يزدي لـ «الشرق الأوسط»: هناك فارق بين حماية الثورة وحماية مصالح جماعة تدعي أنها تحمي الثورة

قال إن إيران في طريقها للنموذج السوفياتي.. توتاليتارية عسكرية وجهاز أمن سري فعال لكنه فاسد *الملالي ليسوا حماة الدين حتى وإن قالوا ذلك

TT

حذر إبراهيم يزدي زعيم «حركة حرية إيران» أحد أحزاب التيار الإصلاحي في إيران من أن إيران تسير في طريق الاتحاد السوفياتي السابق: «أقوى نظام توتاليتاري ومع جهاز شرطة سرية شديد الفعالية لكنه فاسد»، موضحا في حوار خاص مع «الشرق الأوسط»: أنه بعد 30 عاما على قيام «الجمهورية الإسلامية» بعد الإطاحة بنظام الشاه فإن خوفه ينصب على مصير تلك الجمهورية موضحا: «انهار الاتحاد السوفياتي السابق لأن القادة تحركوا للإصلاح وللاستجابة لمطالب الشعب متأخرا.. أعتقد أن إيران تسير في هذا الطريق. لكن مع فارقين أساسيين أولا: أن إيران ليست إمبراطورية كي تتفكك إلى جمهوريات وأقاليم. ثانيا: انهيار الاتحاد السوفياتي شكل نهاية للآيديولوجية الماركسية.. لكن الإسلام لن يختفي كما اختفت الماركسية. فالإسلام جزء من هويتنا وثقافتنا. أنا لست قلقا على الإسلام، فللإسلام رب يحميه.. لكنني خائف على الجمهورية الإيرانية والديمقراطية في بلدي». وتابع: «نحن نحارب من أجل الديمقراطية طوال حياتنا. في حالتي أنا طوال 60 عاما. وأنا أعلم أن الطريق للديمقراطية ليس ممهدا. أعلم أننا نحتاج صبر أيوب وطول عمر نوح وكياسة محمد». وشدد يزدي الذي شغل منصب وزير الخارجية في حكومة مهدي بارزوكان، أول حكومة إيرانية بعد الثورة 1979، على أن الأزمة الراهنة ليست خلافا بين النخبة الحاكمة فحسب، بل حركة شعبية ولدت من الشارع واتفقت معها الحركة الإصلاحية. وبالتالي يرى أن الوضع الراهن في إيران لن يحسمه فقط قادة الإصلاحيين في تحديهم للمحافظين، بل بالأساس الشارع الإيراني الذي يرى يزدي أنه شهد تحولات كبيرة، قائلا إن النخبة في إيران أمام خيارين: إما محاولة السيطرة على الشارع. أو السير مع الشارع لتلبية مطالبه، وهذا ما يحاول موسوي ورفسنجاني وكروبي وخاتمي القيام به بحكم نفوذهم في مؤسسات النظام، موضحا: «عصبية المحافظين تعكس أن الحل الوسط شيء لا يمكن تجنبه».

وهنا نص الحوار:

* ما رأيك في خطبة الجمعة التي ألقاها رئيس مجلس الخبراء على أكبر هاشمي رفسنجاني؟ ـ بعد الانتخابات الرئاسية الجميع يعلم أن الفجوة تعمقت بين الدولة والأمة الإيرانية. والأهم أن الجيل الجديد في إيران والحركة الإصلاحية يحاولان أن يصلحا الوضع من داخل النظام وفي إطار الدستور الحالي وبالتالي فإنهم يستغلون أي فرصة سلمية للتعبير عن رأيهم. عندما سمع الناس أن رفسنجاني سيؤم الصلاة وسيحضرها موسوي وكروبي وخاتمي شارك مئات الآلاف من المؤيدين لهم في الصلاة وفي التظاهرات. كان تجمعا متحضرا، لكن للأسف بعض قوات الباسيج التي ترتدي ملابس مدنية هاجمت المتظاهرين وكروبي. وكان ذلك شيئا مؤلما وزعزع ثقة الإيرانيين أكثر في المؤسسة الحاكمة.

* هل تعتقد أن رفسنجاني تحدث في خطبته عن كل القضايا التي كان الشارع الإيراني يريد منه التحدث حولها؟ وهل تعتقد أنه قادر على الدفع نحو حل سياسي لأزمة الرئاسة الإيرانية؟ ـ نعم لقد عكس رفسنجاني مطالب الناس في الشارع الإيراني. أما إذا كان قادرا على الدفع لحل سياسي للأزمة، فإذا أخذنا في الاعتبار أنه تحدث في خطبته عن حل سياسي يتدارسه, وإذا أخذنا في الاعتبار أيضا أن السلطات لا تستطيع مواصلة الوضع الراهن. فلابد من إيجاد حل سياسي سلمي للأزمة الراهنة, ولهذا أعتقد أن رفسنجاني قادر ويعمل من داخل النظام لإيجاد حل سياسي.

* ما الذي سيحدث الآن؟ هل ستواصلون الضغط ضد إعادة انتخاب أحمدي نجاد؟ ـ طبعا سنواصل الضغط السياسي. المطلب الأول الفوري للجميع، وهو ما قاله هاشمي في خطبة الجمعة، هو أولا: إطلاق سراح المئات من المعتقلين السياسيين في إيران وبعضهم قيادات كبيرة في الحركة الإصلاحية. هناك العديد من الذين اعتقلوا لا أحد يعرف أين هم الآن وهناك مخاوف عليهم، بعضهم لم يتصل بأسرته منذ اعتقل. المطلب الثاني: إجراء تحقيق في عمليات القتل التي حدثت خلال التظاهرات. من الذي أعطى الأوامر؟ ومن الذي أطلق النار؟ والحركة الإصلاحية تريد أن يتولى القضاء مسؤولية التحقيقات.

* في رأيك الشخصي ما هو أفضل حل سياسي للأزمة الحالية؟ ـ الخطوات الفورية هي إطلاق سراح المعتقلين السياسيين بدون شرط، والثاني إجراء تحقيق حول من هم المسؤولون عن قتل الناس في شوارع طهران وفي الحرم الجامعي في جامعات إيران. أما الحل على المدى المتوسط فهو كيف نتوصل لتسوية سياسية حول أزمة الرئاسة تتضمن حلا وسطا.

* ما هي الأفكار التي لديكم؟ ماذا تريدون؟ ـ نأمل في تشكيل مجلس تشاوري من محمد خاتمي ومير حسين موسوي ومهدي كروبي لمواصلة مطالبهم. إذا شكلوا المجلس ليكون إطارا قانونيا لعملهم، سيتمكن هاشمي من دعمهم بطريقة أكثر فاعلية من خلال مؤسسات النظام.

* لماذا تعتبر هذه الأزمة أخطر أزمة تواجهها إيران منذ الثورة عام 1979؟ ـ في أبريل (نيسان) الماضي أعطيت محاضرة أمام «معهد الشرق الأوسط» في واشنطن وقلت إن إيران في طريقها للنموذج السوفياتي. ما هو النموذج السوفياتي؟ أقوى نظام توتاليتاري ومع جهاز شرطة سرية شديد الفعالية لكنه فاسد. كانت هناك ضغوط خارجية وداخلية على الاتحاد السوفياتي لكن الثورة لم تحدث. فما الذي حدث لينهار النظام كله؟ شخص من داخل النظام وهو ميخائيل غورباتشوف جاء إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي وقال إن النظام بشكله الحالي لا يعمل، ويجب التغيير من الداخل وأقنع اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي. لكن كان الأوان قد فات. خورتشوف اقترح التعديلات منذ الستينات ليتم الإصلاح من داخل النظام، لكن لم يستمع أحد إليه. وبالتالي عندما جاء غورباتشوف كان ذلك بعد فوات الأوان. حدث التغيير بشكل سريع أدى إلى انهيار الاتحاد السوفياتي. أي بدلا من التغيير من داخل النظام وفي إطار مؤسساته، انهار الاتحاد السوفياتي السابق لأن القادة تحركوا للإصلاح وللاستجابة لمطالب الشعب متأخرا. (في إيران طلب آية الله علي منتظري منذ نحو عقدين إصلاح النظام من الداخل، كما فعل خورتشوف لكن أحدا لم يستمع إليه). أعتقد أن إيران تسير في هذا الطريق. لكن مع فرقين أساسيين، أولا: أن إيران ليست إمبراطورية كي تتفكك إلى جمهوريات وأقاليم. فانهيار الاتحاد السوفياتي حدث بسبب تفككه كإمبراطورية وتحوله إلى جمهوريات في وسط آسيا وأوروبا الشرقية. ثانيا: انهيار الاتحاد السوفياتي شكل نهاية للآيديولوجية الماركسية. هنا في إيران نحن لسنا إمبراطورية، كما أنه إذا انهار النظام فإن الإسلام لن يختفي كما اختفت الماركسية. فالإسلام جزء من هويتنا وثقافتنا. أنا لست قلقا بشأن تفكك إيران، كما أنني لست قلقا على الإسلام. ليس لأنني لست مسلما ورعا، ولكن لأن الله قال: أنا سأحمي الإسلام. الله هو الولي. الله هو القيم. ليس هناك وصي على دين الله، الله هو وصي الإسلام. لكنني أشعر أن واجبي هو حماية الجمهورية الإيرانية. الجمهورية الإيرانية نبتة صغيرة ما زالت تنمو يحيط بها أعداء، وواجبي حمايتها. عندما جاء أبرهة لهدم الكعبة المشرفة في مكة المكرمة. ماذا قال عبد المطلب؟ قال: للبيت رب يحميه. أنا لست قلقا على الإسلام، فللإسلام رب يحميه. الملالي ليسوا حماة الدين، حتى وإن قالوا ذلك. الله هو الولي والحامي لدينه. لكنني خائف على الجمهورية الإيرانية والديمقراطية في بلدي.

* الحركة الإصلاحية شعرت بالكثير من الضغط من مسؤولين كبار من التيار المحافظ لقبول نتيجة الانتخابات وقبول حكومة أحمدي نجاد.. هل بسبب هذه الضغوط أنتم ـ الإصلاحيين ـ موحدون، أم أن هناك اختلافات بينكم في وجهات النظر حول طريقة معالجة الأزمة الراهنة؟

ـ للأسف، هناك تباينات في وجهات نظر الحركة الإصلاحية في هذه الأزمة. كما كانت هناك دوما اختلافات في وجهات النظر داخل الحركة. الخلافات بالأساس حول أفضل الطرق للضغط وشكل الحل الوسط. لكن الحركة الإصلاحية حركة حقيقية وهى ظاهرة اجتماعية وسياسية لها وجودها المتجذر في إيران. الناس وفقا لظروفهم السياسية، قد يقتربون منها أو يبتعدون على حسب الظروف السياسية التي يمرون بها. في الوضع الراهن، من المبكر جدا تقييم الترتيبات الجديدة للقوى السياسية . أين يجلس السيد خاتمي؟ أين يجلس السيد رفسنجاني؟ أين يجلس أو يتموضع باقي المسؤولين الكبار. علينا أن ننتظر لنرى ما هو بعيد عن الأعين أو تحت السطح.

* هل هناك اجتماعات بين كبار الإصلاحيين، هاشمي رفسنجاني وخاتمي وموسوي وكروبي؟ ـ هناك اجتماعات ومناقشات ولقاءات تجري طوال الوقت.

* منذ 3 سنوات قلت لـ«الشرق الأوسط»: ثورة أخرى مستحيل.. لكن تغيير تدريجي ممكن. أين تقف إيران الآن. هل ما زلت متمسكاً بوجهة النظر هذه؟ ـ تماما.. ما زلت أعتقد أن الإجابة عن مشاكل إيران ليست ثورة أخرى.

* لكن الحركة الإصلاحية بقيادة موسوي تعمل تقريبا الآن خارج الإطار القانوني للنظام كما يرى الكثير من المحافظين.. فكيف يمكن أن تحدثوا تغييرا من قلب مؤسسات النظام؟ ـ الحركة الإصلاحية لديها لحظات صعودها وهبوطها. لكنها حركة من قلب المجتمع وليس هناك أي خيار آخر للإيرانيين. وبالتالي وعلى الرغم من أزمة الانتخابات، فإن الاختلافات والاستقطاب الحاد داخل النظام كله سيكون من الصعب جدا إصلاحه بدون أن تكون هناك تسويات وحلول وسطى. والشيء الوحيد المقبول هو حل وسط بين الطرفين. عصبية المحافظين التي تزداد يوما بعد يوم تعكس أن الحل الوسط شيء لا يمكن تجنبه. الشيء الوحيد لمنع الأمور من مزيد من التدهور هو حل وسط يتضمن تنازلات لصالح الحركة الإصلاحية.

* من هو الشخص الذي يمكن أن يساعد في حل وسط بين الإصلاحيين والمحافظين في الأيام المقبلة؟ هل هم هؤلاء المستشارون المقربون من المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، مثل حسن روحاني وعلي أكبر ولاياتي، الذين تربطهم علاقات جيدة مع الإصلاحيين والمحافظين؟ ـ لا، ليس هناك أي شخص يمكن أن يكون القوى الفعالة. هناك ضغوط تأتي من داخل النظام ذاته من تيارات متعددة، سواء من رجال الدين من قم, أو من مسؤولين كبار في الساباه (قوات الحرس الثوري) أو البرلمان. كل هؤلاء يمكن أن يلعبوا دورا في الحل الوسط، وليس شخصا أو فردا بعينه.

* البعض يعتقد أن الحرس الثوري وقف متحدا خلف أحمدي نجاد في الأزمة الحالية وأنه ليس هناك تباينات داخله؟ ـ على الرغم من أنهم قالوا إن أحمدي نجاد فاز في الانتخابات، لكن في الوقت نفسه فإن النظام كله في وضع حرج جدا. يجب أن تكون هناك خطوات ما. لأن الانقسام ليس فقط بين الناس والدولة، بل هناك أيضا هوة وانقسام عميق داخل النظام.

* كيف يمكن أن نعرف أن داخل الساباه (الحرس الثوري) من يريدون حلا سياسيا للأزمة، أو حلا وسطا يتضمن تنازلات للإصلاحيين، لأن قادة الساباه لم يتحدثوا بلغة ناعمة حيال الإصلاحيين خلال أزمة الانتخابات بل كانوا متشددين جدا؟ ـ ما زال من المبكر تحديد موقف الساباه من الأزمة. يجب أن ندع ما حدث خلال الأسابيع الثلاثة الماضية يأخذ مساره كي نصل إلى نتيجة غير متحيزة. لهذا سنجد أن الكثيرين داخل إيران الآن يترددون في الإعلان عن استنتاجات حول الأزمة. فالوضع ما زال يتحرك.

* هل أنتم مستعدون في الحركة الإصلاحية لمعركة طويلة إذن؟ ـ نحن نحارب من أجل الديمقراطية طوال حياتنا. في حالتي أنا طوال 60 عاما. وأنا أعلم أن الطريق للديمقراطية ليس ممهدا. أعلم أننا نحتاج صبر أيوب وطول عمر نوح وكياسة محمد. يجب أن نكون مخلصين لهدف الديمقراطية حتى نستطيع أن نكمل الطريق. يجب أن نكون صبورين. وأنا متفائل لأن كل الأشياء التي أراها تدفعني للتفاؤل، ولأنه ليس لدينا خيار آخر. أنا أؤمن بالله تعالى، والله وعدنا: من حيث الله يحتسب فإن بركاته ستأتي.

* تحدثت عن معركة قانونية في البرلمان ومؤسسات أخرى. هل تعتقد أن البرلمان يمكن أن يشكل مشكلة لأحمدي نجاد؟

ـ لا أعلم ماذا سيفعل البرلمان. لكنني لا أتحدث عن مؤسسة واحدة. البرلمان والمؤسسة القضائية والمؤسسات القريبة من المرشد الأعلى ومجلس الخبراء ومجلس تشخيص مصلحة النظام يمكن مجتمعة أن تحدث كل الفرق.

* وماذا عن تأثير آيات الله في قم؟ ـ إذا تابعنا ما قاله آية الله صانعي أو آية الله موسوي أردبيلي وآخرون، ينتاب الشخص شعور بأنه لم يتم الإنصات لهم جيدا أو أن المحافظين يميلون إلى تجاهلهم برغم قوتهم. أعتقد أنه إن آجلا أو عاجلا سيكون على الأشخاص من قلب النظام أن يأتوا وينظروا بإمعان إلى ما قاله آيات الله في قم, لأن ما قالوه كان قاسيا جدا. الآن وأحمدي نجاد في الرئاسة، هناك من يقول إنه من غير الشرعي التعامل مع حكومته. هذا بيان قاس جدا من رجل دين كبير. الإنسان لا يستطيع أن يتجاهل هذه المواقف. لهذا أقول إنه ينبغي التمهل قليلا لرؤية نتائج تلك المواقف السياسية التي وقفها عدد من كبار آيات الله في قم.

* هل تعتقد أن لآيات الله ما يكفي من القوة للتأثير على الأزمة؟ ـ إذا ركزنا على الموقف السياسي لرجال الدين في قم فإنك على حق. لكنهم لم يكونوا وحدهم. والانشقاق امتد إلى النظام كله، من مجلس الخبراء الذي يراقب أداء المرشد والبرلمان وحتى غالبية الإصلاحيين الذين يتعرضون لضغوط شديدة مثل موسوي، الذي كان رئيس وزراء الحكومة خلال الحرب مع العراق. المحافظون لا يستطيعون بسهولة قمع هذه الحركة. لأن موسوي لديه أنصار نافذون في المؤسسة الحاكمة، وحتى داخل قوات الجيش والساباه. كل هذا يلعب في صالح الإصلاحيين في مساعيهم لحل وسط.. لكن هذا لن يحدث خلال أيام.

* بسبب مكانة المرشد الأعلى آية الله على خامنئي في النظام. هل تعتقد أنه بعد الهتافات ضده من فوق أسطح المنازل سيقبل حلا وسطا؟ ـ لا يمكنني التنبؤ. كل ما يمكنني قوله إنني أتمنى أن يفعل هذا لأنه سيفيد إيران. فالأزمة الحالية لن تضر مؤسسة مثلا أو مؤسستين مثل مكانة الولي الفقيه، بل كل المصلحة الوطنية الإيرانية على المحك هنا.

* هل تعتقد أنه قد يقبل حلا وسطا، مختارا أو مضطرا؟ ـ إذا أمكننا اعتبار الأمر تبادلا لوجهات النظر، يمكننا حل الأزمة بدون الحديث عن اختيار وإجبار.

* الساباه (الحرس الثوري الإيراني) بدأ ينشغل بالسياسة منذ الولاية الأولى لخاتمي ردا على فوز إصلاحي معتدل مثله. فهل تعتقد أن انشغال الحرس الثوري بالسياسة إحدى مشاكل إيران وهل تعتقد أن الساباه يريد أن يحكم إيران بشكل مباشر؟ ـ في الواقع هم قالوا ذلك بشكل مباشر. قالوا: طالما دافعنا عن البلاد ضد الغزو العراقي، فنحن المؤسسة الصالحة لحكم إيران. لكنهم مخطئون، لأنك لا يمكن أن تجد أي حكومة عسكرية تحكم بلدا وتحقق تقدما في الوقت ذاته. مع استثناء واحد وهو كوريا الجنوبية. وذلك لأن الأميركيين أرادوا أن يحولوا كوريا الجنوبية إلى نموذج مضاد لكوريا الشمالية والصين. لهذا نجح الحكم العسكري في كوريا الجنوبية في تحقيق نموذج جيد لدولة مستقرة ومتقدمة جدا اقتصاديا. لكن هذا النموذج لم ينجح مع باكستان مثلا. وبالتالي فإن قوات الحرس الثوري في إيران مخطئة، وبعد دفع ثمن غال جدا سيعرف القادة العسكريون لدينا أنهم ارتكبوا خطأ فادحا جدا وسيتراجعون.

* هل صحيح أنه في السنوات الأخيرة باتت مطبوعات وآيديولوجية ودعاية الحرس الثوري مسيّسة؟ ـ نعم صحيح. يدعون أنهم حماة الثورة الإيرانية. لكنّ هناك فارقا بسيطا جدا بين حماية الثورة وحماية مصالح جماعة تدعي أنها تحمي الثورة. هذان لا يتطابقان. هم في الواقع يهاجمون ما يسمونه «ثورة مخملية»، لكن ما هو جوهر «الثورة المخملية». المصطلح ظهر مع الثورة في أوكرانيا. ماذا كانت مشكلة أوكرانيا؟ المعارضة الأوكرانية الإصلاحية لم ترد تغيير النظام. السلطات الأوكرانية زورت الانتخابات ولم تذعن لمطالب الشارع وتقبل المظاهرات السلمية القانونية من قبل الشارع والأحزاب. السؤال لدى إصلاحيي أوكرانيا لم يكن تغيير النظام بل إتاحة مساحة لكي يتم قبول هؤلاء الذين تم انتخابهم. عندما يعبر الحرس الثوري في إيران عن قلقه من «الثورة المخملية» فإنه في الواقع يقول: الجمهورية الإسلامية تعني أنا (الحرس الثوري والمحافظون). أي إذا حكم الحرس الثوري والمحافظون فهذا يعني أن الجمهورية الإسلامية بخير وعافية، لكن إذا حاول الشارع تغييرهم، فهذا تغيير للجمهورية الإسلامية. عندما اعتقلت وتم استجوابي 53 مرة كنت متهما بمحاولة قيادة «ثورة ناعمة». قلت للمحققين: ماذا تعنون بذلك؟ قالوا: ألا تريد أن تغير الرئيس؟ طبقا للدستور كل الناس مخولة تغيير الحكومة واختيار رئيس جديد وتغيير كل أعضاء البرلمان، وأعضاء الحكومة، وكل ثماني سنوات من حقهم قانونيا وسياسيا تغيير أعضاء مجلس الخبراء الذي يختار المرشد الأعلى. وهذا يعني ضمنيا حتى تغيير المرشد إذا رأى المجلس تغييره لأي سبب. وبالتالي قلت للمحققين: لا توجهوا لي الاتهامات إذا أردت تغيير ذلك الرئيس. الآن في إيران الوضع أصبح كالتالي: هم يرون أنهم هم «الجمهورية الإسلامية» وإذا أردنا نحن أن نغيرهم فكأننا نريد أن نغير الجمهورية الإسلامية.

* ماذا عن الخطاب السياسي للساباه؟ عندما تسمع أحمدي نجاد يتحدث تسمع خطابا مختلفا تماما عن خطاب محسن رضائي، وعندما تسمع محمد قاليباق، عمدة طهران، يتحدث تسمع كلاما مختلفا تماما عن الجنرال جعفري رئيس الحرس الثوري. كل هؤلاء كانوا، وبعضهم ما زال، قادة في الحرس الثوري. فهل للحرس الثوري خطاب سياسي موحد. هل يفكر كمؤسسة واحدة؟ أم أن هناك داخله اختلافات وتباينات في وجهات النظر؟ ـ نعم بالتأكيد هناك تباينات في الخطاب السياسي داخل الحرس الثوري. ولهذا فإنه من الخطأ الفادح أن يفترض المرء أن الحرس الثوري مؤسسة عسكرية منسجمة تماما. لأنها ليست كذلك. محسن رضائي كان منذ البداية مع الثورة ولديه خبرة هائلة. وكان في مجلس تشخيص مصلحة النظام ومن خلال هذه السنوات أصبح لديه ما يكفي من الخبرة لإبقاء مسافة استقلال. وقد قال خلال الحملة الانتخابية: نعم عندما كنت رئيسا للحرس الثوري، تدخلنا في عمل حكومة مهدي بارزكان، واعترف أنه لا يعتقد الآن أن ذلك كان صائبا. رضائي مختلف عن أحمدي نجاد بسبب تلك التجربة السابقة. لكن أحمدي نجاد لم يكن معروفا قبل انتخابه، كان أستاذا في الجامعة. لكننا لدينا مئات الآلاف من الأساتذة. فهل كل الأساتذة يصبحون رؤساء. عام 2005 عندما ترشح للرئاسة الكثير منا اعترض لدى مجلس صيانة الدستور لأن المجلس وافق على أوراقه. وسألنا عن الأسس التي سمح له بموجبها خوض السباق الرئاسي، سواء السياسية أو الخبرة أو الكفاءة. وعندما فاز أحمدي نجاد أصبح مطيعا جدا للمرشد، حتى يقال إن خامنئي لم يشعر أنه بات يحكم إيران إلا بعدما تولى أحمدي نجاد الرئاسة. لكن على الرغم من كل شيء سأكرر ثانية: أنا متفائل جدا بشأن كل ما يحدث الآن في إيران، لأنه علامة على أن الثورة غيرت المجتمع الإيراني بطريقة لم تكن مفهومة أو واضحة للخارج وحتى للبعض في إيران. فالشارع الإيراني اليوم، الذي يبلغ متوسط معدل أعمار أبنائه العشرينات من العمر، مسيس بشكل تلقائي. هذا في رأيي أهم تغيير أحدثته الثورة في إيران: فعندما يكون المجتمع مسيسا لا تنفع أساليب القمع العسكري والأمني في إسكاته، لأنه كلما زاد الضغط، زادت الرغبة في الانعتاق والتغيير. لقد شارك في الثورة الإيرانية كل فئات المجتمع، من الأكثر ليبرالية إلى الأكثر تدينا، وعلى رأس هؤلاء النساء اللواتي كن للأسف أول ضحايا الثورة الإيرانية. وهن اليوم بغض النظر عن انتمائهن، سواء كن متدينات أو ليبراليات، يشعرن بالإساءة لأن دولة الثورة التي ساهموا في بنائها لا تهتم بالمسؤول الفاسد، بل بخصلة شعر متدلية من رؤوسهن. هذا لا يعكس النسيج الثقافي في إيران. فنحن في إيران نقول: الكذاب عدو الله. لا نقول: المرأة سافرة الشعر عدوة الله. لكن الآن وفي ظل هذه الحكومة لا أحد يهتم إذا كان الرئيس أو كبار المسؤولين كذابين، لكن يهتمون إذا كانت خصلة من شعر امرأة سافرة. لكن الحكم أو المنصب كان دوما ابتلاء وامتحانا من الله. وبعض هؤلاء الذين يحكمون اليوم كانوا في حركة المقاومة ضد الشاه وقد سجنوا وتعذبوا. لكن عندما وصلوا للحكم، وجلسوا على ذلك الكرسي فشلوا، لأن السلطة فتنة. عندما كان موسوي رئيسا للوزراء لم يكن خامنئي سعيدا بالعمل معه، وحاول أن يبعده لكن آية الله الخميني قاوم. ثم عندما أصبح خامنئي الولي الفقيه وكان رفسنجاني رئيسا للجمهورية لم يستطع خامنئي أن يسيطر علي رفسنجاني أو يشعر أنه صاحب السلطة الكلية. ثم جاء خاتمي وكان تحديا كبيرا لأنه كان مستقلا ولديه رؤية مختلفة وكانت علاقتهما متوترة منذ البداية. ثم جاء أحمدي نجاد واستسلم تماما لخامنئي، فهو يفعل كل ما يطلب منه. لكن هذا كلف خامنئي كثيرا، لأنه يعني أنه تدريجيا يفقد دعم الرفقاء القدامى. حتى أصبح وحيدا ومعزولا.