كلينتون تحاول استعادة دورها.. في مواجهة رئيس يميل إلى السيطرة المركزية على السياسات

مقربون منها ينفون أن دورها مهمش في إدارة أوباما أمام كثرة المبعوثين الخاصين

TT

عندما عادت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون من جديد إلى محور الأحداث أول من أمس لتقدم خطة طموحة للدور الذي تقوم به الولايات المتحدة في العالم، أعلنت وزارة الخارجية عن ذلك، كخطاب مهم في السياسة الخارجية. ولكن في نبرته القوية ونطاقه الشاسع، كان أيضا محاولة لاستعادة الأضواء بعد فترة عانت فيها كلينتون من كسر في مرفقها، ومن تصور بأن وزارة الخارجية فقدت نفوذها أمام بيت أبيض قوي.

وأعلنت كلينتون أنه «لا يمكن لأي دولة أن تواجه تحديات العالم بمفردها»، وقالت إن الولايات المتحدة تنتهج دبلوماسية متعددة الجبهات مع مجموعة من الدول والأطراف الأخرى، بل وحتى مع خصوم مثل إيران. وأدانت طهران لقمعها المظاهرات التي قامت بعد الانتخابات، قائلة إن تصرفاتها «تبعث على الأسى وغير مقبولة».

وإذا وضعنا جانبا بعض الجمل حول إيران، يمكن القول إن الخطاب بدا وكأنه كان يصدر عن كلينتون وهي مرشحة للانتخابات الرئاسية، عندما سعت إلى الاستفادة من خبرتها في السياسة الخارجية كورقة رابحة أمام منافسها الذي أصبح الآن رئيسها. إلا أن الفرق أنها خلال الحملة كانت تسخر من فكرة التفاوض مع إيران.

وتقود كلينتون مجموعة من المبعوثين الخاصين ودبلوماسيين أميركيين آخرين رفيعي المستوى في الصفوف الأولى في مجلس العلاقات الخارجية. وتدافع كلينتون، في مواجهة بيت أبيض يميل إلى السيطرة المركزية على السياسات، عن سلطاتها كعضو مؤثر ومخلص، في فريق الرئيس.

وفي الأسابيع الأخيرة، تم نقل كبير واضعي سياسة إيران في الإدارة من وزارة الخارجية إلى مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض. وتعطل تعيين مرشح كلينتون لرئاسة وكالة التنمية الدولية الأميركية بسبب إجراءات عملية التدقيق. كما أنها فشلت في إيصال اختياراتها في بعض مواقع السفراء المتميزة، خصوصا اليابان، التي ذهب منصب السفير الأميركي فيها إلى جامع تبرعات للرئيس أوباما. بالإضافة إلى ذلك، أحبط البيت الأبيض مؤخرا محاولة لكلينتون لإحضار سيدني بلومنثال، الصحافية وكاتمة أسرار كل من كلينتون وزوجها الرئيس السابق بيل كلينتون، إلى وزارة الخارجية. وضاعفت الإصابة التي لحقت بمرفق كلينتون، الذي كسر بعدما سقطت على الأرض الشهر الماضي وتم تركيب مسامير وسلك به، من التحدي. واضطرت لتقليص جدول أعمالها بدرجة كبيرة بعد العملية الجراحية، مما أجبرها على إلغاء رحلتين خارجيتين، منها رحلة إلى روسيا مع أوباما.

وعلى الرغم من أنها ستغادر يوم الخميس متجهة إلى الهند وتايلاند، فإنها تعاني من ألم مستمر وتخضع لعلاج طبيعي مرهق خمس مرات يوميا، وفقا لما ذكره أشخاص مقربون منها. ومن بين التدريبات التي تقوم بها: تكرار الضغط على كرة جيلاتينية. ولكن ينفي مساعدوها وعاملون في البيت الأبيض فكرة أن كلينتون أصبحت مهمشة. ويقولون إن علاقتها بأوباما قوية، وأنها لا يزال لها صوت مؤثر في جميع المناقشات المهمة.

ويقولون إن مسائل العاملين الأخيرة جزء من الشد والجذب الموجود في أية إدارة في أيامها الأولى، ولا تشير إلى دور كلينتون الأكبر. ويقول دينيس ماكدونو، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي: «إن الوزيرة كلينتون عضو مهم في فريق قوي للغاية. ويقدر الرئيس مداخلاتها ومداخلات فريقها».

ويقول مساعدوها إنها تتجاهل الإشاعات التي يتم تناقلها حول قلة الأضواء المسلطة عليها. ويشيرون إلى أنها ظلت تتجنب إثارة الانتباه في بداية منصبها في مجلس الشيوخ أيضا. وتعترف كلينتون بأنها استمتعت بمقال نشر مؤخرا على مدونة «ديلي بيست» وكتبت فيه تينا براون: «لقد حان الوقت ليدع فيه باراك أوباما هيلاري كلينتون تخلع البرقع».

ويقول خبراء آخرون في الشؤون الخارجية إن الشكوك التي تحوم حول دور كلينتون تعكس نظرة غير واقعية لمهمة وزير الخارجية الأميركي، خاصة في مرحلة غالبا ما يقود فيها البيت الأبيض السياسة الخارجية. وقال ستروب تالبوت، نائب وزير الخارجية في عهد كلينتون: «يوجد افتراض انعكاسي لدى الكثيرين بأن وزيرة الخارجية ستكون هناك في كل قضية ممكن تصورها». وأضاف تالبوت، الذي يرأس حاليا معهد بروكينغز، وكتب من قبل عن وزراء الخارجية المهمشين، في إدارتي نيكسون وكارتر، في مجلة التايم: «ولكن الوجود في كل قضية ممكنة أمر مبالغ فيه، خاصة عندما يكون لدينا الكثير من القضايا». وأخبرت كلينتون زملاءها بأمر محادثة هاتفية أجرتها مع هنري كسينجر، وزير الخارجية الذي لم يكن مهمشا، وقال لها فيها إنه لا يتذكر وقتا كان الخلاف أقل بين وزارة الخارجية والبيت الأبيض. وقد أكد كسينجر ما روته. ولكن في الوقت ذاته، يحكم البيت الأبيض قبضته على قضايا سياسية خارجية مهمة، وبخاصة إيران. ومنذ عدة أسابيع، صرح مسؤول رفيع المستوى في الإدارة بأن أوباما اتصل هاتفيا بكلينتون ليطلعها على أنه سينقل كبير مستشاري وزارة الخارجية في الشؤون الإيرانية دينيس روس إلى منصب في البيت الأبيض.

وسيقدم روس نصائحه في عدد من القضايا، من الشرق الأوسط إلى أفغانستان. ويقول بعض المسؤولين إن ذلك سيجعله يتداخل مع عمل جورج ميتشل، المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط، وريتشارد هولبروك، الممثل الخاص في أفغانستان وباكستان، وكلاهما يقدمان تقاريرهما إلى كل من كلينتون وأوباما.

وقال مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية إن كلينتون أيدت انتقال روس لأنها والرئيس أوباما اتفقا على أن مجلس الأمن القومي يحتاج إلى المزيد من «الثقل الاستراتيجي». وأكد البيت الأبيض أيضا على حقه في تعيين السفراء، متجاوزا مرشح كلينتون المفضل لمنصب السفير الأميركي لدى اليابان، جوزيف ناي جونيور، خبير السياسة الخارجية في جامعة هارفارد، لصالح جون رووس، المحامي في سيليكون فالي والمقرب من أوباما. وقال مساعدو كلينتون إنها قبلت بتلك القرارات برباطة جأش. ولكنها أعربت عن إحباطها بسبب الطريقة التي أخرت بها متطلبات التدقيق في البيت الأبيض تسمية المدير الجديد لوكالة التنمية الدولية.

ويوم أول من أمس، قالت كلينتون في خطابها: «من الصعب تبرير عدم اكتمال مناصب حكومتنا بعد ستة أشهر من بدايتها». ولكن، تحرص كلينتون على عدم السماح بحدوث فجوة بينها وبين أوباما. وذكرته ثماني مرات في خطابها الذي استمر 34 دقيقة، وأعادت ذكر استراتيجيته في المفاوضات الدبلوماسية بإخلاص. وقالت: «لدينا الاستراتيجية المناسبة، والأولويات المناسبة والسياسات المناسبة». ثم أضافت: «والرئيس المناسب».

* خدمة «نيويورك تايمز»