خليفة كيم جونغ ايل المحتمل.. خريج مدرسة سويسرية

أصدقاؤه يقولون إنه سريع الانفعال.. يرتدي أحذية باهظة الثمن وسكان بلاده يموتون جوعا

TT

في أغسطس (آب) 1998، ومع وصول المجاعة إلى مستوى مخيف في كوريا الشمالية، قامت تلك الدولة الآسيوية التي تعاني من فقر مدقع بإدراج اسم مراهق خجول بمدرسة حكومية سويسرية. وصل الفتى باسم مزور، ومعه مجموعة أصلية من أحذية «نايك» ويشعر بحماسة شديدة تجاه كرة السلة الأميركية. يقول نيكولا كوفاسيفيك، وهو زميل دراسة سابق للكوري الشمالي الذي كان ثريا بصورة تثير الفضول: «كنا نحلم بأن يكون لدينا مثل هذا الحذاء، وكان هو يرتديه». ويضيف كوفاسيفيك إن كل زوج من هذه الأحذية كان يبلغ أكثر من 200 دولار، وهو يزيد على الأقل بمقدار أربعة أمثال عن متوسط الراتب الشهري في جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية التي مات فيها مليون شخص تقريبا بسبب نقص الطعام في منتصف وأواخر التسعينات. وفي الوقت الحالي، يعد الطالب الذي اختفى بصورة غامضة مثلما ظهر من هذه المنطقة السويسرية الهادئة، شخصية بارزة في أحجية تحاول الهيئات الاستخباراتية الأميركية والآسيوية فك شفراتها: من سيتولى قيادة كوريا الشمالية المسلحة نوويا، وإلى أي اتجاه سيأخذها، عندما يغيب عن الساحة قائدها الحالي كيم جونغ إل الذي يعاني من أمور كثيرة؟

ولهذه الإجابة أهمية كبيرة بالنسبة إلى واشنطن، التي يوجد لديها نحو 25,000 جندي في كوريا الجنوبية، على أهبة الاستعداد تحسبا لعودة نزاع تجمد ولكنه لم ينته بصورة رسمية وفقا لهدنة وقِّعت خلال الحرب الكورية عام 1953. من سيحكم كوريا الشمالية سوف يقرر ما إذا كانت سيول وطوكيو وربما حتى هاواي يواجهون خطر هجوم من بلد أجرى تجربتين نوويتين، آخرهما في مايو (أيار) ولديه ترسانة من الصواريخ والمدفعية الطويلة المدى. وقد أرسلت وزارة الدفاع الأميركية نظم دفاع صاروخية إلى هاواي تحسبا للظروف، وقامت كوريا الشمالية في 4 يوليو (تموز) من العام الجاري باختبار سبعة صواريخ أخرى. تضفي كوريا الشمالية على أخبار حكامها وأبنائهم هالة من القصص الخيالية وتحيطهم بسياج من الصمت. ويقول فيكتور تشا، الذي عمل خبيرا في الشؤون الكورية في مجلس الأمن القومي إبان إدارة بوش: «من المدهش أن هناك كمية قليلة جدا من المعلومات الحقيقية لدينا».

وتقدم الذكريات السويسرية لهذا الشاب الكوري الشمالي، الذي عاش من 1998 حتى نهاية 2000 هنا في ليبفيلد، نظرة نادرة على هذا العالم المغلق. عاش الشاب في رقم 10 كيرتشاستراس، وهو شارع يتسم بالهدوء في إحدى الضواحي به مكانان لبيع البيتزا وفرع تابع لبنك «كريدت سويس» وسوبر ماركت لـ«كووب». وكان يبلغ من العمر 17 عاما عندما رحل فجأة وسط العام الدراسي، ومن الواضح أنه عاد إلى بيونغ يانغ. وهناك الكثير من الإشارات على أنه ربما يكون القائد المقبل لكوريا الشمالية: إنه كيم جونغ أون الابن الثالث والأصغر لكيم جونغ إل والذي يبلغ حاليا من العمر 26 عاما. وكان يعرف باسم «باك أون» بالنسبة لمدرسيه في مدرسة ليبفيلد ستينهولزالي، وهي مدرسة حكومية ألمانية وسجل لدى السلطات السويسرية على أنه ابن موظف في سفارة كوريا الشمالية في العاصمة السورية بيرن القريبة، حسب ما يقوله أويلي ستودر، مدير التعليم في الإدارة المحلية. وخلال الفترة التي قضاها باك أون في ليبفيلد لم يقابل الأصدقاء أو المدرسون والديه يوما. ويقول مدير المدرسة بيتر بوري: «لم أقابل أباه أو أمه يوما»، مسترجعا كيف أنهم لم يتمكنوا من رؤية الآباء. وكان يحضر نيابة عنهما كوريان شماليان متحفظان ويعتذران عن غيابهما قائلين إن ذلك بسبب عدم قدرتهما على تحدث الألمانية. وكان هناك سبب أكثر وجاهة وهو أن والد الفتى لم يكن يعمل في مدينة بيرن داخل السفارة، ولكن على بعد أكثر من 5000 ميل في بيونغ يانغ. وتقول ماريا ميكايلو، والدة أحد الأصدقاء المقربين من باك أون إن المراهق الكوري الشمالي باح لابنها جواو في أحد الأيام بأن والده هو قائد كوريا الشمالية. وتتذكر أنها رفضت ذلك ووصفته بأنه محض تباه من المراهق، ولكنها فكرت في الأمر مرة أخرى عندما شاهد ابنها صورا لكيم جونغ إل في التلفزيون، وقال لها إنه رأى الشخص نفسه في صور مع باك أون. ولم يرد جواو ميكايلو على العديد من الرسائل عبر البريد الإلكتروني طلب منه خلالها التعليق على ذلك. ويقول كونغدان أو هاسيغ، وهو خبير في شؤون كوريا الشمالية في معهد التحليلات الدفاعية بمدينة الإسكندرية الذي يقدم أبحاثا لوزارة الدفاع الأميركية، إنه يبدو بالتأكيد أن باك أون هو الابن الثالث لكيم جونغ إل، كيم جونغ أون، وأضاف أن أفراد النخبة في كوريا الشمالية دائما ما يستخدمون أسماء زائفة خارج وطنهم. وباك هو اسم شائع جدا في كوريا على غرار اسم سميث في الولايات المتحدة. وعندما بدأت تقارير عن الخلافة في بيونغ يانغ تتسرب خارج كوريا الشمالية العام الحالي، قيل على نطاق واسع إن ولي العهد كيم جونغ أون حضر في المدرسة الدولية ببيرن، وهي مؤسسة إنجليزية خاصة بالقرب من سفارة كوريا الشمالية في العاصمة السويسرية. ولكن يقول مراقبون لشؤون كوريا الشمالية إن الطالب، الذي ذهب يحمل اسم «باك تشول»، يرجح أنه شقيق كيم جونغ أون الأكبر كيم جونغ تشول. وكلاهما أنجبته زوجة كيم جونغ الرابعة الراقصة السابقة التي ماتت في 2004. ولدى رئيس كوريا الشمالية ابن آخر، هو الأكبر لديه، من زوجة أخرى. كما أن لديه أربع بنات. ودرس الابن الأكبر كيم جونغ نام لفترة في سويسرا تحت أسماء مستعارة كما أنه درس في الاتحاد السوفيتي. وتقول السلطات السويسرية إنها لا تراقب الطلاب الكوريين الشماليين ولذا لا يمكنها القول هل لهم هويات أخرى غير التي يتم تقديمها لهم. وقال سيباستيان هويبر، وهو متحدث باسم الإدارة الفيدرالية للدفاع والحماية المدنية والرياضة التي تسيطر على الهيئات الاستخباراتية الداخلية والخارجية بسويسرا: «لا نعلم هل كان أحد أبناء كيم جونغ إل في سويسرا». وأضاف هويبر أن الخدمات الأمنية تقوم بفحص المقيمين الأجانب الذين يمثلون «تهديدا مباشرا» لسويسرا، «لسنا دولة ديكتاتورية».

ولم يشاهد كيم جونغ أون على الملأ منذ الوقت الذي قضاه فيما يبدو داخل سويسرا، ولم يظهر اسمه أو صورته يوما على وسائل الإعلام الكورية الشمالية. وبعد أن ترك أوروبا، يُقال إنه درس في الجامعة العسكرية لكيم إل سونغ ببيونغ يانغ وهي مدرسة لتدريب الضباط، ولكن لا يعلم شيء على الحقيقة بشأنه. ويقول مسؤول أميركي بارز إنه يبدو أن له «نفس اهتمامات معظم الشباب في السادسة والعشرين»، مشيرا إلى أن هذه الاهتمامات لا تضم في المعتاد استراتيجية نووية. وإذا كان الطالب السابق في ليبفيلد الذي كان يدعى باك أون هو بالفعل كيم جونغ أون، فإن ذكريات مدرسيه وأصدقائه السابقين تقدم صورة عن شخصيته. بدأ الدراسة بعد إجازات الصيف في عام 1998، وهو وقت بدا فيه أن كوريا الشمالية سوف تنهار قريبا. وفي الوقت نفسه تقريبا، دشن كيم جونغ إل برنامجا سريا لإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب من أجل إنتاج قنبلة نووية. وخلال الأشهر القليلة الأولى له في ليبفيلد، حضر باك أول دورة دراسية للطلاب الأجانب الضعاف في اللغة الألمانية. ولأنه كان يتعلم سريعا، تحول إلى الدروس المنتظمة، حسب ما يقوله ستودر، المسؤول التعليمي، الذي وصف الشاب بأنه «متزن ومجتهد وطموح». ويتذكر الأصدقاء أن باك أون كان يتحدث الألمانية بطلاقة، ولكنه لم يكن يلتزم بالقواعد في بعض الأحيان، وكان يعاني من التحدث باللهجة السويسرية. وكان يعرف الإنجليزية أيضا. ويظهر فيديو لحصة موسيقى حضرها في المدرسة فتى آسيوي رشيق يرتدي بنطلونا أسود وحذاء نايك آير جوردان وقميصا رياضيا أسود ذا أكمام طويلة. وكان يميل بصورة تظهر عدم الراحة عندما كان الزملاء في الفصل يضربون طبلات أفريقية وعلى الدفوف. وعلى الرغم من أنه كان هادئا بصورة عامة في الفصل، وجبانا في بعض الأحيان ولاسيما فيما يتعلق بالفتيات، كان لباك أون شخصية مختلفة في ملعب كرة السلة، وفق ما يقوله زملاء سابقون. وقع في مجموعة من الأولاد معظمهم من المهاجرين كان يقاسمون حب الرابطة الوطنية لكرة السلة. ويقول كوفاسيفيك إن باك أون لاعب ينافس بشراسة. ويضيف كوفاسيفيك، الذي يعمل حاليا متخصصا تقنيا في الجيش السويسري: «كان سريع الانفعال، ويمكنه صنع الأشياء، فقد كان صانع ألعاب. وإذا كنت غير متأكد هل أستطيع تسديد رمية ما، أعرف دائما أنه يمكنه القيام بذلك».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»