، لجأت الكثير من تلك الأفلام إلى تعددية التفسيرات، ومن بينها التفسيرات السياسية. ففي فيلم «طعم الكرز» على سبيل المثال، تأتي محاولة الشخصية الرئيسة في الفيلم إقناع ثلاثة غرباء (جندي وطالب ديني وأستاذ جامعي) بإخراجه من قبره، بعد أن يصبح انتحاره المدبر، كنوع من التأمل للشرخ الاجتماعي، الذي أصاب المجتمع الإيراني.

يقول أصلان، الإيرانيون فخورون بثقافتهم السينمائية، وهم مثقفون سينمائيا، بحيث إنهم يقرأون ما بين السطور. فقال: «إن الجمهور مهيأ لفهم هذه الأفلام، وقد تعلم الكثير من الشعراء في إيران تلك اللغة السرية، حيث تناقش القضايا السياسية بطرق مجازية». وتوافق سوزان ديهيم، الراقصة والمؤلفة والمغنية الإيرانية الأصل والمقيمة في الولايات المتحدة، على ذلك فتقول: «عندما لا يستطيع الشعب التحدث بالنثر يلجأون إلى الشعر، وأعتقد أن هذا ما يحدث في السينما الإيرانية».

كانت ديهيم من بين المؤدين في أغنية «متحدون من أجل ندا» مع الممثلة شوهري أغداشلو المقيمة في لوس أنجليس، التي لعبت دور العمة في فيلم «رجم ثريا» ومثلت ديهيم في الفيلم الشهير الذي أخذت أحداثه من رواية واقعية، حول امرأة رجمت لاتهام زوجها لها كذبا بالزنا، وأخرجه المخرج الأميركي ـ إيراني الأصل سيروس نورسته.

وقالت ديهيم إنها تعتقد أنه على الرغم من الإجراءات التعسفية، التي تنتهجها الحكومة، فقد أعطت الاحتجاجات الأخيرة الكثير من الغربيين نظرة واضحة عن المجتمع والثقافة الإيرانية. وقد قدمت شجاعة المتظاهرين أمام الرصاص واستخدامهم لـ«تويتر» ووسائل الاتصال الأخرى ولقطات التظاهرات للنساء صورة مجتمع مثقف ومتحضر، في مقابل الصورة المتدينة والأصولية التي تروجها وسائل الإعلام الغربية.

وقالت: «لقد شاهدنا صورة رائعة لحقيقة إيران خلال الأسابيع القليلة الماضية، ومهما حدث خلال الثلاثين عاما الماضية لا تمثل الثقافة الإيرانية أنها مجرد لحظة مظلمة».

عندما اندلعت الأحداث في إيران، سارع الفنانون الغربيون، الذين شغلوا بالثقافة الإيرانية، إلى متابعتها بقدر كبير من الاهتمام، فالمؤلف الموسيقي جون دبني، الذي ألف موسيقى فيلم «رجم ثريا» قال إنه خلال البحث في موسيقى المنطقة أعجب أيما إعجاب «بالعمق الكبير للعاطفة والروح والأصالة». وانضم إلى المطالبين بإلغاء عقوبة الرجم.

وقال: «سواء أكانت إيران أو العراق أو أفغانستان آمل في أن نتمكن في يوم من الأيام من الانفتاح ومشاركة تنوعنا الثقافي».

ويحلل بعض الفنانين الغربيين الآخرين الموقف في إيران عبر منشور الماضي، موازين النضال في تجمعاتهم الخاصة. فقدمت جون بايز نسخة جديدة من النشيد الوطني الأميركي، تغني فيه بعض الأبيات بالفارسية وأهدتها إلى الشعب الإيراني. وقال المنتج واس: «أعتقد أنك تشهد نوعا من ثقافة العولمة، فقد شاهد الجميع الأنباء نفسها، وعندما يتم انتهاك الحرية المدنية لأي فرد في العالم وفي أي مكان يتأثر به الجميع». وسواء أكانت تلك التعبيرات صريحة سياسيا أو غير مباشرة، فإن تلك الأحاسيس تبدو فيها قوية جدا. وقالت ديهيم: «أعتقد أن ما يجمعنا تضامننا مع الشعب الإيراني الذين يمثلوننا 200 في المائة».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»