الهند تشهد حملة ثانية ضد الإرهاب.. عبر السينما

حصار مومباي يتسبب في إطلاق موجة واسعة من الأفلام * جدل حول فيلم «يعدم» فيه الناجي الوحيد المتهم

راجان فيرما يعلب دور الناجي الوحيد ضمن المشتبه بهم في حصار مومباي، في فيلم «توتال تان»
TT

في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي وخلال تجربة للتعرف على القدرات الاستعراضية والفنية، طُلب من راجان فيرما أن يقوم بدور رجل يهاجم قطارا ومبنى، فأمسك الممثل ببندقية لعبة وقال كلمات كان يأمل أن تظهر قسوة شديدة. لم يكن لدى فيرما (28 عاما) أي فكرة عما سيتناوله الفيلم، ولكن عندما سلم له أحد المخرجين تيشيرتا أسود وبنطلونا بيجا وحقيبة زرقاء وما يشبه رشاشا من نوع «إيه كيه 47»، فهم على الفور الأمر. كان يُطلب منه تجسيد أحد المعتدين المشاركين في الهجمات الإرهابية التي نُفذت في مومباي في السادس والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وهو اليوم الذي يشير له الهنود بـ«26/11» للتشبيه بهجمات 11 سبتمبر (أيلول).

وقال فيرما: «جميعنا يعرف شكل أجمل أمير قصاب»، في إشارة إلى المسلح الوحيد الذي أُلقي القبض عليه خلال حصار دام ثلاثة أيام وتجرى محاكمته حاليا بسبب دوره في مقتل أكثر من 170 شخصا بينهم 6 أميركيين. وأضاف فيرما: «رفضت أداء الدور على الفور، فلم أشأ أن أضفي عنصر جذب على هذا الشخص الوضيع».

ولكن في النهاية قبِل فيرما الدور، ومن المقرر أن يعرض الفيلم «توتال تن» الشهر المقبل، ليكون الأول ضمن مجموعة من الأفلام تهدف إلى التذكير بحالة الرعب التي أصابت مومباي بالشلل. وقال فيرما، الذي كان يرتدى بنطلون جينز وتيشيرتا أحمر اللون يجسد جسمه خلال مقابلة أخيرة معه: «يجب أن يضع الفيلم نهاية للمكان الذي ينتج أشخاصا مثل قصاب». وأضاف: «قمت بتقليل وزني، وذهبت إلى صالة ألعاب رياضية، وغيرت من تصفيفة شعري ليتناسب مع الدور، وكان الجزء الأصعب هو أن أُكسِب عينَيّ نظرة وحشية مثل تلك الخاصة بالحيوانات». قال الجزء الأخير وهو يضم عينيه محدقا.

وخلال الحصار الذي اتهمت فيه الهند منظمات إسلامية بباكستان بالوقوف وراءه، قام 10 مسلحين بالهجوم على 10 مواقع في المدينة، ومن بينها فندقان خمس نجوم ومحطة قطار ومركز يهودي. ومنذ ذلك الوقت، سجل صناع الأفلام أكثر من 30 عنوانا لمشاريع أفلام تركز على الهجمات، ومن بين هذه العناوين «إرهاب تاج» و«عملية مومباي الخمس النجوم» و«مومباي تحت الإرهاب».

ويقول نانديني رامناث، وهو محرر سينمائي بـ«استراحة مومباي»: «يبدو أن مخرجي الأفلام السريعة ذات الميزانيات المنخفضة سعداء بتناول أفلام عن هجمات 26/11 بسبب حالة الإثارة التي تسببت فيها الهجمات. وبغض النظر عن خصائص الأفلام، فإنها سوف تجعل صدى النشيد الوطني يتردد في أذهان بعض المشاهدين، فالأعمال الوطنية دائما ما تحقق نجاحا». وقد قدمت وسائل الإعلام الإخبارية في الهند تغطية مشبعة عن الهجمات، والتحقيق الذي تلا والمحاكمة الحالية لقصاب. وفي مارس (آذار) الماضي، قام سكان إحدى المناطق بمدينة مومباي بإحراق مجسم هائل لقصاب خلال مهرجان محلي. ولكن سوريندر سوري مخرج «توتال تن» يقول إن التعب لم يبدأ. ويضيف: «ظهرت أربعة أفلام تتناول اغتيال كينيدي، وما زال الناس يشاهدونها، فبعض، القصص تبقى دوما في الذهن البشري بغض النظر عن عدد المرات التي تستكشف فيها». ويقول سوري إن فيلمه يبدأ بعشرة رجال ينطلقون من باكستان مستقلين قاربا ويصلون إلى مومباي بعد عملية نهب في بحر العرب. ويركز على القصة التي رواها قصاب، مع استخدام تقنية الفلاش باك، لتناول التدريب الذي ذُكر داخل باكستان وتسلسل يظهره وهو يقتل ركّابا ورجال شرطة داخل محطة القطار قبل إلقاء القبض عليه في أحد الشوارع. ويظهر المشهد الأخير السكان وهم يتدفقون صوب الشوارع ويوقدون الشموع والطلقات التي تظهر في أجساد رجال الشرطة والجنود الذين قُتلوا خلال الهجمات.

وعلى عكس العروض التقليدية التي تقدمها بوليوود، لن يتضمن «توتال تن» مشاهد راقصة أو أغنيات، ولن تكون به قصة رومانسية جانبية. وقد تم تصوير الفيلم في ثلاث مدن في الفترة بين ديسمبر (كانون الأول) وأبريل (نيسان) الماضيين. وفي مومباي قام سوري بالتصوير في المواقع التي نُفذت فيها الهجمات، وتسبب ذلك في ازدحام مروري بدرجة كبيرة حيث تجمع الآلاف من المواطنين لمشاهدة التصوير. وبدا الخوف على بعض المتفرجين عندما شاهدوا فيرما وهو يرتدي مثل ملابس قصاب ويتجول حول محطة القطار. ولم يكن من السهل الحصول على تصريح من الشرطة لتصوير مشاهد للفيلم في المواقع التي حدثت فيها الهجمات بالفعل. وقال سوري: «قالوا: انقضى الأمر، فلندعه يمضِ». وأشار إلى أن «الشرطة ترغب في نسيان ذلك الحادث لأنها خسرت الكثير من الضباط». ولكنه استدرك قائلا: «سيكون الفيلم بمثابة متنفس لمومباي».

ويشير كل من سوري وفيرما إلى أنهما فقدا أصدقاء خلال الهجمات. وقد جاء فيرما إلى قبلة الأفلام بمومباي قبل ثمانية أعوام، وشارك في فيلمين للأطفال، قام في أحدهما باختطاف حافلة مدرسة وفي الآخر قام جيش من الفئران المتحركة بالهجوم عليه باستخدام مسدسات. وحاليا، يشعر بالقلق من أن ملصقات «توتال تن» سوف تمزق وتحرق وأنه سوف يكون هدفا لغضب شعبي. ويقول فيرما: «سوف يبعث الفيلم قدرا كبيرا من المشاعر، وسوف يطالب المواطنون بشنق قصاب».

وأوردت وسائل الإعلام الإخبارية الهندية أن شخصية قصاب تُقتل شنقا في الفيلم، ولكن لم يؤكد سوري أو ينفِ ذلك. وقال عباس كاظمي محامي قصاب، إنه تضايق من هذه التقارير. وأضاف: «تفرض هذه الأفلام استنتاجاتها على الناس وتؤدي إلى حالة من عدم الموضوعية وتعرض مصلحة المتهم للخطر، وستكون هذه الأفلام بمثابة محكمة موازية». ولا تركز جميع الأفلام على قصاب، حيث يخطط منتج الفيلم سانياي جاها ماستان لإصدار فيلم سياسي استوحاه من الهجمات. ويقول: «أنظر إلى الحدث بالكامل من عدسات سياسية، وسوف أظهر الساسة وهو يروّجون لمصالحهم الشخصية الضيقة باستخدام مبرر هجمات مومباي. لن أقدم وعظا، وما أريده هو الترفيه، وسوف أبحث عن وسيلة لإدراج أغانٍ في الفيلم».

ويقول فيرما إن معظم أصدقائه وجيرانه ينادونه «قصاب»، وهي الشخصية التي يريد التخلص منها. وقبل أسابيع قليلة وصلته رسالة عبر البريد الإلكتروني من امرأة زعمت أنها باكستانية وأنها تُدعى راضية. ويقول فيرما: «كتبَت أنني كنت بارعا في شخصية قصاب وقالت إنها تريد الزواج بي، وأرفقت أربع صور». وقال فيرما إنه قام بإرسال الرسالة إلى شرطة مومباي.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»