القنابل المدفونة.. موت يتربص في كل خطوة بأفغانستان

العبوات الناسفة أصبحت أكثر انتشارا وتزداد تعقيدا أسبوعا بعد أسبوع

الفريق الأميركي الافغاني للكشف عن العبوات الناسفة في أفغانستان («نيويورك تايمز»)
TT

جاء الاتصال بعد العشاء مباشرة؛ فقد مرت عربة نقل كانت تقل مجموعة من ضباط الشرطة الأفغانية على قنبلة مدفونة مما أسفر عن مقتل الضباط الخمسة الموجودين بداخلها.

وعندما وصل الملازم أول جيمس براون وفريقه إلى موقع الحادث وشاهدوا بقايا السيارة المحطمة، اتضح لهم فداحة ذلك الانفجار. وكان أحد ضحايا ذلك الانفجار هو قائد بارز ـ كان ضابطا أكثر براعة من أي ضابط آخر في المقاطعة ـ في مقاطعة لوغار المتوترة وكان يساعد في محاربة شبكة غامضة من مصنعي القنابل.

ويقول براون عن الضابط غول علام: «إذا لم يكن يبذل ما في وسعه من جهد!، إذا كان يتلقى الرشاوى!، أو كان ينام في فترات عمله! لكان حيا الآن».

هذه هي الحرب في أفغانستان الآن، حيث لا يقاس الموت بدقة الرصاصات ولا ببراعة التفجيرات. وعلى الرغم من أن تلك المتفجرات البدائية التي يستخدمها المتمردون في أفغانستان أقل قدرة وتعقيدا من تلك المستخدمة في العراق، فإنها أصبحت أكثر انتشارا كما أنها تزداد تعقيدا أسبوعا بعد أسبوع، وفقا لما يقوله مسؤولون بالجيش الأميركي.

وخلال هذا العام، ارتفعت الهجمات التي تعرضت لها قوات التحالف في أفغانستان حتى وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، فقد بلغت 465 في شهر مايو (أيار) وحده، وهو أكثر من ضعف الرقم في الشهر نفسه قبل عامين.

كما قتل على الأقل نحو 46 جنديا أميركيا بتلك القنابل الارتجالية خلال العام الحالي، وهو ما يجعل احتمال أن يسجل عام 2009 رقما قياسيا في السنة الثامنة للحرب احتمالا مرجحا.

كما أصبحت تلك القنابل الارتجالية أكثر خطورة بالنسبة لضباط الشرطة الأفغانية وجنودها. ووفقا لمسؤولين بالجيش الأميركي، فإن المعدلات الحالية ترجح أن يصل الهجوم بتلك القنابل على القوات الأفغانية إلى 6000 خلال هذا العام مرتفعا عن 81 فقط خلال عام 2003. وفي بداية شهر يوليو (تموز) قتل تسعة من رجال الشرطة الأفغانية في انفجار قنبلتين في مقاطعة لوغار جنوب كابول.

ونظرا لوجود عدد قليل من الشوارع الممهدة في أفغانستان، فإنها تصبح أكثر ملاءمة لتلك القنابل الارتجالية أكثر من العراق، التي تجبر طرقها الممهدة المتمردين على ترك القنابل في العراء، بينما يمكن دفن أجهزة التفجير في الطرق المتربة وتغطية آثارها في أفغانستان.

وحتى عندما لا تصيب أو تجرح تلك القنابل الارتجالية القوات، فإن التهديد يقيد ويعقد حركة قوات التحالف؛ حتى إن المبعوثين الأميركيين يتوجب عليهم انتظار فرق الكشف عن المتفجرات التي تتحرك بسرعة ثلاثة أميال في الساعة. ونظرا لأن المروحيات يتم استخدامها على أضيق نطاق، فإن معظم القوات تسافر في عربات مقاومة للألغام، ومركبات مضادة للكمائن، التي تتحرك ببطء ولا تستطيع المناورة. وعلى الرغم من أن المركبات المدرعة تقوم بدور فعال في حماية الجنود من التفجيرات، فقد لقي جنديان من جنود أبراج مراقبة المدرعات مؤخرا مصرعهم عندما انقلب أحدهم بعد أن اصطدم بقنبلة يدوية.

وإقرارا بأن قضية القنابل الارتجالية أصبحت هي قضية الجيش المركزية في أفغانستان، يرسل البنتاغون الآلاف من المركبات المدرعة إلى أفغانستان كما يعمل على إنتاج سيارات مدرعة من ذلك النوع الأقل وزنا والأكثــر قدرة على المناورة، كما قام البنتاغون بنشر عدد من أجهــزة الإنسان الآلي، والكلاب والطائـــرات من دون طيار لرصد القنابل وإبطالها، كما بدأ كذلك حمــلة لمهاجمة شبكات تصنيع القنابل التي تعمل في خلايا صغيرة منتشرة في أنحاء الدولة كافة.

ويتوج تلك المجهودات؛ جهود فرق مثل فريق الملازم أول براون الذي يجمع ويصنف ـ بالتعاون مع خبراء المتفجرات ومحققي الجرائم ـ معلومات الطب الشرعي حول كل قنبلة تم التعامل معها وكل محتجز تم اعتقاله.

يقول براون الذي يتبع فريقه السرب الثالث، بفوج سلاح الفرسان 71 الذي يقع مركزه هنا: «أنا لست مهتما بمطلقي النيران، فهم عادة ما يكونون مجرد أشخاص فقراء حمقى يحاولون إعالة أسرهم، ولكن ما نسعى وراءه حقا هو تلك الشبكات».

ويقول مسؤولون أميركيون إن تلك الشبكات التي ترشدها حركة طالبان تتكون من عدة طبقات؛ تشمل الممولين، والخبراء اللوجستيين، ومصممي القنابل والمدربين، وفي نهاية تلك السلسلة، يوجد زارعو القنابل، الذين عادة ما يكونون قرويين، أو رعاة من البدو يتقاضى كل منهم عشرة دولارات أو أقل لحفر الحفر ولاستطلاع مواقع الأعداء.

وعادة ما يتم تصنيع تلك القنابل من السماد ووقود الديزل، ولكن بعضهم يستخدم هياكل مدافع الهاون أو الألغام القديمة المنتشرة في الأرياف، ويتم تجهيز بعض تلك القنابل بحيث تعمل عند مرور المركبات فوق صفائح ضغط. بينما تتطلب بعض القنابل استخدام أجهزة للتحكم عن بعد مثل الهواتف الجوالة، وما زال تفجير بعض تلك القنابل يتطلب الضغط على زر أو سلك مرتبط بالبطارية.

وعلى الرغم من أن كثيرا من تلك القنابل ما زال بدائيا، فإن المسؤولين الأميركيين يؤكدون أن المتمردين بارعون ولديهم قدرة على التطور، ويتم استخدام تلك القنابل في بعض الأحيان كطعم لسحب الجنود إلى كمائن.

يقول السيرجينت الفني ريتشارد غيبون من القوات الجوية وخبير الفريق في تعطيل الألغام وإبطال المتفجرات: «إنها ليست كالعراق»، ويتذكر السيرجينت بعض المواقف المعقدة التي كانت تتضمن أربعا أو أكثر من القنابل في بغداد، مضيفا: «ولكنني أعتقد أن الأمر يتحسن».

وقد انضمت شرطة الطب الشرعي وفرقة متفجرات إلى فريق براون المكون من 25 عضوا، ليس فقط لإبطال القنابل الارتجالية، ولكن لمسح المواقع ـ أكثر من 50 موقعا خلال هذا العام ـ بحثا عن أية دلالات تشير إلى وجود إحدى القنابل؛ فهم يأخذون عينات من التربة، وأجزاء كهربائية، وبصمات الأصابع، والصور، ويتم إرسالها جميعا لتحليلها، وتتم كتابة تقارير مفصلة تضاف إلى قاعدة بيانات مركزية.

ويقول مسؤولون أميركيون إن ذلك العمل قد ساعد على تفكيك على الأقل شبكة واحدة، كما كشف عدة شبكات أخرى، وساعد على تحسين الظروف الأمنية للمبعوثين. ولكن تلك الجهود ـ كما تؤكد حادثة مقتل السيد علام ـ ما زالت تقدم قدما وتؤخر أخرى.

وتطالب الاستراتيجية الأميركية بأن تجمع الشرطة الأفغانية المعلومات الاستخباراتيــــة، وتعتقل الأشخاص المتهمين بالتفجيرات وتقدم شكلا من أشكال التنافسية الحكومية. ويشتكي المسؤولون الأميركيون من أنه حتى الآن لم تصل وحدات الشرطة الأفغانية إلى ذلك المستوى من المشاركة.

ولكن قضية السيد علام هو أمر مختلف، فهو أب في أواخر الثلاثينات من عمره كان معروفا بأنه جريء وفائق الحماسة، بل إنهم كانوا يقولون عنه في بعض الأحيان إنه مقاتل متهور؛ فقد حاول ذات مرة إبطال قنبلة يدوية مصنعة من لغم قديم بيديه العاريتين. فيقول براون: «لم تكن طريقة ملائمة، ولكنها تظهر قدرته على المبادرة».

* خدمة «نيويورك تايمز»