زعيم دارفوري متمرد: لم أمتثل لأوكامبو.. إنما انحنيت للعدالة

أبو قردة لـ«الشرق الأوسط»: أميركا أبلغتنا تصميمها إجراء مفاوضات شاملة ومصر تريد توحيد التفاوض

بحر إدريس أبو قردة
TT

نفى بحر إدريس أبو قردة رئيس الجبهة المتحدة للمقاومة في دارفور، ما يتردد عن إجراء الجبهة لمفاوضات سرية مع خليل إبراهيم، زعيم فصيل «العدل والمساواة»، المتمرد في دارفور، وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا كذب.. مليون في المائة».. وتساءل: «ما الجديد حتى يعود إلينا بعد الانشقاق والإقصاء الذي مارسه مع الجبهة؟». وأبو قردة هو أحد مؤسسي حركة «العدل والمساواة»، وكان نائب زعيمها قبل أن ينفصل عنها مكونا فصيلا آخر. كما تحدث عن قصة مثوله أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، طواعية، أخيرا، لاستجوابه حول تهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور، وقال إن امتثاله لم يكن لمطلب قدمه مدعي عام المحكمة لويس أوكامبو، ولكن من أجل العدالة وتبرئة ساحته. ودعا الرئيس السوداني عمر البشير لتبرئة ساحته أيضا بتسليم نفسه طواعية إلى قضاة المحكمة في لاهاي بهولندا. وأكد على أهمية الفصل بين العدالة وتسييس القانون، وقال: «لم أمتثل أمام أوكامبو وإنما انحنيت للعدالة وقدمت صك البراءة التي أصل إليها قريبا»، كما كشف عن فحوى اللقاء الذي جمعه مع المبعوث الأميركي إلى الخرطوم سكوت غرايشن، في طرابلس أخيرا قائلا إن واشنطن ترغب في إجراء مفاوضات شاملة في دارفور، وتصحيح مسار مفاوضات الدوحة الخاطئة (بين «العدل والمساواة»، والحكومة) التي اقتصرت على شخصيات محددة، وقال إن غرايشن مصمم على إطلاق مفاوضات شاملة. وطالب أبو قردة الرئيس البشير بالجدية والعمل من أجل السلام في دارفور.

* ما دوافعك لتسليم نفسك إلى المحكمة الجنائية الدولية؟ ـ ذهبت إلى المحكمة الجنائية الدولية لعدة أسباب منها أنني أقاتل من أجل العدالة.. وبالتالي لا أريد أن يفلت مرتكبو الجرائم من العقاب. وكان لا بد من المثول أمام المحكمة التي اتهمتني بالتورط في حادث وقع في عام 2007 حينما هاجمت قوات معسكرا لقوات السلام الدولية بدارفور وقتلت عددا منهم. وهي تهمة لا أساس لها من الصحة، وعليه فكرت في الذهاب إلى المحكمة لتبرئة نفسي.. أنا لا أنحني لأحد.. ولا امتثالا لأوكامبو.. وإنما انحنيت للعدالة وقدمت صك البراءة التي أصل إليها قريبا.

* كيف ستثبت براءتك لهم؟ ـ المحامي الخاص بي يتابع بناء الدفاع ويدرس الملف حتى النهاية.

* ما النهاية؟ ـ الوصول إلى البراءة ولديّ ما يثبت عدم علاقتي بالتهم التي وُجهت إليّ، بل وأكثر من ذلك أنني قمت في عام 2005 في المنطقة الحدودية قرب تشاد، بفك أسر 25 جنديا للقوات الإفريقية التابعة لقوات الاتحاد الإفريقي في دارفور، وكان من بينهم أميركي وجنرال من الكونغو. وقدمت وقتها شهداء من الحرس الخاص بي في سبيل الإفراج عن هؤلاء الأسرى من يد ميليشيات في دارفور وقطاع طرق يصعب على الحكومة السيطرة عليهم. وللعلم فإن دارفور ليست تلك المناطق التي يقوم المسؤولون بزيارتها في نيالا (جنوبي الإقليم) والفاشر (شمال) والجنينة (غرب) وإنما مشكلات دارفور الحقيقية في مناطق الحدود التي تعج بالميليشيات والنازحين.

* هل تؤيد ذهاب الرئيس البشير إلى الجنائية الدولية؟

ـ العدالة لا تخيف أحدا حتى الرئيس البشير ومن المفترض أن يبرئ نفسه من التهم الموجهة إليه.

* لكن هناك حصانة لرؤساء الدول.

ـ هذه الحصانة لا يجب أن تعيق العدالة.

* البعض يعتبر أن أوكامبو قام بتسييس القانون.. هل هذا عدالة؟ ـ أنا أتحدث عن المحكمة والقانون، ومن الأفضل التعامل مع المحكمة بعيدا عن سياسات المدعي العام للجنائية الدولية، وأن نفرض الحق والعدل بالقانون ونرد على رفضنا لتسييس القانون.

* لكن السودان غير موقّع على النظام الأساسي للجنائية الدولية، تحت أي اتفاق ذهبت أنت إلى الجنائية الدولية؟ ـ العدل لا يحتاج إلى اتفاق وإنما إلى إجراءات قانونية ودفاع، ولا يمكنني أن ألتزم الصمت وأنا متهم وبالتالي مقتنع بالذهاب إلى العدالة التي أناضل من أجلها.

* ما نتائج جولة مفاوضاتكم في مصر؟

ـ مصر تسعى منذ وقت مبكر لتوحيد جبهة التفاوض للفصائل الدارفورية كما استضافت ليبيا الحوار الدارفوري وبذلت جهدا كبيرا وبالتالي تأتي مفاوضات القاهرة في إطار المسعى الليبي والمصري لإعطاء دفعة قوية للسلام في دارفور وإنجاح التفاوض بين الحركات والحكومة. واليوم مصر تلقي بكل ثقلها في هذا الملف خصوصا أن لديها علاقات طيبة مع الجبهة المتحدة للمقاومة التي سبق أن زارت مصر خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي. واتفقت على أهمية الاستمرار والتنسيق لإنجاح كل الجهود المبذولة حاليا لإحلال السلام في دارفور.

* ما مساحات الاتفاق والاختلاف في قضايا الحل؟

ـ لا توجد خلافات جوهرية، والحركات متفقة على أسس الحل. والتباين مقتصر على مسائل ثانوية وشكلية.

* هل يجري التفاوض معكم لإلحاقكم في مفاوضات الدوحة؟ ـ أولا نرفض مسألة الإلحاق، كما أن مفاوضات الدوحة خاطئة منذ البداية، وقد أدركت الدوحة هذا الخطأ، واليوم هناك جهد قطري لمعالجة الأخطاء، وقد التقى بنا وزير الدولة القطري آل محمودي في ليبيا مؤخرا وأكد بأن بلاده تسعى لأن تكون المفاوضات شاملة حتى لا تسير مفاوضات الدوحة في طريق الخطأ.

* ما أسس الحل والاتفاق من وجهة نظر الجبهة المتحدة للمقاومة؟

ـ الأسس واضحة وسهلة وغير معقدة كما يتصور البعض ومطالبنا تتحدد في النقاط التالية:

1ـ المشاركة العادلة في الثروة والسلطة وفق الكثافة السكانية.

2ـ صرف تعويضات للمتضررين من الاعتداءات التي حدثت في دارفور.

3ـ التأكيد على وحدة إقليم دارفور.

4ـ أن يتم إدماج كل الميليشيات في الجيش الموحد للدولة السودانية بمعايير جديدة حتى ينتهي التباين في الرتب والمناطق بمعنى أن الجندي يتم اختياره من جهة والضابط من جهة أخرى. ـ أن يتم تقسيم الثروة بنسب محددة من أجل التنمية الحقيقية في دارفور والاهتمام بمشروعات في البنية الأساسية.

6ـ لا بد من عودة الأراضي المسلوبة لأصحابها الأصليين وليس فقط مجرد إعطائهم حواكير.

* ماذا قدمت السلطة الانتقالية الممثلة في منى مناوي لدارفور؟ ـ منى مناوي حصل على سلطة شكلية وفقا لاتفاق أبوجا الذي لم يعط أي صلاحيات لمساعدي الرئيس وكلها مجرد إطار عام ينص على مهام تنسيقية وتسهيل الاتصالات والتعاون مع الحكومة المركزية، وكله كلام هلامي، ولذلك نريد سلطة حقيقية بمهام واضحة وفاعلة.

* يتردد وجود مفاوضات سرية بينكم وبين حركة خليل، هل ستنضم إليهم؟ ـ هذه المعلومات كذب بنسبة مليون في المائة، وخليل لم يعد في أذهاننا منذ يناير (كانون الثاني) عام 2001، عندما كنا حركة واحدة. نحن قدمنا تضحيات كثيرة بينما ركز هو جهده على ممارسة سياسة الإقصاء، وكل السلوكيات التي تدعونا إلى الابتعاد عنه. واليوم لا يوجد أي جديد حتى نُجري مفاوضات سرية معه. ونعتقد أنه هو وراء هذه التسريبات. وإذا كان هو مصدرها فإنه يعيش في وهم.

* هل نجحت المساعي المصرية في توحيد جبهة التفاوض؟ ـ مصر تقوم بمساع جادة وسوف يُكتب لها النجاح لأنها تقوم بجهد كبير في المناقشات والحوار وتقريب وجهات النظر وهو يصب في التكامل مع الدور الذي تقوم به ليبيا بالتعاون مع مصر. وكما ذكرت فإن المباحثات أظهرت أن الخلاف في بعض القضايا ثانوي لا جوهري ويمكن تجاوز هذه الشكليات التي تتعلق بالتنظيم.

* ماذا عن علاقاتكم مع الولايات المتحدة؟

ـ جيدة، ونتفق في الرؤية للقضية، وآلية التفاوض، وإجراء مفاوضات شاملة، والتعاون بين الحركات الدارفورية لتحسين الوضع الإنساني والإغاثة خصوصا بعد طرد منظمات الإغاثة، كما طلب منا المبعوث الأميركي سكوت غرايشن خلال لقاء معه في طرابلس مؤخرا على هامش اجتماعات القمة الإفريقية في سرت. إن أميركا تعمل من أجل دفع مفاوضات السلام في دارفور.

* كيف ترون زيارة الرئيس البشير لمصر؟ وماذا تطلبون منه؟ ـ الرئيس البشير يتشاور مع القيادة المصرية حول كل أوضاع السودان. وإذا كان الرئيس البشير جادا في السلام مع أهل دارفور فنحن نبادله هذه الجدية، ونأمل أن تكون هناك بالفعل مفاوضات جادة. الحكومة السودانية تعرف متطلبات السلام ومطالبنا العادلة، وبالتالي إذا كان لدى الحكومة السودانية جديد فعليهم أن يعكسوا ذلك خلال زيارة الرئيس البشير لمصر، التي لديها القدرة على إحراز تقدم في مفاوضات دارفور.

* ماذا حدث في اللقاء مع وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط؟ ـ أكدنا في هذا اللقاء المهم الاستعداد لتوحيد الرؤية من أجل التفاوض مع الحكومة بصوت دارفوري واحد.

* هل طرحت مصر عليكم مبادرة جديدة كما تردد من قبل؟ ـ مصر لم تطرح مبادرة جديدة وإنما تعزز الدور والجهد الليبي الذي بدأته معها منذ بداية الأزمة، ومع ذلك ليس هناك ما يمنع مصر من طرح مبادرة جديدة.

* نسمع كثيرا عن أهمية تنمية دارفور ومن واقع وجودكم في الميدان ما التكلفة الفعلية لهذه التنمية؟

ـ التقديرات التي طُرحت للتنمية في دارفور وصلت إلى قيمة 12 مليار دولار، وأعتقد أن هذا المبلغ قد يساعد كثيرا على إنهاء أزمة التنمية في دارفور.