المسؤولون السوريون يثقون بأوباما «غير المنحاز» لإسرائيل.. وينتظرون خطته

مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»: دمشق تجد اليوم نفسها في وضع مريح

TT

نقلت مصادر فرنسية واسعة الاطلاع عن المسؤولين السوريين «تشكيكهم وحذرهم» من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والحكومة اليمينية التي يقودها، من غياب الرغبة لديه في التفاوض مع سورية حول الجولان أو في البحث حقيقة عن السلام. غير أن دمشق أبلغت الجانب الفرنسي بأنها «من منطلق البراغماتية، فهي مستعدة للتعامل» مع نتنياهو. لكنها بالمقابل، أكدت تمسكها بأنها «لن تتحرك أي خطوة» طالما لم تحصل من الحكومة الإسرائيلية على «التزام» ينص على الانسحاب من كل مرتفعات الجولان التي خسرتها سورية في حرب عام 1967. وهي «الكلمة السحرية» التي من شأنها إعادة فتح ملف المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية. وبالمقابل، تبدو دمشق مستعدة للنظر في الجدول الزمني وفي الترتيبات الأمنية التي يمكن إيجاد «مظلة دولية» لها، أميركية أوروبية أو من الأمم المتحدة.

وقالت المصادر الفرنسية لـ«الشرق الأوسط» إن دمشق «تجد نفسها اليوم في وضع مريح» حول أكثر من ملف كانت في الماضي تتعرض للانتقادات بسببها. وتعتبر دمشق أن أهم تحول يتمثل في موقف الولايات المتحدة الأميركية التي أعادت فتح قنوات الحوار معها وأكدت على معاودة إرسال سفيرها إلى دمشق.

وعلى الرغم من وجود عدد من البوادر السلبية، مثل إبقائها على لائحة الإرهاب التي تعدها الخارجية الأميركية والانتقادات الدورية للسلطات السورية، فإن الجانب السوري يرى أنه «كسب» معركة كسر الجليد مع واشنطن. وتعيد باريس هذا التحول إلى 3 عوامل: التوجهات الجديدة للرئيس الأميركي باراك أوباما، وتحسن الأداء السوري في ما يخص العراق والأداء السوري في لبنان منذ ما قبل الانتخابات وحتى الآن، وأخيرا «التقارب» السوري ـ السعودي. وتعتبر دمشق أن ما يميز الرئيس أوباما عن سابقيه أن ساكن البيت الأبيض الحالي «ليس مهووسا بإسرائيل» و«ليس مستعدا للتضحية بسياسته من أجل إرضائها». ومع الوقت تحول موقف دمشق من أوباما «من الشك إلى الارتياح»، وفق ما يقوله أحد المراقبين الغربيين في العاصمة السورية. وتصف الدوائر العليا في دمشق الرئيس الأميركي بأنه «جدّي». غير أنها حتى الآن تنتظر خطته للسلام في الشرق الأوسط ولن تتحرك ما لم تعرف مضمون هذه الخطة.

وترى باريس، التي كانت السباقة في الانفتاح على دمشق وتطبيع علاقاتها معها وتبادل الزيارات الرسمية على مستوى الرئيسين، أن «الأداء» السوري بما في ذلك أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة كان في مجمله «إيجابيا». وتمثلت الإيجابية في اتخاذ دمشق عددا من التدابير التي بينت تغيرا في تعاطيها مع الملف العراقي، منها ما يتعلق بالرقابة على الحدود، وأخرى سياسية. ولفت أنظار الوزير كوشنير، خلال لقائه الرئيس الأسد في دمشق، أن الأخير أشاد برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ودعا إلى التعاون معه وإلى دعمه. وبحسب باريس، فإن سورية «تعرف حساسية الملف العراقي» بالنسبة للولايات المتحدة، وإمكانية تخفيف حدة العداء معها. وتم تناول التدابير الأمنية السورية على الحدود خلال زيارات عسكريين أميركيين رفيعي المستوى إلى دمشق في الأسابيع الماضية. ويرى متابعون للشأن السوري أن دمشق «لا تريد عراقا غير مستقر على حدودها بعد انسحاب الأميركيين منه»، ولأنها ترى أن عراقا كهذا «سيكون تحت التأثير الإيراني، وهو ما لا تريده».

وفي الملف اللبناني، تساءل مسؤول سوري أمام جهة فرنسية قائلا: «يريدوننا ألا نتدخل في لبنان ثم يأتون إلينا ليطلبوا منا الضغط على هذا أو ذاك، أي يدعوننا للتدخل». وبحسب المصادر الفرنسية، فإن دمشق «لعبت اللعبة في لبنان» كما أنها «أوفت» بتعهداتها، وهي تتحاشى التدخل المباشر في موضوع تشكيل الحكومة اللبنانية وتحث على حكومة وفاق وطني كما أعلن الوزير وليد المعلم، ولا تتبنى طرح الثلث المعطل للمعارضة، وتحاور المملكة السعودية على استقرار الوضع اللبناني الداخلي والدفع بهذا الاتجاه. لكن رغم هذا التوجه، تعتبر المصادر الفرنسية أن «المواضيع الخلافية» في لبنان ما بين اللبنانيين ومع سورية ما زالت قائمة، مثل الحدود والرقابة عليها وتهريب السلاح والسلاح في الداخل.

لكن بين دمشق والغرب قضايا «عالقة»، أولاها الملف الإيراني الداخلي والنووي. وتدعم دمشق حليفها الإيراني الرسمي بالنسبة لموضوع الانتخابات الرئاسية والاحتجاجات والحملات التي تعرض لها النظام، كما تدعمها في مواجهتها مع الوكالة الدولية للطاقة النووية ومع مجلس الأمن. وفيما لا تخفي المصادر الغربية أن الهدف الأبعد الذي تسعى إليه هو إبعاد دمشق عن طهران، فإنها في الوقت نفسه تستبعد أن يتحقق هذا الهدف سريعا، وتبدو مقتنعة بأنه «يمكن أن يكون نهاية المسار وليس مقدمته فقط إذا ما اقتنعت سورية بأن بديلا سيدفع لها مقابل فرط تحالفها الاستراتيجي» مع إيران، وأن هذا الثمن «لا يمكن أن يكون أقل من الجولان» وربما «أكثر من ذلك».