بغداد: «مدينة الغبار».. عواصف ترابية محملة بملياري طن من الغبار.. لا مفر منها

مدير الهيئة العامة لمكافحة التصحر لـالشرق الأوسط»: العواصف الترابية مستمرة.. ولن تتوقف

TT

قال سعدي إبراهيم، ملتقطا أنفاسه بصعوبة ومستعينا بقناع الأكسجين، بينما كان جالسا في جناح طوارئ مستشفى ابن النفيس وسط بغداد، «لا أتحمل هذه العواصف الرملية» مضيفا بصوت متهدج «لا أستطيع التنفس».

ومنذ مطلع الصيف الحالي، تضرب العراق عواصف رملية بشكل شبه يومي، بحيث باتت الحياة تزداد صعوبة، وترغم المئات ممن يعانون مشكلات في التنفس على التوجه إلى المستشفيات، فضلا عن غلق المطارات أمام الرحلات الجوية بسبب انعدام الرؤية.

ويقول مختصون عراقيون، إن عاصفة ترابية محملة بأكثر من ملياري طن من الغبار، تعم منطقة الخليج والعراق، حتى بات البعض يطلق على بغداد، تسمية مدينة «الغبار»، تشبها بالعاصمة لندن التي يطلق عليها مدينة «الضباب». فمنظر الغبار بالجو أصبح شبه طبيعي، وأصبح اللون «البيجي» هو المفضل لملابسهم كونها الأقل تأثرا بالجو، أما الكمامات فانتشرت بشكل ملفت للنظر في جميع شوارع بغداد، وبقية المدن الأخرى، ناهيك عن صيدليات الطوارئ التي استحدثت في كل مستشفى وخصصت فقط لإسعاف حالات الربو والاختناق جراء الغبار. وحذرت مراكز الأرصاد الجوية الخليجية من امتداد العاصفة الرملية، التي هبت على العراق إلى بقية بلدان المنطقة، حاملة معها ملياري طن من الأتربة. ورصد قمر صناعي عاصفة رملية ضخمة تمتد إلى نطاقات بلدان الشرق الأوسط الأخرى. وهبوب العواصف أمر مرتقب، خصوصا في يونيو (حزيران) سنويا، لكنها أصبحت ظاهرة شبه يومية خلال الفصل الحالي. ويتابع إبراهيم (46 عاما) «لم أصادف مشكلة في التنفس مثل هذه، كان هبوب العواصف الرملية من حين لآخر، لكن المعاناة حقيقية هذا العام». وما يزيد من معاناة العراقيين، الانقطاع المتكرر في التيار الكهربائي بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز الخمسين في بعض الأحيان، في حين يصعب الحصول على هواء نقي بسبب العواصف الرملية.

ويقول أمين حسين، وهو مريض آخر في قسم الطوارئ: «كلما تهب العواصف الرملية، أتعرض لأزمة بسبب صعوبة التنفس» مشيرا إلى أن «الكهرباء تأتينا ساعات قليلة فنكون مرغمين على فتح الأبواب والنوافذ لدى ارتفاع درجات الحرارة». ووفقا للسلطات العراقية، فإن نسبة التصحر آخذة بالازدياد، خصوصا خلال العامين الماضيين، ما يؤدي إلى تصاعد في وتيرة العواصف الرملية، التي تضرب عموم المنطقة، بما فيها السعودية وإيران.

ويقول إبراهيم شريف، مسؤول «دائرة مكافحة التصحر» في وزارة البيئة العراقية، إن معدل العواصف خلال تسعينات القرن الماضي، كان ثمانية أيام من العواصف الرملية في السنة، أما الآن فلا يكاد يمر أسبوع من دون عاصفة». وأوضح أن «العراق يقع ضمن منطقة جافة أو شبه جافة، وأدى نقص كميات الأمطار خلال السنوات الماضية إلى تدمير الغطاء النباتي» مشيرا إلى أن «انعدام الغطاء يساعد على تماسك التربة فتتصاعد الرمال مع هبوب الرياح».

كما لعبت العمليات العسكرية في العراق منذ عام 1980 دورا في زيادة التصحر، فالعربات العسكرية دمرت عددا كبيرا من المناطق الخضراء في وسط وجنوب العراق، ما زاد من تصاعد الغبار عند هبوب الرياح الشمالية، ووفقا للمصدر، أكد شريف، أن «حماية الغطاء النباتي في عموم البلاد هو الحل الوحيد لمواجهة التصحر». وأشار إلى «انخفاض أعداد أشجار النخيل إلى الثلثين، وبات عددها حاليا 12 مليون شجرة، بعد أن كان 36 مليون» في السابق. وشدد على «ضرورة وضع إستراتيجية عامة تتولى تنفيذها وزارات الزراعة والبيئة والتعليم والموارد المائية، ولا توجد حاليا سوى مشروعات صغيرة لا تفي بالغرض». ويقول كريم عبد، المسؤول في وزارة البيئة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، «إن السبب الرئيسي لهذه الظاهرة جاء نتيجة السياسات الخاطئة التي كان يتبعها النظام السابق، منها الحروب التي قضت على مناطق خضراء ضخمة جدا على الحدود ولا يمكن تعويضها، وهناك تجفيف الأهوار الذي كان يؤثر في البيئة العراقية وحتى دول المنطقة، ناهيك عن اتساع حجم المناطق المتصحرة وقلة تساقط الأمطار وتراجع الأحزمة الخضراء».

ويقول فاضل الفراجي، مدير الهيئة العامة لمكافحة التصحر لـ«الشرق الأوسط»، إن «العواصف الترابية مستمرة، ولن تتوقف»، ويشير إلى أسباب أخرى للظاهرة، وهي تناقص معدلات مناسيب المياه في الأنهار نتيجة الحصص المائية، ما أدى إلى تقليص الأراضي المراد زراعتها. وسوء استخدام المياه وخزنها، واستخدام الطرق التقليدية في الري، عبر قنوات الري، وترك المياه لحين جفافها، وكان من الممكن سقي الأرض نفسها بأقل من 10 في المائة من الكمية المستخدمة، والاستفادة من الكميات المتبقية لزيادة مساحات خضراء وزيادة الغطاء النباتي. وأشار الفراجي، إلى أن توقف موجات الرياح الترابية في العراق أمر شبه مستحيل حاليا في العراق، وسنبقى تحت هذا الظرف طيلة فصل الصيف.

وأكد أن خطة وزارية حاليا تسير بثلاثة اتجاهات، أولها وجود رمال متحركة نريد تثبيتها، والثانية إنشاء مراعي طبيعية، والأخيرة توسيع الواحات الصحراوية عبر حفر الآبار وتكثيف الزراعه بجوارها. أما عوني ذياب عبد الله، المدير العام للمركز الوطني لإدارة الموارد المائية فأكد لـ«الشرق الأوسط» أن بيئة العراق تغيرت بدرجة كبيرة جدا، وأسباب التغيير تندرج ضمن بندين فقط أولهما شح المياه والثاني مشكلة الاحتباس الحراري، الذي نجم عن نتائج وانعكاسات سوء تصرف الدول الصناعية، لكن التي تضررت هي مناطق الشرق الأوسط وبشكل أكبر من غيرها.