تصاعد التوتر في الشيشان: مقتل ناشطة في حقوق الإنسان بعد ساعات من اختطافها

موسكو تعلن عن إطلاق صاروخين بالستيين من منطقة القطب الشمالي

الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف يلتقي وفدا من مجلس المفتين الروسي في موسكو أمس (أ.ف.ب)
TT

في تطورات تنذر بتصاعد التوتر في الشيشان، قُتلت أمس الناشطة الروسية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان ناتاليا استيميروفا، بعد وقت قليل من خطفها. وذكرت وكالات الأنباء الروسية أنه عُثر على استيميروفا في جمهورية أنغوشيا المجاورة مقتولة، بعد ساعات من خطفها في الشيشان. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأنغوشية، مدينة خاجييفا، لوكالة «رويترز»: «كان بالجثة جرحان في رأسها وكان من الواضح أنها قُتلت في الصباح». ولم تحدد طبيعة الجرحين. وأبدى الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف استياءه لمقتل استيميروفا، بحسب ما قالت الناطقة باسمه أمس. وأعرب وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير عن صدمته لإعلان نبأ اغتيال الناشطة الروسية، وطالب بمحاكمة مرتكبي هذه «الجريمة البشعة». وقال كوشنير في بيان: «تبلغت بأسى نبأ اغتيال ناتاليا استيميروفا الصحافية والمسؤولة في منظمة (ميموريال) في الشيشان». وأضاف: «تدين فرنسا بشدة عملية الاغتيال البشعة، ونأمل في أن تُبذل الجهود كافة للقبض على مرتكبي هذه الجريمة لمحاكمتهم». وأشاد كوشنير «بعمل منظمة (ميموريال) المعترف به دوليا والتي نالت في 2006 جائزة الجمهورية الفرنسية لحقوق الإنسان»، مشيرا إلى أنه بناء على طلبه «التقى فرنسوا زيمراي السفير المكلف حقوق الإنسان في غروزني في 23 يونيو (حزيران) أعضاء في منظمة (ميموريال) بينهم ناتاليا استيميروفا». وأوضح أن «فرنسا أكثر من أي وقت مضى تقف إلى جانب المدافعين عن حقوق الإنسان في الشيشان كما في أي مكان آخر في العالم».

وناتاليا استيميروفا إحدى أشهر ناشطات منظمة «ميموريال» في القوقاز الروسي، وسبق لها أن نددت مؤخرا بعملية إعدام اعتباطية في الشيشان، وهو ما لم يرُق للسلطات المحلية الموالية لموسكو، على ما أعلن لوكالة الصحافة الفرنسية ألكسندر تشيركاسوف من منظمة «ميموريال».

وقالت شبكة «نيوز رو» الإلكترونية أن استيميروفا انتقدت أكثر من مرة إلغاء حالة الطوارئ في الشيشان التي طالما طالب الرئيس الشيشاني رمضان قادروف بإلغائها، مشيرة إلى استمرار عمليات اختطاف البشر وتواصل إعلان البيانات الكاذبة عن تصفية الإرهابيين والمقاتلين من جانب ممثلي الأجهزة الأمنية. وجاء مقتل الناشطة في حقوق الإنسان بعد يوم من مقتل جنديين وشرطيين روس في تبادل لإطلاق النار مع متمردين في الشيشان التي تشهد حركة تمرد إسلامية في القوقاز الروسي. وقال مصدر في الشرطة نقلت وكالات الأنباء الروسية تصريحاته، أن ستة من عناصر قوات الأمن جُرحوا خلال هذه العملية الأمنية في منطقة شالينسكي.

ونشرت مجلة «إكسبرت» تحقيقا حول أن الأوضاع في داغستان وأنغوشيتيا والشيشان، قالت فيه إن غطرسة وطموحات الرئيس الشيشاني الشاب رمضان قادروف، وتغافل الكرملين عن خطورة هذه الظاهرة، تقف في صدارة أسباب تدهور الأوضاع في المنطقة. وأشارت المجلة أيضا إلى أن تدهور الأوضاع المعيشية وتفشي ظاهرة البطالة بين الشباب تزيد من تفاقم الموجات الإرهابية الجديدة.

وكانت صحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس» قد أشارت أيضا إلى أن قادروف يواصل الإمعان في اعتماده على رئيس الحكومة الروسية فلاديمير بوتين للاحتفاظ بموقعه على رأس السلطة في غروزني، في الوقت الذي يواصل فيه محاولات العثور على قناة اتصال مباشرة مع العالم الخارجي عبر مطار غروزني، بحجة تنشيط الاستثمار. وأشارت الصحيفة في ختام تحقيقها إلى أن «قادروف الذي طالما أنهى كل أحاديثه الصحافية بشكر الله ثم بوتين يُضطرّ اليوم إلى إضافة اسم دميتري ميدفيديف»، مشيرة إلى تعقيدات الأمور في روسيا.

وعلى صعيد آخر، أعلنت المصادر الرسمية العسكرية عن نجاح تجارب إطلاق صاروخين باليستيين قالت إنهما كانا مفاجأة لوسائل الناتو للإنذار المبكر، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الروسية «ريا نوفوستي». وأشارت مصادر أجهزة المخابرات العسكرية إلى أن الصاروخين من طراز «آر إس إم 54» أطلقتهما غواصتان نوويتان من منطقة القطب الشمالي في اتجاه كامتشاتكا في الشرق الأقصى، وهو ما شكّل مفاجأة للمنظومة الأميركية المضادة للصواريخ التي لم تستطع تحديد منطقة إطلاق الصواريخ الروسية. وقد جاءت هذه التجارب في أعقاب الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف إلى أوسيتيا الجنوبية تأكيدا على أن ما اتخذته موسكو من قرارات نهائي ولا رجعة عنه. وكان الاتحاد الأوروبي أدان هذه الزيارة التي انتقدتها أيضا الخارجية الأميركية فيما اعتبرتها السلطات الجورجية تحديا لإرادة المجتمع الدولي، ووصفها الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي بأنها عمل لا أخلاقي. وقال إنها تبدو بمثابة الرد على مشاركته في توقيع اتفاق بناء خط «نابوكو» لنقل الغاز من منطقة بحر قزوين إلى أوروبا بعيدا عن الأراضي الروسية.

وتقول المصادر الجورجية إن تبليسي تستعد لاستقبال نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن الأسبوع المقبل، وهو ما يعتبر بادرة تأييد لجورجيا وتأكيدا على ما سبق وأعلنه الرئيس باراك أوباما في موسكو حول إعلاء مبدأ وحدة أراضي جورجيا وعدم جواز قبول عملية «إعادة إطلاق» العلاقات الروسية الأميركية على حساب جورجيا.

ومن اللافت أن ميدفيديف لم يكن أبلغ قيادة أوسيتيا الجنوبية بعزمه على القيام بالزيارة إلا قبل أقل من ساعة من موعد وصوله إليها، فيما تعمد زيارة القاعدة العسكرية الروسية هناك تأكيدا لتمسُّك روسيا باليد الطولى في جنوب القوقاز، وعدم قبول توسُّع الناتو شرقا على مقربة من حدودها الجنوبية. وتقول المصادر باحتمالات قيام فلاديمير بوتين بزيارة مماثلة لأبخازيا التي اعترفت بها روسيا مع أوسيتيا الجنوبية بعد حرب القوقاز في أغسطس (آب) من العام الماضي. وكانت موسكو أحبطت اتخاذ مجلس الأمن لقرار مد فترة صلاحيات بعثة الأمم المتحدة في أبخازيا الذي تبنته الولايات المتحدة وسبعة بلدان أخرى، وهي البعثة التي كانت بدأت نشاطها في أبخازيا عام 1993 واضطُرّت إلى الرحيل عن أراضيها خلال الأيام القليلة الماضية تأكيدا لاستقلالية الجمهورية. وإذا كانت موسكو تسير قدما نحو توطيد مواقعها في جنوب القوقاز فإن ما تشهده مناطق شمال القوقاز من توتر أمني يتمثل في تكرار وقوع العمليات الإرهابية التي تستهدف القيادات الأمنية والتنفيذية في كل من الشيشان وداغستان وأنغوشيتيا، يؤكد ضرورة إعادة النظر في اعتمادها على قيادات بعينها وتعجل وضع سياسات مغايرة لمعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة.