رفسنجاني.. الرقم الصعب في المعادلة الصعبة

الرجل الذي طالما وصف بـ«البراغماتية».. ينحاز للإصلاحيين علانية

TT

بات الرئيس الإيراني السابق ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام ورئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني «الرقم الصعب» في «المعادلة الإيرانية الصعبة»، وهي كيف يمكن الخروج من الأزمة السياسية الراهنة في إيران بدون تفكيك النظام أو تقويض أسسه.

فرفسنجاني الذي طالما وضع في خانة «البراغماتية» أعطى أمس في خطبة صلاة الجمعة دعما واضحا وعلانيا للإصلاحيين، وانتقد بشكل مباشر بدون لبس مجلس صيانة الدستور الذي قال إنه أدى إلى «شكوك الإيرانيين» في الانتخابات. وبعد خطبة الجمعة أمس، أصبح رفسنجاني بدون شك أقرب إلى تيار الإصلاحيين الداعي إلى حل الأزمة الراهنة بإعادة الانتخابات.

ولم يدلِ رفسنجاني (75 عاما) الذي تولي سدة الرئاسة مرتين، بكثير من المواقف منذ إعلان فوز محمود أحمدي نجاد رسميا بولاية ثانية الشهر الفائت، ومن هنا كانت خطبته في صلاة الجمعة المركزية في جامعة طهران منتظرة بشدة. وخلال الحملة الانتخابية، دعم رفسنجاني مير حسين موسوي الذي اتهم السلطة بتزوير نتائج الانتخابات وتزعم حركة احتجاج غير مسبوقة في تاريخ الجمهورية الإسلامية، هددت ركائز النظام قبل أن تقمعها القوى الأمنية. ويرأس رفسنجاني مؤسستين رئيسيتين في النظام هما مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يعتبر هيئة تحكيمية، ومجمع الخبراء المكلف بالإشراف على عمل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الذي يمتلك أيضا صلاحية عزل المرشد الأعلى.

وتولى رفسنجاني رئاسة الجمهورية الإيرانية بين عامي 1989 و1997، ومني في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2005 بهزيمة نكراء أمام رئيس بلدية طهران يومها المتشدد أحمدي نجاد. لكنه ما لبث أن عاد في ديسمبر (كانون الأول) من العام التالي، وبقوة إلى مقدمة الساحة السياسية إثر فوزه بفارق كبير عن منافسيه في انتخابات أعضاء مجمع الخبراء، الذي ما لبث في سبتمبر (أيلول) أن انتخب رئيسا له. ورفسنجاني أحد أبرز شخصيات الثورة الإسلامية وكان قائدا للجيش خلال الحرب الإيرانية العراقية، ثم رئيسا في فترة إعادة إعمار البلاد (1989 ـ 1997) بعد وفاة قائد الثورة الإيرانية آية الله روح الله الخميني، وطرح نفسه في 2005 «رأس حربة» في مواجهة المحافظين المتشددين. واعتبر كثيرون أن هزيمته في الانتخابات الرئاسية ستكون الخطوة الأولي على طريق اعتزاله العمل السياسي، إلا أن الناخبين الإصلاحيين الذين حرموه أصواتهم في البداية عادوا وصوتوا له نهاية 2006 عندما تحالفوا مع المحافظين المعتدلين ضد محمود أحمدي نجاد ليتولى مسؤولية مجلس الخبراء.

وكان رفسنجاني من أوائل مناصري الخميني، وقد انخرط في العمل السياسي عام 1963 حين كان مجرد طالب في الحوزة الدينية عندما اعتقلت شرطة الشاه الإمام الخميني في قم (وسط). ووطد مكانته مع قيام الثورة فازداد نفوذه تدريجيا وانتخب رئيسا لمجلس الشورى عام 1980. وتعززت سلطته عند نشوب الحرب مع العراق (1980 ـ 1988) فأجرى اتصالات غير مباشرة مع الأميركيين من أجل الحصول على أسلحة، مما أدى إلى فضيحة «إيران غيت» حين قامت إدارة رونالد ريغان سرا ببيع أسلحة لإيران لقاء الإفراج عن رهائن غربيين في لبنان.

وخلال توليه منصب رئاسة الجمهورية (1989 ـ 1997)، أعاد إعمار بلاده واعتمد سياسة انفتاح اقتصادي على الخارج مما أثار غضب المحافظين عليه بشدة، إذ تعرض لانتقادات بالغة خصوصا بسبب إزالة لوحات الحرب العراقية الإيرانية في مشروعه لإعادة بناء العاصمة طهران وتحويلها إلى عاصمة حديثة. غير أن تلك السنوات سجلت كذلك تضخما هائلا وتزايدا كبيرا في ديون إيران، وشهدت أيضا محاولات فاشلة للتقرب من واشنطن. وكان عمدة طهران السابق غلام حسين كرباستشي وأحد أقرب مساعدي رفسنجاني قد قال لـ«الشرق الأوسط» إن الفجوة بين رفسنجاني والمحافظين بدأت منذ ذلك الحين، وإن المحافظين سعوا منذ ذلك الوقت إلى تهميش رفسنجاني وإبعاده عن الصورة والتضييق عليه، إلا أن رفسنجاني استطاع بفضل مكانته وعلاقاته مع آيات الله الحوزة العلمية أن يحفظ مكانه في النظام.

وقد لعب رفسنجاني دورا أساسيا في انتخاب الإصلاحي محمد خاتمي في وجه مرشح المحافظين أكبر ناطق نوري. ويسعى رفسنجاني إلى تجسيد الإسلام المنفتح وتأييد التطور السياسي والاقتصادي والانفتاح على الخارج، وهو ما لا يمنعه من انتقاد السياسة الأميركية باستمرار.

ورفسنجاني من مؤيدي الاقتصاد الحر وهو لم يتردد في قول إن «جمع الثروة قيمة» أخلاقية، فحتى عندما كان ما زال طالبا بدأ رفسنجاني جمع ثروة عبر مطبعة كتب أسسها مع أشقائه، وعبر الاتجار في العقارات والفستق. إلا أن الثروة التي جمعتها عائلته طرحت الكثير من علامات الاستفهام، لدرجة أن الرئيس أحمدي نجاد نفسه لم يتردد خلال الحملة الرئاسية الأخيرة في اتهام رفسنجاني بالفساد خلال مناظرة تلفزيونية. وبعيد الانتخابات اعتقلت السلطات لفترة وجيزة ابنة رفسنجاني، فائزة هاشمي المؤيدة لموسوي والتي شاركت في العديد من التظاهرات الرافضة لنتائج الانتخابات.

وفيما يحرص رفسنجاني على عدم انتقاد المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي علانية بالرغم من اختلافات وجهات النظر بينهما، إلا أن الأزمة الراهنة أحدثت شقا كبيرا بينهما، ومن غير الواضح بعد ما إذا كان رفسنجاني قد يسعى مستقبلا لاستخدام صلاحياته القانونية لمساءلة خامنئي، خاصة إذا اتخذ المرشد الأعلى لإيران قرارات قد يراها مجلس الخبراء تهديدا للجمهورية الإسلامية.