أوباما لافريقيا: في عروقي دماؤكم.. نحن معكم ولكن عليكم تحمل مسؤولياتكم

زار مع عائلته قلعة كيب كوست رمز العبودية ونقطة انطلاق «الرحلة بلا عودة»

أوباما وزوجته ميشال يزوران مستشفى في أكرا (أ.ب)
TT

وصل الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى أرض أجداده أمس، في زيارة تحمل الكثير من المعاني العاطفية لأول رئيس أميركي أسود يزور غانا، البلد الذي كان نقطة انطلاق «الرحلة بلا عودة» لتجارة العبيد لأميركا وأوروبا. وفي خطاب وجهه للأفارقة، أكد أوباما أن بلاده ستساعد القارة التي تعاني من الفقر والجوع، إلا أنه دعا أفريقيا من جهة أخرى إلى تحمل مسؤولياتها لحل مشاكلها الخاصة. وفي كلمة وجهها من البرلمان في أكرا، عاصمة غانا، بثت مباشرة على الهواء في أنحاء القارة الأفريقية، قال أوباما: «علينا أن نبدأ من المنطلق البسيط، أن مستقبل أفريقيا يعود للأفارقة. أقول هذا وأنا أعرف تماما الماضي المأساوي الذي طارد العالم في بعض الأوقات. ففي النهاية، الدم الذي يجري في عروقي هو دم أفريقي، وقصة عائلتي تجمع بين المأساة والنصر في التاريخ الأكبر من أفريقيا». ولكنه تابع داعيا أفريقيا إلى أن تضع الماضي خلفها، وقال: «من السهل أن نصوب أصابع الاتهام، ونوزع اللوم لهذه المشاكل وغيرها». وأضاف: «الغرب دائما ما قارب أفريقيا على أنه أعلى منها، أو كأنها مصدر ربح، عوضا عن معاملتها كشريك. ولكن الغرب ليس مسؤولا عن دمار الاقتصاد في زيمبابوي طوال العقد الماضي من الحروب التي شارك فيها الأطفال كمحاربين». وانتقد أوباما الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان الشائعة بأفريقيا محذرا من أن النمو والتنمية سيتأخران ما لم يتم التصدي لهذه المشاكل. وقال: «لن يتمكن مجتمع من تكوين ثروة إذا قام زعماؤه باستغلال الاقتصاد لإثراء أنفسهم أو إذا أمكن شراء ذمم رجال الشرطة من قبل مهربي المخدرات. لن ترغب أي جهة أعمال في العمل في مكان تقتطع الحكومة 20 في المائة منه».

وقال إن مستقبل القارة، يتوقف على الحكم الرشيد «الذي كان غائبا في أماكن كثيرة لمدة طويلة جدا». وأضاف: «هذا هو التغيير الذي يمكن أن يفتح المجال أمام طاقات أفريقيا، وهذه هي المسؤولية التي يمكن على الأفارقة أن يتحملوها». وأكد أوباما وهو يدعو أفريقيا لأن تكون سيدة مصيرها عبر مكافحة الممارسات المناهضة للديمقراطية والفساد والنزاعات والأمراض، أن الولايات المتحدة ستدعمها في هذه الأمور. وخلال زيارة لغانا التي تعتبر أحد النماذج النادرة للديمقراطية في القارة الأفريقية، استذكر أوباما شعار حملته الانتخابية «نعم نستطيع» ليدعو الأفارقة إلى عدم التذرع بالاستعمار بعد اليوم لتبرير الحروب والأمراض والتخلف والممارسات المناهضة للديمقراطية والفساد، في قارة مليئة «بالوعود».

وقال على وقع تصفيق النواب الغانيين الذين كان يتحدث أمامهم «يمكنكم التغلب على المرض ووضع حد للنزاعات وتغيير الأمور بشكل جذري. يمكنكم القيام بذلك، نعم يمكنكم». وأضاف «لكن هذا الأمر غير ممكن إلا إذا تحملتم جميعا مسؤولية مستقبلكم. هذا لن يكون سهلا. سيتطلب وقتا وجهودا. ولكن يمكنني أن أعدكم بالآتي: أميركا ستكون إلى جانبكم، في كل مرحلة، بوصفها شريكا، بوصفها صديقا».

ودعا الرئيس الأميركي الأفارقة إلى اعتماد مبادئ الحكم الرشيد ووضع حد لتغيير الأنظمة عبر العنف لأن «أفريقيا لا تحتاج إلى رجال أقوياء، بل تحتاج إلى مؤسسات قوية». وأكد أن الدعم الأميركي للتنمية سيكون رهنا بالتزام تلك القواعد الديمقراطية. وشدد أوباما على مفهوم الشراكة، متعهدا بمواصلة المساعدة الأميركية لمكافحة الأمراض لأن «كثيرين لا يزالون يموتون نتيجة أمراض لا يفترض أن تقتلهم». وتابع أنه ينوي القيام بذلك عبر دعم الأنظمة الصحية الأفريقية.

واعتبر أن «الإبادة» المستمرة في إقليم دارفور وتوسع الإرهابيين في الصومال يتطلبان ردا دوليا، لكنه شجع على بلورة «هيكلية إقليمية للأمن تكون قوية ويمكن أن تنتج قوة فاعلة متعددة الجنسيات إذا لزم الأمر». وقال «عندها، ستقدم الولايات المتحدة دعمها الدبلوماسي والتقني واللوجستي وستدعم الجهود لمحاكمة مجرمي الحرب». وكان مئات من الأشخاص احتشدوا فجرا حول القصر الرئاسي الذي قصده أوباما قبل أن يتوجه إلى البرلمان، وذلك في محاولة لمشاهدته. وحمل البعض لافتات كتب عليها «أوباما أنت الابن الحقيقي لأفريقيا. نحن نحبك». وزار أوباما بعد الظهر مستشفى في أكرا متخصصا في معالجة الملاريا ويحظى بدعم مالي من الولايات المتحدة. ثم توجه برفقة عائلته إلى قلعة كيب كوست التي تبعد 160 كلم من أكرا وتشكل رمزا للعبودية. وجال أوباما برفقة زوجته ميشال وابنتيه ماليا وساشا في أرجاء القلعة التي شكلت منطلقا لهجرة آلاف من الأفارقة إلى أوروبا وأميركا وجزر الكاريبي في رحلة لا عودة منها. وقال أثناء زيارته: «كانت تجربة مؤثرة في مكان يخيم عليه حزن عميق». وأشاد بـ«شجاعة كثير من البيض والسود للقضاء على العبودية»، وقال: «مهما كان التاريخ حزينا، هناك دائما فرصة لتجاوزه».

واستمع أوباما إلى شروح من دليلين غانيين حول تاريخ هذه القلعة التي تعود إلى القرن السابع عشر والمدرجة حاليا على قائمة اليونسكو للتراث العالمي. وبعد الاحتفال في البرلمان الذي حضره الرئيس الغاني جون اتا ميلز، توجهت العائلة الرئاسية إلى كيب كوست في مروحية. وإثر هذه الزيارة، من المقرر أن يغادر أوباما وأسرته غانا عائدين إلى واشنطن.

وصل أوباما إلى غانا بعد مشاركته في قمة الثماني في إيطاليا، التي ناقش خلالها قادة العالم المساعدات لأفريقيا. واتفق خلالها الزعماء على إنفاق 20 مليار دولار لتحسين الأمن الغذائي في الدول الفقيرة. وكان التقى نظيره الغاني المنتخب ديمقراطيا جون اتا ميلز أثناء زيارته الحالية إلى أفريقيا التي ستؤكد رسالته حول أهمية الحكم الرشيد والمحاسبة. وقال إن غانا يمكن أن تكون نموذجا للنجاح تحتذي به بقية الدول الأفريقية، وانه اختار زيارتها في أعقاب قمة مجموعة الثماني لتوضيح أن «أفريقيا ليست معزولة عن شؤون العالم». وأضاف أيضا أنه يعتقد أن اقتصاد البلاد يدار بشكل جيد.

وصافح أوباما ميلز أمام القصر الرئاسي ووقف الاثنان جنبا إلى جنب بينما عزفت فرقة عسكرية النشيدين الوطنيين للبلدين قبل أن يتفقدا حرس الشرف. وجاء ميلز إلى السلطة عقب انتخابات سلمية وشفافة أجريت في ديسمبر (كانون الأول) وقدمت مثالا يحتذى به في أفريقيا. وقال أوباما إن غانا من الممكن أن تكون مثالا رائعا للنجاح في القارة الأفريقية وأشار إلى أنه يعتقد أن اقتصاد غانا يدار بشكل جيد كما أكد أن الولايات المتحدة ما زالت مهتمة بتنمية أفريقيا.

وقال ميلز إن زيارة أوباما تبعث إشارات إيجابية وتشجع غانا على الاستمرار في تحقيق المكاسب الديمقراطية. وساعدت أيضا إصلاحات اقتصادية في غانا المنتجة للكاكاو والذهب وتستعد لبدء ضخ النفط العام المقبل على جذب استثمارات وتحقيق نمو بشكل لم يسبق له مثيل قبل تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية.