الخيام الانتخابية في موريتانيا تعكس التوجهات السياسية لأصحابها

الموريتانيون اعتبروها متنفسا لهم.. وفرصة لاستعادة ذاكرتهم

TT

مع اقتراب كل موسم انتخابي في موريتانيا، سواء كان ذلك الموسم رئاسيا أو تشريعيا أو محليا، تصبح «الخيمة» العمود الفقري في مشهد حملاته الانتخابية.

ولم تكن الحملة الانتخابية الممهدة للانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها غدا استثناء عن سابقاتها من الحملات الانتخابية، وإن كانت هي الأشد احتداما، حسب مراقبين، حيث انتشرت ظاهرة نصب الخيام في الشوارع بطريقة لافتة، وغصت العاصمة نواكشوط بالخيام المنصوبة في الساحات العامة وأمام البيوت الخاصة، بل إن البعض يلجأ إلى تخصيص جزء من بيته للحملة الانتخابية إذا تعذر عليه إيجاد مساحة ينصب فيها خيمته.

ويعتبر الموريتانيون «خيمة الحملة الانتخابية» فرصة لاستعادة ذاكرتهم، وحنينا لماضيهم البدوي، الذي تشكل الخيمة أحد أبرز معالمه، نظرا لأنها ظلت لسنوات طويلة هي المأوى والمسكن للعائلة في دولة عرفت الحياة المدنية بشكل متأخر نسبيا، إذ اقتصر البناء الحضري على مدن تاريخية عتيقة في مناطق متفرقة، في حين كانت الخيمة هي البيت الحقيقي لغالبية الأسر الموريتانية، تنتقل معها في الحل والترحال.

وتعكس «الخيمة الانتخابية» التوجه السياسي لأصحابها، وفضاء يرتاده الناس بمختلف مشاربهم السياسية بحثا عن السهرات السياسية والفنية، إضافة إلى أنها متنفس لشريحة الشباب الباحث دوما عن التسلية، وراحة للأسر بعيدا عن هموم البيت وصعوبة الحياة اليومية.

ويقول الكاتب الصحافي الموريتاني محمد ولد فاضل إنه من الخطأ الكبير اعتبار «الخيم الانتخابية» المنصوبة على قارعات الطرق وفي الساحات العامة مراكز سياسية، لأنها أقرب لأن تكون «مراكز علاجية»، يأوي إليها المرشحون والناخبون للتنفيس عن همومهم اليومية، والتخفيف من حدة التوتر النفسي الذي يتصاعد ويشتد في فترات التجاذب السياسي والاستحقاقات الانتخابية.

ويضيف ولد فاضل أن الخيام تكون أحيانا مسعفا لأصحاب البيوت الفقيرة الذين لا تتسع بيوتهم لسكن عائلاتهم، حين يقومون باستغلال الخيام القريبة من بيوتهم لإيواء أبنائهم، خصوصا في ساعات النهار التي تكون فيها عادة الخيام خالية من الناس وهادئة من أصوات الحملة الصاخبة.

ولعل أكبر ما يميز «الخيمة الانتخابية» في موريتانيا هو الإشراف المباشر للمرأة على تسييرها والخضوع لسلطتها، حتى إنها في بعض الأحيان يرتبط اسمها بالخيمة، فيقال «خيمة فلانة»، وبالتالي تعتبر المرأة الحاضر القوي في الخيام، إذ هي أساسا من ينصبها ويمولها، ويشرف على الضيافة فيها وعلى استقبال روادها. كما تمتاز الخيام بالسهرات الفنية التي تستمر حتى الساعة الثانية فجرا، وأحيانا تتواصل مدة أطول قبل أن تتدخل وحدات الشرطة التي تنتشر بكثافة بالقرب من المراكز الانتخابية.

وتتفرق خيم الحملات الانتخابية في أرجاء العاصمة نواكشوط، حيث تملأ واجهتها الصور المكبرة للمرشحين، مقرونة بشعارات براقة تصف الفردوس المفقود، الذي لن يصل إليه الوطن إلا عبر هذا المرشح أو ذاك، وأصوات الأبواق التي تصدح بالأغاني لا تكاد تهدأ إلا في الهزيع الأخير من الليل. وفي سياق ذلك قامت «الشرق الأوسط» بجولة في الخيام، ورصدت آراء القائمين على هذه المراكز وزائريها. وقال حماه الله ولد هيب، 24 سنة: «لقد اعتمدنا سياسية التشويش على الخصوم إعلاميا والحضور حيثما كانوا، لإيصال رسالة أو تفنيد ادعاءات الخصوم، وحين تتعطل مكبرات الصوت التي يستعملها خصومنا، نجدها الفرصة المثلى لجعل صوتنا هو الأعلى في تلك المعركة الإعلامية».

ومن جهته يقول أحمد ولد عبد العزيز، 33 سنة: «إن الداعي لزيارة الخيمة هو قضاء وقت متعة مع الأصدقاء، فقد مللت السياسة، مثلما مللت وعود المرشحين»، قبل أن يضيف أنه لا يستبعد التصويت لصالح المرشح «الذي أجلس في خيمته من باب التعاطف مع زملائي الحاضرين».

وتقول مريم منت انداري، 27 عاما: «لقد جرت عادة الموريتانيين القدماء أن يتم بناء الخيام احتفاء بضيف كبير، ونحن الآن بصدد أمر عظيم يهم الجميع، هو تقرير مصير بلادنا». وبجانب مريم يجلس بعض من وصفوا أنفسهم بـ«المناضلين»، حيث أصروا جميعهم على أنهم مناضلون أوفياء لمرشح وصفوه بـ«الوفي»، معتبرين أنهم ليسوا من بين أولئك الذين جاؤوا إلى الخيمة من أجل الترويح عن النفس، أو إشباع أو حب الاستطلاع.