أول رئيس للبرلمان الكردستاني: لو كنت رئيسا للبرلمان حاليا لرفضت مشروع الدستور ولاستقلت لو فرض عنوة

جوهر نامق في حديث لـ«الشرق الأوسط»: الصلاحيات الممنوحة لرئيس الإقليم واسعة لكنها غير مطلقة

جوهر نامق («الشرق الأوسط»)
TT

انتقد جوهر نامق، أول رئيس للبرلمان الكردستاني، الطريقة التي صيغ ومرر بها مشروع دستور الإقليم المثير للجدل. وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الصيغة النهائية للمشروع، التي عرضت على البرلمان في 24 / 6 / 2009 عدلت وحذفت منها عشرات الفقرات، ودمجت عشرات أخرى، ومع ذلك مرر في البرلمان دون الرجوع إلى الرأي العام. والتحفظ الثاني الذي أبداه نامق، بشأن مشروع الدستور يتعلق «بحذف مناطق واسعة من الحدود الجغرافية والتاريخية لإقليم كردستان»، ولفت إلى أن هذه المناطق «هي مناطق متنازع عليها، وهي جزء أساسي من المادة 140 المثبتة في الدستور العراقي، والدستور الكردستاني ينبغي أن لا يتعارض مع الدستور العراقي في مواده وفقراته». وفي ما يلي نص الحديث.

* بداية هل يحق للبرلمان تمديد فترة دورته كما يشاء؟

- ليس هناك نص قانوني يعطي الحق للبرلمان الكردستاني أو أي برلمان آخر في العالم بتمديد فترته المحددة قانونا، فهذه هي القاعدة العامة المتعارف عليها في العالم، ولكن كما يقال لكل قاعدة استثناء وهو استثناء مشروط بكل تأكيد.

* وهل يعني ذلك أن البرلمان الحالي فاقد للشرعية؟

- علينا أن نميز بدقة بين كون البرلمان شرعيا أو لا، وبين كون دورته الحالية شرعية أم لا، ففي الواقع هناك لبس كبير في هذا الإطار، فالبرلمان الكردستاني يحظى بشرعية تامة بالتأكيد، لأنه منتخب من قبل الشعب منذ 19 / 5 / 1992 وإلى يومنا هذا، أما الدورة الحالية للبرلمان فإنها تواجه انتقادات واعتراضات من قبل الكثيرين، وأنا من ضمنهم، بخصوص كيفية بدء الدورة وآلية تمديد فترتها القانونية، فمنذ بداية الدورة الحالية كانت هناك شكوك حولها، إذ إن الانتخابات التي جرت في عام 2005 حتمت أن تكون الجلسة الأولى للبرلمان قبل نهاية شهر فبراير (شباط) من العام ذاته، ولكنها تأجلت إلى الرابع من يونيو (حزيران) أي أرجأت لنحو أربعة أشهر، أضف إلى ذلك أن القانون رقم واحد الصادر في عام 1992 المعدل يتضمن المادة 64 الصريحة تقول: «على البرلمان المنتخب أن يعقد أول جلسة له بعد إعلان نتائج الانتخابات في مدة أقصاها خمسة أيام» بمعنى أن هذه المادة لم تنفذ، وبناء على ذلك فإن اللجنة القانونية ورئاسة البرلمان تصران على أن موعد بدء الدورة الأولى للبرلمان هو الرابع من يونيو (حزيران) وليس أواخر فبراير (شباط) من عام 2005. واللبس الآخر يتعلق بعملية تمديد فترة الدورة الحالية للبرلمان، الذي كان بمثابة اجتهاد من اللجنة القانونية، معللة ذلك الإجراء باحتمالات أو مخاوف حصول فراغ قانوني، وفي تصوري الشخصي فإنه لا فرضية الفراغ القانوني، ولا مبررات اللجنة القانونية المتعلقة بالظروف الشرطية لتمديد فترة البرلمان صحيحة.

* ما دامت الدورة الحالية للبرلمان غير شرعية كيف إذن مررت مشروع الدستور الدائم للإقليم؟

- أنا أقول هناك شكوك حول شرعية الدورة الحالية وطالما وجدت تلك الشكوك فإنه من الحكمة أن تتفادى هذه الدورة تشريع القوانين، وتتحاشى تحديدا المصادقة على الدستور، وفي رأيي الشخصي فإن مصادقة البرلمان في دورته الحالية على مشروع الدستور، اتسمت بالاستعجال وهي خطوة غير حكيمة.

* هناك انتقادات واسعة ولاذعة لمشروع الدستور على الصعيد المحلي أين هي مكامن الخلل في المشروع؟

ـ في تصوري أن مكامن الخلل تتجسد في بعض المحاور الأساسية، أولها يتعلق بالمرحلة النهائية للدستور أي إعداد الصيغة النهائية له من قبل لجنة مراجعة وصياغة الدستور، التي يفترض بها أن تعرض الصيغة النهائية للدستور على جماهير الشعب في الإقليم عبر وسائل الإعلام ثم على نواب البرلمان والجهات المختصة، للاطلاع على التغييرات والتعديلات الحاصلة في نص المشروع، خاصة وأن اللجنة أخذت وقتا جيدا في عملية إعادة الصياغة والمراجعة، حيث جرى شطب 38 مادة من مواد المشروع، وتم تعديل العشرات من الفقرات سواء بالحذف أو بالدمج أو بالإضافة أو بإعادة الصياغة، ومع ذلك مرر المشروع دون الرجوع إلى الرأي العام، أو حتى نواب البرلمان، وهذه هي الإشكالية الأولى في تصوري وخلقت تذمرا كبيرا، ونحن فوجئنا بهذا التغيير الواسع في المشروع خلال يومين فقط، والأمر الثاني تعلق بحذف مناطق واسعة من الحدود الجغرافية والتاريخية لإقليم كردستان، واعتقد أن تلك الحالة تشكل واحدة من أكبر الهفوات التي ارتكبتها لجنة صياغة الدستور، لأن هذا الأمر متفق عليه في المراحل الخمس التي مر بها مشروع الدستور، كما وهناك إجماع شعبي وسياسي فيما يتعلق بهذه الفقرة الخاصة بالمناطق المشمولة بحدود إقليم كردستان العراق، وكانت مثبتة في المشروع المعلن عنه في موقع البرلمان، أضف إلى ذلك أن هذه المناطق هي مناطق متنازع عليها وهي جزء أساسي من المادة 140 المثبتة في الدستور العراقي، والدستور الكردستاني ينبغي أن لا يتعارض مع الدستور العراقي في مواده وفقراته، فكيف يحق للجنة المكلفة بإعداد الدستور أن تتلاعب بنص موجود في الدستور العراقي، ناهيك عن ربط الحدود السياسي وربط إقليم كردستان بالمادة 140 من الدستور العراقي، ونحن نعلم أن هذه المادة وضعت بالأساس لحل مشكلات عمليات التعريب وإعادة الأوضاع في إقليم كردستان، إلى ما كانت عليه عمليات التغيير الجغرافي والسكاني في عهد النظام السابق، وهناك مآخذ كثيرة أخرى فيما يتعلق بمشروع الدستور، لا سيما أن الكفة مرجحة لصالح الرئاسة فيما يتعلق بالصلاحيات.

* ولكنك تصف في كتاباتك بالصحف المحلية المادة 140 بأنها ميتة ومن المجحف ربط مصير كردستان بها أليس في ذلك تناقض مع ما تقوله الآن؟

ـ ليس هناك تناقض قي أقوالي، فإنا من المنتقدين بشدة للمادة 58 من قانون إدارة الدولة، وكذلك المادة 140 من الدستور باعتبارهما تنطويان على مطبات ومشكلات كثيرة، وقد أثبت الواقع بالملموس أن مسار التطبيق لمضمون المادتين يواجه تناقضات، ولا تزال المادة 140 مجمدة ومطوقة، أما بخصوص حدود إقليم كردستان الجنوبية فهي مثبتة جغرافيا وتاريخيا، كما أن السيد (الرئيس) جلال طالباني أوضح في رئاسته لإحدى دورات مجلس الحكم تلك الحدود، عبر إظهار وثائق تاريخية وبالخرائط الجغرافية القديمة جدا، وقد شهد له بالبنان في ذلك، لذلك استغرب شخصيا من عملية زج المادة 140 في قضية تثبيت حدود إقليم كردستان. وبما أن مصير هذه المادة بات على كف عفريت، كما يقال، فكيف لنا أن نربط مصير حدود الإقليم بهذه المادة عبر مشروع الدستور الكردستاني؟

* وما البديل عن ذلك في تصورك؟

- اعتقد بأن البداية عندما تكون خاطئة فإننا سنتحمل جميعا تبعات هذا الخطأ، فالتعامل مع ملف عمليات التعريب منذ بدايته، وملف إعادة الأوضاع إلى سابق عهدها في إقليم كردستان، تم بطريقة عاجلة جدا، وفي ظل الظروف التي كانت سائدة حينها، على الرغم من أنني لا ادعي الآن بأن التعامل كان يجب أن يتم بهذا الشكل أو ذاك، فلكل ظرف متطلباته، لذا فإن الحل أو البديل في اعتقادي يكمن في مواجهة الواقع القائم كما هو، أي المكاشفة الصريحة مع بغداد وليس بإطلاق الشعارات أو التماطل أو استغلال الظروف.

* وما قراءتك لتمرير مشروع الدستور من قبل الحزبيين الرئيسيين الاتحاد والديمقراطي وبهذه العجالة وفي هذا لتوقيت؟

- لقد انتقدنا هذه الحالة الشاذة ورجونا عبر كتاباتنا وعلاقاتنا وتدخلنا الشخصي بإرجاء العملية وعدم الاستعجال في مسألة حساسة ومقدسة كالدستور، لذلك فإن تلك العجالة في تمرير الدستور وإقحامه في المعمعة الانتخابية، وتحويله إلى قضية سياسية في الوقت الذي يتطلب فيه الدستور مناخا هادئا وملائما سياسيا، وخلق إجماع وطني عليه، تتنافى حتى مع النظام الداخلي للبرلمان. وفي اعتقادي أن إقحام الدستور في المعمعة الانتخابية كان يهدف في المقام الأول إلى صرف أنظار الناخبين والقوائم الأخرى عن التركيز على نواقص واحتياجات الشعب، وضرورات عملية التغيير والإصلاح في الإقليم، وكذلك جوانب النقص والقصور في الأداء السياسي، ولست أعلم حتى الآن السبب الحقيقي الكامن وراء ذلك.

* هل منح مشروع الدستور صلاحيات واسعة لرئيس الإقليم مثل حل السلطات الثلاث وإعلان حالة الطوارئ وما إلى ذلك؟

- هذا صحيح ولكن على نحو محدود ومشروط بشروط معينة بمعنى أن تلك الصلاحيات ليست مطلقة، وعلينا أن نعرف بأن الواقع الكردستاني الذي جرى فيه وضع الدستور هو جزء من الواقع العراقي والشرقي، كما أن التجربة أثبتت في الشرق عموما وفي العالم الثالث عدم كفاءة المزج بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي، لا سيما عند رجحان كفة الجانب الرئاسي على البرلماني في بعض الأمور، لذلك أعتقد بأن تلك الحالة هي التي خلقت رد الفعل.

* لو كنت رئيس البرلمان الحالي في الإقليم ماذا كنت ستتخذ من موقف حيال مشروع الدستور الحالي؟

- كنت سأرفضه بشدة، ولو كان قد فرض علي عنوة لقدمت استقالتي من رئاسة البرلمان، فهناك فقرات في المشروع تمس السيادة الكردستانية في المسائل الأساسية المتفق عليها.

* وكيف تقيم خوض الحزبين الرئيسيين الانتخابات بقائمة موحدة ومغلقة؟

- من الأفضل والأصح بالنسبة للعملية الديمقراطية أن يخوض الحزبان الانتخابات بقوائم منفصلة، وبعد إعلان النتائج فإنهما حران في عقد أي شكل من التحالفات والاتفاقات، أما خوض الانتخابات بقائمة موحدة فإنني لا أؤيده إطلاقا.