تعيين صالحي «خريج ماساتشوستس الهادئ النبرة» رئيسا للمنظمة الإيرانية للطاقة الذرية

عمل مع خاتمي ومعروف في دوائر الدبلوماسية الغربية * نجاد يعيّن قريبا له نائبا أول للرئيس

أحمدي نجاد وسط انصاره خلال زيارته الى مدينة مشهد (أ.ف.ب)
TT

أعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد تعيين علي أكبر صالحي، سفير إيران السابق لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، في منصب رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية خلفا لغلام رضا آغازاده الذي استقال من المنصب أول من أمس بعدما شغله لمدة 12 عاما كان خلالها مسؤولا عن تطوير مفاعلات «ناتانز» و«أصفهان» و«بوشهر» والتي جاءت استقالته لتكشف حجم الخلافات بين النخبة الإيرانية على خلفية الانتخابات الرئاسية في 12 يونيو (حزيران) الماضي. وفيما نشرت وسائل الإعلام الرسمية نبأ تعيين صالحي، الرجل الذي وقّع أول اتفاق نووي بين إيران والغرب، في المنصب الذي يعد أحد أهم مناصب الجمهورية الإيرانية وأكثرها حساسية، من غير الواضح بعد ما إذا كان صالحي المعروف باعتداله ولهجته الهادئة وانفتاحه على الغرب سيقبل شغل المنصب. ففيما قال الرئيس الإيراني إنه سيغير الكثير من أعضاء حكومته، قال أيضا إنه سينتهج سياسة أكثر تشددا حيال «أعداء إيران»، موضحا: «فور تشكيل الحكومة الجديدة وتدعيمها بالسلطة والقوة السياسية عشرة أمثال ما كان من قبل فستدخل الساحة الدولية وتسقط الغطرسة العالمية. عليهم أن ينتظروا موجة جديدة من الفكر الثوري. إن هذه الأمة ستصفعكم على وجوهكم بشدة تجعلكم تضلون طريق العودة». كما عبّر أحمدي نجاد أيضا عن تحديه في ما يتعلق بالخلاف حول طموحات إيران النووية قائلا إن القوى الكبرى «لن تستطيع أن تنتزع من إيران أقل قدر من حقوقها». وبينما لن يشارك صالحي في منصبه الجديد، إذا قبل توليه، في التفاوض المباشر مع الدول الغربية إذ سيقوم بالتفاوض مسؤول الملف النووي سعيد جليلي، فإن صالحي سيكون له بحكم منصبه كلمته في الأنشطة النووية لإيران وطريقة الحوار مع الغرب، وهو ما قد يضعه في خلافات مع أحمدي نجاد إذا أنتهج الرئيس الإيراني نهجا متشددا. وقال مسؤول إيراني قريب من الحكومة لـ«الشرق الأوسط» إن صالحي هو اختيار المرشد الأعلى لإيران آية الله على خامنئي وإن تعينه في المنصب يعكس رغبة لدى القيادة الإيرانية في تفادي مواجهة مبكرة مع أميركا حول البرنامج النووي الإيراني. وتابع: «تعيين رئيس هيئة الطاقة الذرية ليس قرار الرئيس، بل المرشد. واختيار صالحي بالذات يعكس أمرين: أولا أن القيادة في إيران لا تريد وجها محافظا بلهجة متشددة في هذا المنصب. ثانيا لا تريد شخصا محسوبا على أحمدي نجاد ولا تريد شخصا جديدا بلا خبرة في الدبلوماسية النووية، وأهم ميزة لصالحي في هذا الصدد أنه يعرف كل شيء عن المباحثات النووية بين إيران والغرب من خلال عمله مع حكومة خاتمي». ويعد علي أكبر صالحي من الوجوه المحترمة في إيران في ما يتعلق بالموضوع النووي، فهو ذو خبرة طويلة وتعليم عريق كما يجيد الإنجليزية بطلاقة. يُذكر أن صالحي حصل على بكالوريوس العلوم من الجامعة الأميركية في بيروت، ثم حصل على الدكتوراه في علوم التكنولوجيا من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا العريق في أميركا عام 1977. وعندما عاد إلى إيران شغل منصب بروفسور مساعد في «معهد شريف للتكنولوجيا» في طهران وهو أهم معهد للتكنولوجيا والهندسة النووية في إيران، ومنه تخرجت أهم العقول الإيرانية في مجال الهندسة النووية وعلوم الفيزياء، ويرتبط «معهد شريف للتكنولوجيا» بعلاقات أكاديمية قوية مع «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا». وكان لصالحي وأساتذة إيرانيين آخرين في «معهد شريف للتكنولوجيا» دور في منع قوات الباسيج من إدخال عناصرها إلى المعهد كطلبة في ضوء سياسة «الكوتا» التي تتيح لعناصر الباسيج دخول الجامعات الإيرانية بغضّ النظر عن مستوى تحصيلهم العلمي أو درجاتهم خلال المرحلة الثانوية. وما زال «معهد شريف للتكنولوجيا» المؤسسة التعليمية الوحيدة في إيران التي قاومت دخول عناصر الباسيج إليها. وكان اختيار خاتمي لصالحي أحد الأسباب التي سهّلت بدء مرحلة جديدة من العلاقات بين الغرب وإيران حول الملف النووي إذ خلال عمله سفيرا لإيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عهد خاتمي (شغل المنصب من 1999 حتى 2004) قاد صالحي المفاوضات النووية التي أدت في ديسمبر (كانون الأول) عام 2003 إلى التوقيع بالأحرف الأولى باسم بلاده على البروتوكول الإضافي الملحق بمعاهدة الحد من الانتشار النووي، الذي قبلت إيران بموجبه السماح بإجراء عمليات تفتيش على أنشطتها النووية وسمحت لمفتشي وكالة الطاقة بزيارة مواقع نووية إيرانية للتأكد من التزام إيران بالبرتوكول. وكانت حكومة خاتمي قد وافقت آنذاك على تطبيق البروتوكول الإضافي الذي ينص على قيام خبراء وكالة الطاقة الذرية بعمليات تفتيش مباغتة لمواقعها النووية، وذلك قبل أن يصادق البرلمان على الوثيقة في إطار انتهاج خاتمي سياسة خارجية أكثر اعتدالا وانفتاحا على العالم. لكن في فبراير (شباط) عام 2006 أمر أحمدي نجاد بعد عام من توليه السلطة بوقف تطبيق البروتوكول الإضافي.

وكانت إيران تخضع طوعا حتى ذلك الحين لنظام المراقبة المشددة في إطار البروتوكول الإضافي لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.

واتخذ قرار وقف تطبيق البروتوكول بعدما أصدر مجلس الحكام في وكالة الطاقة الذرية قرارا بإحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي.

وكانت مصادر إيرانية مطّلعة قد قالت لـ«الشرق الأوسط» إن استقالة آغازادة الذي يُعتبر «الأب الروحي للمشروع النووي الإيراني بعد الثورة» تكشف حجم الخلافات داخل النخبة بعد انتخابات الرئاسة، مشيرة إلى أن الرسالة السياسية للاستقالة واضحة، كما قالت إن المرشد الأعلى لإيران لن يكون سعيدا باستقالة آغازادة الذي يعتبره الكثيرون في إيران بمثابة «بطل قومي» بسبب الطريقة التي أدار بها البرنامج النووي والتوسع الكبير الذي شهده البرنامج خلال سنوات عمله الاثنتَي عشرة. ومن المعروف أن آغازاده من أنصار الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي دعم مرشح المعارضة مير حسين موسوي في الانتخابات. كما عمل آغازاده وزيرا خلال الثمانينات عندما كان موسوي رئيسا للوزراء. وأصبح آغازاده رئيسا لهيئة الطاقة الذرية عام 1997 وظل في موقعه بعد فوز أحمدي نجاد بفترة رئاسته الأولى عام 2005 على الرغم من دعمه لرفسنجاني في هذا السباق الانتخابي. وترفض إيران الامتثال لقرارات مجلس الأمن الدولي التي تدعوها إلى وقف أنشطة تخصيب اليورانيوم الحساسة، ما دفع الأخير إلى فرض عقوبات عليها. وعرضت الولايات المتحدة ودول أخرى على إيران حلا دبلوماسيا، غير أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون حذرت الأربعاء من أن عرض اليد الممدودة الأميركية لن يستمر إلى ما لا نهاية، مؤكدة أن الوقت أصبح «وقت عمل» ودعت إلى إيجاد حل لهذا الملف. ومن المقرر أن يجتمع وزراء خارجية الدول الثماني الصناعية في 24 سبتمبر (أيلول) في نيويورك لتقييم الوضع المتعلق بالملف النووي الإيراني.

وبعد قمة مجموعة الثماني التي انعقدت الأسبوع الفائت، ذكر وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي أن بلاده تعد سلسلة اقتراحات لعرضها على المجتمع الدولي.

وإلى جانب قرار تعيين صالحي، أصدر أحمدي نجاد قرارا بتعيين إسفنديار رحيم مشائي نائب الرئيس لشؤون السياحة في منصب النائب الأول للرئيس محل برويز داوودي. ومشائي شخصية مقربة جدا من أحمدي نجاد إذ أن ابنته متزوجة بابن أحمدي نجاد.

وكان مشائي صرح في يوليو (تموز) 2008 أن إيران هي «صديقة الشعب الإسرائيلي»، في تصريح غير معهود من جانب مسؤول إيراني يتناقض مع خطاب طهران الشديد اللهجة حيال إسرائيل. وقال مشائي يومها: «إن إيران اليوم هي صديقة الشعب الأميركي والشعب الإسرائيلي. ما من أمة في العالم هي عدوتنا، وهذا فخر لنا». وأضاف: «إننا نعتبر الشعب الأميركي من أفضل شعوب العالم». وأثارت تلك التصريحات آنذاك احتجاجات شديدة ولا سيما بين رجال الدين وأعضاء مجلس الشورى المحافظين الذي طالبوا بإقالة مشائي. واضطر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي في نهاية الأمر إلى التدخل لوضع حد للجدل، منددا بتصريحات مشائي وداعيا إلى إنهاء السجال. وقال المرشد الأعلى: «يدلي أحد ما بتصريح حول أشخاص يعيشون في إسرائيل. إنه تصريح خاطئ. إن القول إننا أصدقاء للشعب الإسرائيلي كما لجميع شعوب العالم ليس كلاما صحيحا، إنه كلام غير منطقي». وتابع: «يقول أحد ما شيئا خاطئا وترد ردود فعل. ينبغي وقف هذا الجدل»، داعيا المعارضين للحكومة لوضع حد لهذه «المسألة الصغرى». وختم: «إن موقف الجمهورية الإسلامية واضح جدا. ليس لدينا أي مشكلة مع اليهود أو المسيحيين أو المؤمنين من الديانات الأخرى، بل لدينا مشكلة مع مغتصبي أرض فلسطين».

وبعد ساعات على هذه التصريحات، أصدر مشائي بيانا أعلن فيه أنه يؤيد تماما هذا الرأي. ويأتي تعيين هذين المسؤولين بعدما وعد أحمدي نجاد، الذي تثير إعادة انتخابه معارضة في الشارع لا سابق لها منذ انتصار الثورة الإيرانية في 1979، بإجراء «تغييرات مهمة» في الحكومة المقبلة. ومن المقرر أن يجري حفل تنصيب الرئيس وحكومته في الفترة الممتدة بين 26 يوليو (تموز) و19 أغسطس (آب). ويمكن أن يسبب تعيين مشائي في منصب النائب الأول للرئيس الإيراني مشكلة لأحمدي نجاد إذ إن أعضاء بالبرلمان شككوا من قبل في قدرته عندما كان يشغل منصب نائب الرئيس لشؤون السياحة.