مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: رفسنجاني يقود مظاهرات الإصلاحيين بعد خطبة صلاة الجمعة غدا

مساومات لاعتراف موسوي بشرعية نجاد مقابل تشكيله مظلة سياسية للإصلاحيين * هيلاري كلينتون لطهران: يجب أن تردوا علينا الأن

انتشار كثيف لرجال الأمن في شوارع طهران بسبب المظاهرات المتكررة على نتائج الانتخابات الايرانية (رويترز)
TT

سينهي رئيس مجلس الخبراء ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني على أكبر هاشمي رفسنجاني صمت نحو 33 يوما لم يخرج فيها للعلن منذ أزمة الانتخابات الإيرانية في 12 يونيو (حزيران) الماضي، إذ سيقود رفسنجاني غدا مظاهرات للإصلاحيين تعقب صلاة الجمعة بعد إلقائه أول خطبة جمعة له في جامع «جامعة طهران» منذ أزمة انتخابات الرئاسة. وقال مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط» إن رفسنجاني سيقود مسيرات بعد إلقائه خطبة الجمعة التي يترقبها الإصلاحيون والمحافظون على حد سواء، موضحا أن زعيم حزب «الكلمة الخضراء» مير حسين موسوي والرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي وقادة آخرين من الحركة الإصلاحية سيشاركون في المظاهرات. ويأتي ذلك فيما بدا أن شقيق هاشمي رفسنجاني وابنه يؤيدان ويدفعان لإنشاء مظلة كبيرة لكل أطياف الحركة الإصلاحية بزعامة موسوي، إذ قال محمد هاشمي رفسنجاني، شقيق رفسنجاني أمس «إن الظروف السياسية والاجتماعية لإنشاء جبهة متوافرة لأن الذين صوتوا لموسوي يمثلون قوة هائلة، ومعظمهم من النخب الجامعية والطلابية».

وحول مشاركة رفسنجاني في مظاهرة للإصلاحيين بحضور موسوي وخاتمي، قال المصدر الإيراني لـ«الشرق الأوسط» إن رفسنجاني يريد أن يرسل رسالة مفادها «ما حدث يجب أن لا يتكرر ولا بد من محاسبة المسوؤلين عن الطريقة التي تم بها قمع المظاهرات ويجب إجراء تحقيقات واسعة». وتابع المسؤول الإيراني المقرب من رفسنجاني وحزبه «كوادر البناء»: «على الرغم من أن الأزمة لم تنته والنتائج المترتبة عليها لم تظهر كلها للعيان، وحتى التشكيل النهائي للقوى السياسية بعد الأزمة لم يتبلور، فإن رفسنجاني بات أقرب للإصلاحيين بعد هذه الأزمة. قبل الأزمة كان يحاول أن يقف في الوسط بقدر المستطاع. السؤال الآن بات: إلى أي حد يريد هاشمي أن يكون قريبا من الإصلاحيين وليس إلى أي حد يريد أن يقف في الوسط». ومن المعروف أن رفسنجاني لا يقف على مسافة واحدة من كل أطياف التيار الإصلاحي في إيران، فهو أقرب إلى التيار الوسطي داخل الإصلاحيين ويميل هذا التيار إلى التغيير لكن عبر المؤسسات الرسمية والقوانين المعمول بها في إيران، بينما يبتعد رفسنجاني عن «التيار الراديكالي» في الحركة الإصلاحية الذي يرى المحافظون أنه يهدد «الجمهورية الإسلامية». وتابع المسوؤل الإيراني في اتصال هاتفي من لندن: «على الرغم من الطريقة التي تمت بها السيطرة على الأزمة عسكريا، فإن الإصلاحيين خرجوا من الأزمة أقوى من قبل. فقبل الانتخابات كانت هناك انقسامات وسط الإصلاحيين، وكانت هناك شكوك في أن الشارع ما زال يدعم الحركة الإصلاحية. تغير هذا الآن. ما زالت هناك اختلافات في وجهات النظر بين الإصلاحيين حول تفاصيل التعامل مع الأزمة، إلا أن هناك اتفاقا عاما يدعم استمرار رفض نتائج الانتخابات والمطالبة بتحقيق مستقل فيما حدث وتشكيل تنظيم سياسي يواصل النضال السياسي». وتتجه الأنظار إلى كلمة رفسنجاني خلال خطبة الجمعة غدا، التي يترقبها المعسكران الإصلاحي والمحافظ بالدرجة نفسها، خصوصا فيما يتعلق بالطريقة التي قد يتطرق فيها إلى طرق حل الأزمة الراهنة وتخفيف حدة الاستقطاب السياسي في إيران، وما إذا كان سيقدم دعما علنيا للإصلاحيين، وهو أمر ضروري لحركة موسوي، أم سيتعمد إظهار الحياد لإبقاء الاتصالات مفتوحة مع النافذين في النظام لتمكينه من مواصلة ضغوطه. وأوضح المصدر الإيراني أن «عبئا ثقيلا جدا» يقع على كاهل رفسنجاني منذ بداية الأزمة، وأضاف: «مواقف رفسنجاني خلال الأزمة كانت داعمة للإصلاحيين. الآن هذا الدعم بدأ يظهر بشكل أوضح؛ ومن ذلك قرار مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يرأسه هاشمي الذي أقر تشريعا صدر في البرلمان الأيام الماضية يمنع أعضاء مجلس صيانة الدستور من أن يشغلوا أي منصب حكومي أو قضائي. فمجلس صيانة الدستور الحالي يوجد بين أعضائه الـ12 من يعملون مع حكومة احمدي نجاد أو يشغلون مناصب في المؤسسة القضائية مثل عباس على كدخدائي وغلام حسين إلهام. هؤلاء الذين يعملون في المجلس ومع الحكومة جعلوا مجلس صيانة الدستور يتحرك في صالح احمدي نجاد خلال الأزمة. قرار مجلس تشخيص مصلحة النظام فض علاقة مجلس صيانة الدستور بالحكومة ولا شك أن هناك خطوات أخرى. لكن المشكلة أن المحافظين سيحاولون أن يخلقوا المشاكل لرفسنجاني بسبب تحركاته. الأيام المقبلة قد تشهد انقساما أكبر على صعيد القرارات السياسية. وكان مسؤولون مقربون من موسوي قد قالوا إنه ومعه إصلاحيون بارزون يخططون لإطلاق «جبهة سياسية» قريبا، مما أدى إلى اشتداد انتقادات المحافظين له وللإصلاحيين الداعمين له. وقال علي رضا بهشتي المقرب من موسوي بحسب ما نقلت صحيفة «سرمايه» الإيرانية أمس إن «إنشاء جبهة سياسية مطروح على جدول أعمال مير حسين موسوي وسنعلنها قريبا». لكنه لم يحدد الحركات السياسية والشخصيات التي ستشارك في هذه «الجبهة السياسية» التي حصلت على تأييد من شقيق الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني. إذ نقلت صحيفة «إيران» الحكومية عن محمد هاشمي رفسنجاني قوله «إن الظروف السياسية والاجتماعية لإنشاء جبهة متوافرة لأن الذين صوتوا لموسوي يمثلون قوة هائلة، ومعظمهم من النخب الجامعية والطلابية». إلا ان مسؤول محافظ هو حميد رضا طراقي اشترط اعتراف موسوي بـ«شرعية حكومة» احمدي نجاد للسماح بتشكيل مثل هذه «الجبهة السياسية». وقال بحسب صحيفة «سرمايه»: «إن اعترف موسوي بشرعية الحكومة وطلب إذنا لحزبه، فستكون هذه خطوة إيجابية وسوف نتجاوب معها». غير أن صحفا ومسؤولين آخرين محافظين ومتشددين اعتبروا أن موسوي «غير مؤهل» لإنشاء تشكيل سياسي، ووجه بعضهم انتقادات شديدة إليه وإلى محمد خاتمي وعائلة رفسنجاني.

ونددت صحيفة «جافان» المحافظة المتشددة في صفحتها الأولى بـ«اللعبة الجديدة لمثلث الشر»، منتقدة الشكاوى التي قدمها موسوي وخاتمي ومهدي هاشمي ابن رفسنجاني بحق عدة صحف ووسائل إعلام محافظة وفي مقدمتها وكالة «فارس» شبه الرسمية والقريبة من الحرس الثوري، وصحيفتا «كيهان» و«إيران» المحافظتان، بتهمة التضليل الإعلامي.

وبعد غياب استمر أياما، ظهر موسوي علنا للمرة الأولى مساء أول من أمس فتوجه مع زوجته «إلى منزل عائلة سهراب اعرابي، وهو الشاب ابن التسعة عشر عاما الذي قتل في الأحداث الأخيرة، لإبداء تضامنهما وتقديم تعازيهما للعائلة». وقال موسوي إنه لن يسمح بأن تذهب دماء المتظاهرين سدى، موضحا بحسب ما نقل عنه موقع «نيروز نيوز» الإلكتروني: «لن نسمح لدماء هؤلاء الشباب بأن تذهب سدى»، فيما قالت والدة سهراب، برافين فهيمي إنها سترفع قضية ضد المسؤولين عن مقتل ابنها أمام المحاكم الوطنية الإيرانية وإن دعت الحاجة أمام المحاكم الدولية. وخلال زيارة موسوي وزوجته زهراء راهنفارد، لأسرة سهراب لتقديم العزاء تجمع المئات وهم يهتفون «الموت للدكتاتور»، فيما أضيئت مئات الشموع في الشوارع المحيطة بمنزل العائلة، بينما نقلت صور من داخل منزل العائلة تظهر صور سهراب معلقة على الحائط وعلى كتفه كوفيه خضراء وهو لون حملة موسوي الانتخابية الذي بات لونا للحركة الإصلاحية الإيرانية منذ أزمة الانتخابات الإيرانية. وكان سهراب قد اختفى يوم 15 يونيو (حزيران) الماضي بعد يوم من المظاهرات العارمة في طهران، وحاولت أسرته العثور عليه وتوجهت إلى الشرطة وسجن ايفين للسؤال عنه دون جدوى إلى أن تم إبلاغ الأسرة يوم السبت الماضي أن سهراب قتل خلال المظاهرات برصاصة في القلب. وبحسب الأسرة فإن السلطات أخفت عن عمد نبأ مقتل سهراب لما بعد إحياء الذكرى العاشرة لمظاهرات عام 1999 التي قتل وجرح فيها عدد من الطلبة في مواجهات بين الطلبة الاصلاحيين وقوات الباسيج احتجاجا على اغلاق العديد من الصحف الاصلاحية واعتقال مثقفين وكتاب وصحافيين. ودفن سهراب يوم الاثنين في مقبرة «بهشت زهراء» في طهران.

ونزل مئات الآلاف من الإيرانيين إلى الشارع للاحتجاج إثر إعلان إعادة انتخاب احمدي نجاد، وأسفرت المواجهات التي جرت على هامش المظاهرات عن سقوط ما لا يقل عن عشرين قتيلا، إلا أن جماعة لحقوق الإنسان قالت أمس إن 34 على الأقل قتلوا خلال الاحتجاجات التي جرت في طهران في 20 يونيو (حزيران) أي نحو ثلاثة أمثال العدد الذي أعلنته السلطات. وأصيب أكثر من 100 آخرين في المظاهرات. وقالت جماعة «الحملة الدولية من أجل حقوق الإنسان» في إيران إن جثث 34 متظاهرا وضعت في مشارح ثلاثة مستشفيات في طهران في 20 يونيو (حزيران). وأضافت الجماعة في بيان «مستشفى الإمام الخميني كان به 19 جثة ومستشفى الرسول الأكرم كان به ثماني جثث ومستشفى لقمان سبع جثث. وجمع المعلومات عاملون طبيون يتسنى لهم الاطلاع على سجلات المشرحة لهذه المستشفيات». وقالت إن هناك مستشفيات أخرى قرب مكان المظاهرات يمكن أن تكون قد استقبلت محتجين قتلى أو مصابين.

وقالت الجماعة إن من المعتقد أن أعدادا كبيرة من الناس الذين احتجزوا ربما قتلوا أيضا.

وأمام سجن ايفين بطهران يتجمع أقارب المعتقلين كل يوم ليعرفوا ما إذا كان أقاربهم الذين اختفوا منذ الانتخابات موجودين بالسجن أم لاقوا حتفهم. وقال شاهد يعيش قرب السجن الذي يحتجز به المعتقلون السياسيون «إنهم ينتظرون وينتظرون لساعات. الأمهات يبكين وأحيانا يكبرن». ويعتقد ناشطون إيرانيون أن العدد الإجمالي للقتلى أكثر حتى مما تعرفه منظمات حقوق الإنسان الدولية، إذ إن المحامية الإيرانية شيرين عبادي الحاصلة على جائزة نوبل للسلام قالت الأسبوع الماضي إن 100 قتلوا.

وكان لافتا ان حديث موسوي عن عدم ذهاب دماء المتظاهرين سدى، تزامن مع اعلان وزير الاستخبارات الإيراني غلام حسين محسني أجنئ ان السلطات لديها أدلة ان شخصيات سياسية ساهمت في تأجيج التظاهرات. وقال الوزير الإيراني أن هناك أدلة ضد شخصيات سياسية بسبب الأدوار التي قاموا بها، بدون ان يوضح تفاصيل او يعطي أسماء محددة. وفيما أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أمس أن بلادها مستعدة للدخول في حوار دبلوماسي مع إيران ولكن «الفرصة لن تظل سانحة إلى الأبد»، موضحة في مقتطفات من خطاب القته على مدى ثلاث ساعات في "مجلس العلاقات الخارجية" في واشنطن: «ما زلنا مستعدين للدخول في حوار مع إيران، ولكن أوان التحرك هو الآن. الفرصة لن تظل سانحة إلى الأبد»، أعلن وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني أمس في روما أن وزراء خارجية دول مجموعة الثماني سيجتمعون للبحث في الملف النووي الإيراني في 24 سبتمبر (أيلول) في نيويورك. وقال فراتيني للصحافيين أن اللقاء سيتم على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وبحسب مقتطفات من خطاب عن السياسة الخارجية، دافعت الوزيرة الأميركية عن قرار الرئيس باراك أوباما مواصلة السعي إلى معاودة الحوار مع طهران رغم القمع الأخير للمظاهرات الشعبية بعد إعادة انتخاب احمدي نجاد.

وقالت كلينتون «ينبغي ألا نخاف أو نتردد في التفاوض». وتداركت «لكن البعض يعتبر أن هذا الأمر مؤشر ضعف أو سذاجة.. هذا خاطئ. الرئيس وأنا نعتقد أن رفض التحدث إلى هذه الدول نادرا ما يفضي إلى معاقبتها». وتابعت كلينتون «نعلم جيدا ماذا ورثناه في ما يتعلق بإيران. نعلم إلى أي درجة تقدم برنامجها النووي ونعلم أن رفض التفاوض مع الجمهورية الإسلامية لم ينجح في منع المسيرة الإيرانية نحو السلاح النووي ولا في تقليص دعم إيران للإرهاب ولا في تحسين الطريقة التي تتعامل بها إيران مع مواطنيها».

وقالت الوزيرة الأميركية أيضا «لا الرئيس ولا أنا شخصيا لمحنا إلى أن حوارا مباشرا مع إيران مضمون النجاح. لكننا ندرك أيضا أهمية محاولة التحاور مع إيران وتقديم خيار واضح لقادتها: إما أن تصبح عضوا مسؤولا في المجتمع الدولي أو أن تستمر على طريق العزل».

وخلصت «لا نزال مستعدين للتحاور مع إيران، ولكن آن أوان التحرك. إن الفرصة لن تظل سانحة إلى ما لا نهاية»، منبهة إلى عدم اعتبار نية الحوار لدى إدارة أوباما دليل ضعف. وقالت «لن نتردد في حماية أنفسنا وحماية حلفائنا بشدة إذا اقتضى الأمر، مع أقوى جيش في العالم». وأضافت كلينتون «هذا ليس خيارا نتمناه وليس أيضا تهديدا. إنه وعد للشعب الأميركي».