رفسنجاني معارضا خامنئي: إيران في أزمة.. وشرعية الحكومة برضا الشعب

أعاد فتح ملف مخالفات الانتخابات وقال: السلطات الإيرانية فقدت ثقة شعبها * مصدر إيراني لـ«الشرق الأوسط»: رفسنجاني عبر عما يريده الشارع

رفسنجاني خلال خطبة الجمعة في جامعة طهران أمس (أ.ب)
TT

في خطبة سياسية أعادت فتح ملف مخالفات الانتخابات الإيرانية، وأكدت أن قوى الإصلاحيين في إيران تعمل مع مؤسسات داخل النظام لإيجاد حل لأزمة الانتخابات، قال رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، ورئيس مجلس الخبراء في إيران على أكبر هاشمي رفسنجاني، إن «إيران في أزمة» و«خسرنا كل شيء» و«أن أي حكومة غير شرعية ما لم يكن الشعب راضيا عنها»، داعيا السلطات إلى إزالة الشكوك لدى الشارع الإيراني في نتائج الانتخابات المتنازع عليها. وعلى الرغم من أن رفسنجاني لم يذكر اسم المرشد الأعلى لإيران آية الله على خامنئي، في خطبته وركز هجومه على مجلس صيانة الدستور، فإن الخطبة تعتبر أكبر تحد لسلطة المرشد الأعلى لإيران، الذي عمل خلال الأسابيع الماضية على غلق ملف الانتخابات بإعلانه أن انتخاب نجاد شرعي. وأدت خطبة رفسنجاني، وهي الأولى له منذ اندلاع أكبر أزمة تواجهها إيران، منذ الثورة الإيرانية عام 1979، إلى ارتياح كبير في معسكر الإصلاحيين في إيران، فيما أثارت الخطبة استياء وتوترا وسط المحافظين، إذ إنها تضع المرشد الأعلى لإيران أمام خيارين وهما: إما معالجة أسباب الشك في الانتخابات، أو المجازفة بدعم حكومة محمود أحمدي نجاد، التي يرى تيار واسع وسط النخبة الإيرانية الحاكمة أنها حكومة «غير شرعية» مما يعني «مواجهة مفتوحة» بين التيارين طوال فترة حكم أحمدي نجاد. وعبر رفسنجاني في خطبته، التي كان الاصطلاحيون والمحافظون ينتظرونها بترقب، عن أسفه لأن «السلطات الإيرانية فقدت ثقة شعبها بعد الانتخابات»، وتساءل رفسنجاني في خطبته التي نقلت على الهواء مباشرة عبر الراديو الرسمي الإيراني، «ما الذي علينا فعله في هذا الوضع؟»، مضيفا أن لديه حلا تدارسه مع أعضاء في مجمع تشخيص مصلحة النظام ومجلس الخبراء، المؤسستين الرئيسيتين في النظام، اللتين يرأسهما. وأضاف رفسنجاني، الذي يعتبر الخصم اللدود لأحمدي نجاد، الذي ألحق به هزيمة نكراء في انتخابات 2005 الرئاسية، أن «مهمتنا الأولى هي استعادة الثقة، التي كانت لدى الشعب، التي فقدت اليوم إلى حد ما». وكان يمكن سماع أصوات الحشود واضحة وهي تهتف «موسوي.. موسوي.. نحن نؤيدك». مقاطعين لفترة وجيزة خطبة الجمعة التي ألقاها رفسنجاني، قبل أن يطلب منهم الهدوء، فيما كان موسوي يجلس في الصف الأول للصلاة، وحوله الكثير من الوزراء والمسؤولين الذين عملوا مع حكومته عندما كان رئيسا للوزراء، ومسؤولين عملوا مع حكومتي رفسنجاني ومحمد خاتمي، والكثير منهم ومن المصليين يرتدون الشارات الخضراء، رمز حملة موسوي الانتخابية، الذي بات لونا للحركة الإصلاحية في إيران. وهاجم رفسنجاني رئيس مجلس الخبراء، المؤسسة التي تملك سلطة عزل خامنئي، الطريقة التي أدارت بها السلطات الانتخابات والأحداث التي جرت بعدها. وقال: «عندما يغيب الشعب عن المشهد وتغيب أصواته لا تكون هذه الحكومة إسلامية». في إشارة إلى اتهامات المعارضة بتزوير الانتخابات. وقال «هذا يوم مرير». وشدد رفسنجاني على أنه من المهم استعادة ثقة الناخبين في النظام. وأضاف داعيا إلى وحدة الصف «تلك الثقة لا يمكن أن تعود بين عشية وضحاها، كلنا تضررنا». وانتقد رفسنجاني مجلس صيانة الدستور، وهو الهيئة الدينية التي تقوم بفرز المرشحين وتنظر في الطعون الانتخابية، لفشله في القيام بدوره، على الرغم من أنه حصل على خمسة أيام إضافية لإعداد تقييمه. وينفى المجلس وجود أي مخالفات في العملية الانتخابية. وقال رفسنجاني، الذي كان مقربا من آية الله روح الله الخميني، قائد الثورة الإيرانية مستخدما لهجة قاسية ضد تعامل قوات الأمن مع المتظاهرين، «أتكلم كشخص عايش الثورة يوما بيوم، كنا نعرف ما يريده الإمام الخميني. لم يكن يريد استخدام الإرهاب أو السلاح حتى في المعارك من أجل الثورة». وتابع رفسنجاني، الذي أثار غضبه اتهام أحمدي نجاد له خلال الحملة الانتخابية بالفساد، «إذا لم تحفظ الجوانب الإسلامية والجمهورية للثورة فذلك يعني أننا نسينا مبادئ الثورة». وتابع رفسنجاني، وقد بدا عليه التأثر وظهرت الدموع في عينه: «الرسول محمد كان يحترم حقوق البشر»، قائلا إنه كان على القيادة في إيران، في إشارة ضمنية إلى خامنئي، أن تظهر تعاطفها مع هؤلاء الذين اعتقلوا خلال المظاهرات بعد الانتخابات في إيران. وطالب رفسنجاني بالإفراج الفوري عن المحتجزين الذين اعتقلتهم السلطات الإيرانية. واعتقلت السلطات الإيرانية عددا من أقاربه بسبب المشاركة في المظاهرات المؤيدة لموسوي، من بينهم ابنته فائزة وأفرج عنهم بعد وقت قصير. وقال في لهجة مؤثرة، «في الموقف الحالي ليس ضروريا أن نحتفظ بعدد من الناس في السجون، علينا أن نسمح لهم بالعودة إلى أسرهم». كما دافع رفسنجاني عن الصحافة وطالب السلطات إزالة القيود على عملها، قائلا: «لا توجد ضرورة للضغط على وسائل الإعلام. ينبغي أن نسمح لها بالعمل بحرية في إطار القانون، ليس من الضروري في الوضع الراهن، أن يتم سجن الناس. دعوهم يعودون إلى عائلاتهم. يجب علينا ألا نسمح لأعدائنا بأن يلومونا وأن يهزأوا بنا بسبب الاعتقالات. علينا أن نسامح بعضنا بعضا». وهي المرة الأولى التي يؤم فيها رفسنجاني أبرز الداعمين لموسوي، صلاة الجمعة المركزية في جامعة طهران منذ أكثر من شهرين. وشدد رفسنجاني على أن «عددا كبيرا من حكماء البلاد قالوا إن لديهم شكوكا» حيال نتائج الانتخابات «وعلينا إذن أن نعمل من أجل الرد على شكوكهم». وتابع «لقد خسرنا كل شيء. نحن اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى الوحدة، أولئك الذين أصيبوا في الحوادث بحاجة إلى التعويض. علينا تعزية المحزونين وتقريب قلوبهم» من النظام. وأضاف «كلنا أعضاء أسرة واحدة. آمل مع هذه الصلاة أن نتمكن من تخطي مرحلة المتاعب هذه التي يمكن أن توصف بالأزمة». ولم يحدث قط أن وصفت أي شخصية بارزة في المؤسسة الإيرانية الاضطرابات التي وقعت بعد الانتخابات الرئاسية بالأزمة. وتمثل تعليقات رفسنجاني تحديا واضحا للزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، الذي أقر نتيجة الانتخابات واتهم قوى أجنبية بإشعال الاضطرابات.

كما تحدث رفسنجاني عن الخلافات بين آيات الله في الحوزة العلمية في قم. وقال رفسنجاني: «مراجع التقليد دائما ما ساندت وخدمت الشعب. فلماذا يشعر بعضهم اليوم بالإساءة، نحتاج إلى أن يكونوا إلى جوارنا. نحتاج إلى دعمهم»، وذلك في إشارة إلى آيات الله الذين شعروا بالغضب بعد انتقادات السلطات لهم لأنهم لم يهنئوا نجاد بعد انتخابه. ومن المعروف أن غالبية مراجع التقليد في إيران، وعلى رأسها آية الله على منتظري، وآية الله مكارم شيرازي، وآية الله يوسفي صانعي، وآية الله جوادي املي، وآية الله وحيدي، انتقدوا نتائج الانتخابات الإيرانية، ودعوا السلطات إلى الاستماع إلى أصوات المعترضين. كما حثوا على إطلاق سراح المعتقلين ورفضوا تقديم خطابات تهنئة إلى أحمدي نجاد. وقال مصدر إيراني قريب من الإصلاحيين لـ«الشرق الأوسط» إن خطبة رفسنجاني «لم يكن من الممكن أن تكون أكثر توفيقا أو قوة»، موضحا: «دائما ما كانت هناك ظلال من الشكوك حول أين يقف. فهو كان حريصا على عدم قطع العلاقات مع خامنئي. إلا أن خطبة اليوم، (أمس)، كانت صريحة وعبر فيها عما يشعر به الشارع الإيراني، لا الإصلاحيون فقط. لقد اختار رفسنجاني الشارع وليس السلطة في هذه الأزمة. الآن علينا أن ننتظر لنرى الحل الذي لديه». وأوضح المصدر الإيراني أن خطبة رفسنجاني لامست هؤلاء الذين كانوا قربين من الخميني في السنوات الاولى بعد الثورة خصوصا عندما تحدث عن تصور الخميني للحريات العامة. وتابع: «لم تظهر صور خامنئي كثيرة في خطبة أمس، كانت صور الخميني هى الحاضرة أمس. وعندما تحدث رفسنجاني لم يذكر اى شيئ حول مؤامرة خارجية ضد إيران كما يحاول المحافظون الترويج. والأكثر من ذلك كان هناك مستشارون مقربون من خامنئي حاضرين الخطبة وداعمين لما قاله رفسنجاني مثل حسن روحاني». وكان لافتا أن وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية ركزت على دعوة رفسنجاني العمل في إطار القانون وعبر المؤسسات القانونية. إذ نقلت وكالة الأنباء الرسمية «إرنا» ووكالة «فارس» دعوة رفسنجاني العمل عبر المؤسسات الدستورية والقانونية للنظام. وسعت المعارضة الإيرانية إلى استعراض قوتها خلال صلاة الجمعة أمس، التي أعلن سابقا أن اثنين من المرشحين الثلاثة الخاسرين في الانتخابات، سيشاركان فيها، وهما مير حسين موسوي، والاصلاحي مهدي كروبي، اللذان يصران على الطعن بنزاهة الانتخابات، ويؤكدان أن السلطات زورت نتائجها. وقد حضر موسوي الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء في الثمانينات الصلاة في أول ظهور رسمي له منذ الانتخابات الرئاسية، كما حضرها مهدي كروبي الذي تعرض لاعتداء من قبل قوات باسيج تلبس اللباس المدني. وقد انتشر الآلاف من أنصار موسوي في الحرم الجامعي وحوله، وقد لفوا معاصمهم برباطات خضراء، وهو اللون الذي اتخذه موسوي رمزا لحملته. وعقب الصلاة تظاهر هؤلاء مرددين شعارات مؤيدة لموسوي، ومطلقين هتافات التكبير، على ما أفاد شهود عيان. وأكد الشهود أن أعدادا كبيرة من الشرطة وعناصر ميليشيا الباسيج انتشرت في المكان، واستخدمت العيارات المطاطية لتفريق المتظاهرين واعتقلت «الكثيرين» من بينهم.

وكان وزير الاستخبارات غلام حسين محسني اجائي، دعا «الشعب الفطن» إلى «اليقظة» حتى «لا تكون صلاة الجمعة مناسبة لأحداث غير مرغوبة». وهذه التظاهرة، الأولى منذ التاسع من يوليو (تموز) التي جرت بمناسبة الذكرى العاشرة لانتفاضة الطلاب في 1999، أتت في الوقت الذي يواصل فيه الرئيس تشكيل فريقه الحكومي خلال ولايته الثانية. وقتل ما لا يقل عن 20 شخصا خلال العنف الذي أعقب الانتخابات. وتتبادل السلطات وموسوي الاتهامات بالمسؤولية عن إراقة الدماء. وتمكنت قوات الأمن من السيطرة على مظاهرات الشوارع التي اندلعت الشهر الماضي، لكن موسوي ظل على تحديه.

وأظهر تصوير فيديو وضع على الإنترنت آلاف المتظاهرين تغص بهم الشوارع حول الجامعة، وهم يرددون شعارات التأييد للأشخاص الذين اعتقلوا منذ الانتخابات. وردد المحتجون الهتافات قائلين «يتعين الإفراج عن السجناء السياسيين»، و«السجناء السياسيون نحن ندعمكم» و«الإيرانيون يموتون لكنهم لا يقبلون القمع» و«شقيقي الشهيد سأسترد صوتك» و«الموت لروسيا» و«روسيا لماذا تتدخلين في شؤوننا»، كما ردد المتظاهرون «الموت للصين» بسبب دعم بكين لحكومة نجاد، وصمت طهران على قتل مئات المسلمين الإيغور في الصين.