تباين مواقف الأكثرية والمعارضة من الدور السوري يعزز التكهنات حيال عقبات تأليف الحكومة اللبنانية

كلام ساركوزي وزيارة كوشنير لدمشق رسالتان إيجابيتان

TT

الكلام الإيجابي للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، عن أن «الرئيس السوري بشار الأسد وفى بالتزاماته تجاهه» في ما يتعلق بالملف اللبناني، قرأته بعض الأطراف اللبنانية في قوى «14 آذار» على أنه يأتي كتشجيع يدفع السوريين إلى إكمال تنفيذ هذه الالتزامات في ما يتعلق بتشكيل الحكومة، التي يرأسها النائب سعد الحريري. اما أطراف أخرى في قوى «8 آذار» فوجدت فيه «براءة ذمة» و«شهادة حسن سلوك» قدمها أحد أقطاب المجتمع الدولي إلى سورية، التي لا تزال لدى فئة من فريق «14 آذار» في خانة الاتهام.

وبين القراءتين للدور السوري في العقبات التي تواجه الحريري، يبقى السؤال: هل يشكل هذا الدور عقدة أم حلا؟

يشير مصدر مطلع على مجريات عملية تأليف الحكومة وعقدها، إلى أن «المطلوب من سورية مقابل الانفتاح العربي والدولي تجاهها يتعلق في جزئه اللبناني بترسيم الحدود والسلاح الفلسطيني وإلغاء المجلس الأعلى السوري ـ اللبناني. وكان السوريون قد وافقوا من حيث المبدأ على البحث في الموضوع عندما طرحه الجانبان السعودي والدولي، ليتراجعوا بعد ذلك ويشيروا إلى أن تشكيل الحكومة لا يرتبط بهذه المطالب، التي تستطيع إسرائيل الاستفادة منها في اللحظة الإقليمية الحالية. لكن الجانبان السعودي والدولي اعتبرا أن الجواب السوري غير نهائي. وبالتالي لا يزالان ينتظران». ويضيف: «الجواب لن يتأخر على ما يبدو. وفي الانتظار تبقى سورية ومن خلال إمساكها خيوطا تحرك فريق «8 آذار» قادرة على تعقيد مسألة تأليف الحكومة».

أما النائب في كتلة «المستقبل» نهاد المشنوق، فيقول: «سورية ماهرة في الدورين. والواضح أن الاتجاه الفرنسي جاء لتسهيل تشكيل الحكومة». ويرى أن «عقد التأليف لها مساران. الأول يتعلق بالعلاقات اللبنانية ـ السورية. وقد سعى خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله، خلال مؤتمر الكويت للعمل في هذا الاتجاه انطلاقا من معرفته من أن الاستقرار في لبنان يمر عبر استقرار العلاقات السعودية ـ السورية. أما المسار الثاني لتشكيل الحكومة فيتعلق بالتفاصيل اللبنانية والعقبات الناجمة عن الطمع والصراع على الحقائب، والإصرار على الثلث المعطل من دون الأخذ بنتائج الانتخابات النيابية، التي لا تسمح أبدا بالثلث المعطل. فهذا الأمر يخل بالتوازن، الذي يرتبط بدور رئاسة الجمهورية كضامن داخل الحكومة في جزء داخلي منه، كما يرتبط بالدور الإقليمي في جزء آخر يتولاه الملك عبد الله».

ويضيف: «يريد السعوديون والفرنسيون والأميركيون أجوبة واضحة ومحددة من سورية بشأن أمور تتعلق بترتيب العلاقات مع لبنان. المبدأ هو البدء في العمل من الجانب السوري. سورية يجب أن تسير باتجاه ترتيب العلاقات. وأعتقد أن الخطوات اللاحقة ستأتي إيجابية لأن سورية حققت أرباحا كافية من خلال الاستجابات السابقة التي ترجمت انفتاحا دوليا. ولا مصلحة لها بخسارة ما ربحته». ويقول نائب «حزب البعث» في لبنان عاصم قانصوه: «غريب أمر منتقدي الدور السوري في لبنان. لماذا طالبوا بفتح سفارة؟ وعندما فتحت وجاء السفير، لم يعد أحد يأتي على ذكره أو يتعاون معه. كلهم عادوا إلى طريق الشام، وكأنهم لا يجيدون التعامل إلا مع أبو عبدو (رئيس جهاز الأمن والاستطلاع السوري في لبنان العميد رستم). وحده النائب وليد جنبلاط التقط المتغيرات في المنطقة قبل غيره وبدأ يعمل على هذا الأساس». ويضيف: «المفروض أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح بفضل الدور السعودي. أما الفريق المتضرر من قوى «14 آذار» فلا دور له. لأن الكباش ليس في لبنان، إنما بين الطرف السعودي وحلفائه. وبالتالي التصريحات اللبنانية الداخلية لا تقدم ولا تؤخر في الحل كثيرا. واقتناعي أن العقدة ليست في لبنان، ذلك أنها ترتبط بالمتغيرات وستكون في النهاية لصالح لبنان، انطلاقا من الانفتاح الأميركي والأوروبي على سورية. من هنا نقرأ تصريح ساركوزي، الذي قال فيه إنه عرف اتجاه البوصلة وسبق غيره في مد اليد إلى المسؤولين السوريين».

عن ضرورة ذهاب الحريري إلى سورية يقول المشنوق: «أي رئيس حكومة يجب أن يذهب إلى سورية. هذا الأمر من الأعراف المكرسة منذ حصول لبنان على استقلاله. المهم هو جدول الأعمال الذي ينظم الزيارة ويعطيها أبعادها. كذلك طبيعة النقاش الذي يدور في اللقاء. فالمسألة لا تتعلق بعلاقات أمنية أو شخصية. في الحكومة الحالية التي تتولى تصريف الأعمال، هناك خمسة وزراء من لبنان زاروا سورية، وذلك في إطار العلاقات بين الدولتين». من جهته، اعتبر قانصوه، أن «زيارة الحريري إلى الشام مهمة». واتهم قيادات في «14 آذار» بالضغط على الرئيس المكلف لمنعه من القيام بهذه الزيارة. وأبدى استعداده للقيام بكل ما يجب حتى يحصل اللقاء وتسير الأمور نحو الحل. وقال: «يجب أن تتم الزيارة. إذا أرادوا وضعها في سياق برنامج فليكن. لا بأس بهذا المخرج وتحديد أطر الاحترام المتبادل بين الجانبين السوري واللبناني». إلا أن المشنوق يضع النقاط على حروف الواقع السياسي بمعطياته التي ترجمت في الانتخابات، فيقول: «انتخابات عام 2005 جرت تحت عنوان اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، والمواجهة مع سورية. أما انتخابات عام 2009 فعنوانها سعد الحريري، وفتح الحوار مع سورية على قاعدة علاقات طبيعية بين الدولتين تتطور نحو الأفضل».

وعن دور سورية للضغط على حلفائها بعد ترتيب ملف العلاقات الطبيعية، يقول المشنوق: «سورية تقرر وفق أولوياتها. وفي حين يبقى العامل الداخلي موجودا، يبقى الأهم إرساء المعادلة الرئيسية على أساس أن لا ثلث معطل ولا أكثرية لاغية. وبهذا تكون الأكثرية قد قدمت تنازلا كبيرا».ويقول قانصوه، إن «مجيء الرئيس المكلف سعد الحريري يقلص الفروق بين 14 و8 آذار، لا سيما أن سورية تريد حكومة وحدة وطنية بمشاركة القوى اللبنانية كلها». ويضيف: «عندما اجتمعت كتلتنا النيابية مع الحريري قال لنا إنه حاضر لملاقاة الجميع في منتصف الطريق، لأن الحل لن يأتي إلا إذا تراجع كل طرف عن بعض مطالبه». ويضيف «أنا متحمس لسعد الحريري، لأنه حل بحد ذاته. لكن مسيرة هذا الحل لا تزال في بداياتها لجهة طرح الأمور الجذرية التي تصب في مصلحة لبنان». وتوقع أن تظهر معطيات إيجابية بعد فترة تتراوح بين عشرين يوما وشهر. وقال: «خلال هذه الفترة يستطيع أطراف 14 آذار أن يقولوا ما يريدون ليفشوا خلقهم. إلا أن الوقت سيلعب دوره وستنحسر كل النقاط الملتبسة. وخير دليل على ذلك حركة المصالحات التي يقوم بها حزب الله باتجاه القيادات الدينية الدرزية. نحن نسير باتجاه الحل».

ويؤكد قانصوه، أن «الثلث المعطل في الحكومة يبقى من الثوابت وخارج النقاش، لأن الوضع المأزوم إقليميا جراء المواقف الإسرائيلية له الأولوية ويجب أن يواجهه لبنان بحكومة وحدة وطنية». كما يؤكد أن «سورية لا تملك مطالب خاصة في لبنان. العكس هو الصحيح، لأن لدى اللبنانيين مطالب تتعلق بترسيم الحدود والسلاح الفلسطيني ومزارع شبعا وغيرها، في حين أن الجيش السوري خرج من لبنان ولم يتدخل في الانتخابات. ولو أراد التدخل لما حصل فريق 14 آذار على الأغلبية ولكنا فزنا وبفارق أصوات كبير. الرئيس السوري بشار الأسد يريد الاستقرار في لبنان. وقد أرسل سفير بلاده ليريح أعصاب المتشنجين، الذين على ما يبدو لا يجيدون التعامل مع الدول وفق الأصول الدبلوماسية وانطلاقا من السفارات».