الهدوء الحذر يعود إلى مناطق الإيغور.. ودعوات لواشنطن بالتزام قضيتهم

تشديد الإجراء الأمنية في شينغيانغ.. وحصيلة ضحايا العنف العرقي مرشحة للارتفاع

رجلان من الإيغور يقرآن، أمس في أورومتشي، وثيقة عمومية تدعو المتورطين في أعمال العنف الأخيرة في عاصمة إقليم شينغيانغ، إلى تسليم أنفسهم إلى الشرطة، وتدعو غيرهم إلى عدم إيوائهم (إ.ب.أ)
TT

ساد الهدوء الحذر أمس عاصمة إقليم شينغيانغ، الذي تقطنه غالبية مسلمة في شمال غرب الصين، فيما استمرت الأجواء متوترة بعد أسبوع من أعمال العنف العرقية، ووسط دعوات لواشنطن بتبني قضية الإيغور، الذين يشكلون غالبية سكان الإقليم.

فقد فتحت المحال أبوابها وعاد الازدحام المروري إلى شوارع أورومتشي، بعدما قتل 184 شخصا في أعمال العنف التي نشبت بين أقلية الإيغور المسلمة الناطقة بالتركية وأكثرية الهان. ونقلت وكالة «رويترز» عن بائع صيني من عرق الهان يُدعى شيا ليهاي قوله: «الأمور بدأت تعود إلى طبيعتها لكني أشعر أنه سيكون هناك مزيد من المشكلات». وأضاف أنه فور الإعلان عن اعتقالات ومحاكمات وأحكام يمكن حدوث مزيد من الاحتجاجات من جانب الإيغور.

وبث التلفزيون المحلي نداءات للهدوء، بينما لا يزال الوصول إلى الإنترنت غير ممكن في أنحاء. وقال عليم، وهو إيغوري يعمل في حكومة المدينة، إن الإيغور في الحكومة المحلية يشعرون بضغط متزايد من بني عرقهم في أعقاب أسبوع من الاعتقالات الكاسحة لرجال الإيغور. ويقول الإيغور إن كثيرا من الرجال الذين اعتُقلوا أبرياء ولا علاقة لهم بأعمال الشغب. وقال عليم: «أشعر بضغط كبير لأنهم اعتقلوا الآلاف منذ الخامس من يوليو (تموز) الحالي. الأسر تريد إطلاق سراحهم مبكرا خصوصا لأن الرجال هم الذين يكسبون الرزق في أسر الإيغور».

وينحي المسؤولون في مدينة أورومتشي باللائمة على نحو متزايد في أعمال الشغب على مهاجرين من جنوب شينغيانغ الأكثر فقرا حيث لا يزال الإيغور يشكلون أغلبية السكان. ويمثل الإيغور ما يقرب من 46 في ا لمائة من سكان الإقليم الذين يبلغ عددهم 21 مليون نسمة لكنهم كانوا يمثلون الأغلبية المطلقة حتى عقود قليلة ماضية.

وأبدى كثيرون غضبهم من تدفق الهان الصينيين ويقولون إن الوافدين الجدد حصلوا على وظائف كثيرة جدا وجمعوا ثروات طائلة من التنمية في الشمال. واندلعت أعمال قبل أسبوع بعدما تدخلت الشرطة لقمع مظاهرة للإيغور ضد هجوم على عمال من الإيغور في مصنع بجنوب الصين قُتل فيه شخصان.

وصباح أمس وقع انفجار في أكبر مصنع كيميائي في عاصمة إقليم شينغيانغ دون أن يسفر عن ضحايا. وأكدت إدارة المصنع لاحقا أنه حادث عرضي. وكان أمس يوم حداد بالنسبة إلى عرقية الهان، وتم فيه منع التجمعات العامة في أورومتشي. وأعلنت السلطات المحلية في بيان نشرته وكالة أنباء الصين الجديدة أمس إصابة 1680 شخصا بجروح في أعمال العنف، بينهم 74 في حالة حرجة. ويعني هذا الأمر أن حصيلة القتلى التي بلغت رسميا 184 قد تكون مرشحة للارتفاع. وأعلن نور بكري رئيس الحكومة المحلية في شينغيانغ أن حصيلة الجرحى ارتفعت من 1080 إلى 1680. ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة عن بكري في خطاب متلفز أنه تم نقل 939 جريحا إلى المستشفيات، منهم 216 في حال خطرة. وأوضح أنه بين الـ216 مصابا المذكورين 74 في حالة حرجة.

في غضون ذلك، دعت المنشقّة الصينية ربيعة قدير التي تعيش في المنفى في مقابلة نُشرت أمس، الولايات المتحدة إلى التزام قضية شعبها الإيغور الذي «تقمعه» بكين، وذلك عبر فتح قنصلية أميركية مثلا في أورومتشي. وقالت قدير (62 عاما) في مقابلة مع مجلة «فوكوس» الألمانية إن «الولايات المتحدة التزمت بقوة قضية التيبت، عليها أن تفعل الأمر عينه مع الإيغور». وأضافت زعيمة المؤتمر العالمي للإيغور، أبرز تجمع للشتات الإيغوري في العالم، أن «واشنطن يمكنها مثلا أن تفتح قنصلية في أورومتشي، هذه الخطوة سترسل إشارة واضحة إلى الصين مفادها أن الولايات المتحدة ليست غير مبالية بالقمع الذي يتعرض له شعبي». وأكدت المنشقة الصينية التي تقيم في واشنطن منذ 2005 أن «الحكومة الصينية منحتنا نوعا من الحكم الذاتي ولكنها لا تزال تعاملنا كحيوانات»، في حين «أننا نريد حرية حقيقية وحق تقرير مصيرنا بأنفسنا». وأوضحت قدير أن الإيغور «يعانون تماما كأبناء التيبت: نحن نتعرض للقمع من بلدنا نفسه ونعامَل كمواطنين من الدرجة الثانية».

وصوّت مجلس النواب الأميركي في سبتمبر (أيلول) 2007 على قرار يدعو بكين للإفراج عن أبناء ربيعة قدير والكف عن «القمع الثقافي واللغوي والديني بحق الشعب الإيغوري». وأعلن برلمانيان أميركيان، أحدهما ديمقراطي والآخر جمهوري، هذا الأسبوع، أنهما تقدما بمشروع قرار يدين الصين بسبب «قمعها التظاهرات السلمية للإيغور بعنف».

وكان إقليم شينغيانغ الذي انتشر فيه الإسلام في القرن الثامن مع قيام مملكة الأتراك الإيغور في غانسو الغربية (الإقليم المجاور بحسب التقسيمات الإدارية الحالية) مصهرا للحضارات والشعوب بما فيها اتنية الهان. وبعد قيام جمهورية تركستان الشرقية لفترة وجيزة، حررها الصينيون الشيوعيون «سلميا» لدى وصولهم إلى السلطة في بكين في 1949.

ومن 6% في حينها ارتفعت نسبة الهان اليوم إلى 40% وباتت متساوية مع نسبة الإيغور الذين باتوا يشكلون أقلية على أراضيهم. وقال أحد السكان الإيغور ويُدعى عبد الله إن «الصينيين الهان لا يحبوننا ويحتقروننا ونتعرض على أيديهم للتمييز». وأضاف الشاب البالغ 28 عاما والمقيم في أورومتشي: «معظم المؤسسات الصينية لا تريد توظيف الإيغور وعندما توظفنا نتعرض لسوء المعاملة». وقال عبد الله الذي يعمل في مصنع حكومي للحديد: «أكسب 1100 يوان شهريا (120 يورو) لكن راتب أي موظف من الهان يتراوح بين ثلاثة وأربعة آلاف يوان للوظيفة نفسها».

وفي تقرير نُشر أخيرا بعنوان «الهوية الإثنية الإيغورية مهددة» أدانت منظمة العفو الدولية «عدم تحرك السلطات لوقف التمييز». وقالت المنظمة: «الدولة الصينية لا تحمي الإيغور من التمييز لدى توظيفهم ما يؤدي إلى معدلات بطالة مرتفعة خصوصا لدى الإيغور في شينغيانغ والى تنامي مشاعر الغضب». وأضافت: «حتى حملة الشهادات الجامعية الذين يتكلمون الصينية بطلاقة يجدون صعوبة في الحصول على وظيفة».

ويشدد زانغ شويشينغ (52 سنة) ، المقيم في شينغيانغ وهو من الهان، على المشكلات اللغوية. وقال: «التواصل صعب وهذا يؤدي إلى سوء فهم. والعديد من الإيغور يعلمون أن الأفق مسدود إذا لم يتكلموا اللغة الصينية. في الوقت نفسه من المفيد أن يتعلم الصينيون (الهان) هنا لغة الإيغور». وأضاف: «أحب هذا الإقليم وكذلك الإيغور. إنني واثق من أننا سنتجاوز هذه المحنة».