جاكرتا تربط التفجيرات الانتحارية بجماعة نور الدين توب أخطر المطلوبين في جنوب شرق آسيا

إندونيسيا: 4 أجانب بين قتلى الفندقين السياحيين

TT

تركزت التحقيقات الدولية أول من أمس، على المحاسب الماليزي الذي تحول إلى صانع متفجرات، كمحرض على تفجيري الفندقين الغربيين في جاكرتا، وهو الأمر الذي ربما يشير إلى إعادة ظهور الهجمات الإرهابية، التي تشنها جماعات جنوب شرقي آسيا المتعاونة مع «القاعدة»، حسبما أفاد مسؤولون ومحللون في مجال مكافحة الإرهاب. ويعتبر نور الدين محمد توب، القائد الفكري لأعنف جناح للجماعة الإسلامية، وقد دارت الشكوك حوله بسبب ما قيل عن تورطه في الهجمات على إندونيسيا بين عامي 2002 و2005، بما في ذلك تفجيرات بالي وجاكرتا. ولكن بعد أول تفجير كبير منذ 4 سنوات، فإن الشبهات تحوم أيضا حول عناصر أخرى في خلايا الجماعة المسلحة، التي تعرف باسم الجماعة الإسلامية. ومن هؤلاء قادة كبار وعشرات من المتشددين الذين أطلق سراحهم من سجون جنوب شرقي آسيا، حسبما أفاد مسؤولون في مكافحة الإرهاب. ويقول أحد مسؤولي تطبيق القانون الفيدرالي في الولايات المتحدة، الذي قضى سنوات في مطاردة عناصر الجماعة، بالتعاون مع السلطات في المنطقة، «إن الجماعة الإسلامية هي المنظمة الإرهابية الوحيدة المعروفة في جنوب شرقي آسيا، التي يعرف أنها تمتلك القدرة على تنفيذ مثل هذا الهجوم، ولها شبكات عمل ومعرفة بالتقنية اللازمة لعمل ذلك». وقد عثرت السلطات على متفجرات مخبأة في مدرسة إسلامية في جزيرة جافا بإندونيسيا، على صلة بزوجة توب. وقد بدت هذه المتفجرات شبيهة بالتي استخدمت في التفجيرات، حسبما أفاد مسؤول أميركي آخر. وقد تحدث المسؤولان شريطة عدم الكشف عن هويتهما، لأنهما ليسا مخولين بالحديث عن التحقيقات الجارية، التي تجريها السلطات الإندونيسية بمساعدة محدودة من جانب الولايات المتحدة أو الحكومات الحليفة. وكان مسؤولو مكتب التحقيقات الفيدرالية يرسلون دائما محققين بعد وقوع مثل هذه الهجمات، وكانوا ينتظرون طلبا من الحكومة في جاكرتا قبل القيام بذلك. وقد قتل ثمانية أشخاص على الأقل في الهجمات التي وقعت في فندقي ماريوت جاي دبليو، وريتز كارلتون، اللذين يقعان بالقرب من بعضهما في منطقة أعمال حديثة بالعاصمة التي تكتظ دائما بالأجانب. وقد استنكر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هذه الهجمات، التي أسفرت عن جرح ما يزيد على 50 شخصا بمن فيهم 8 أميركيين على الأقل. وقد أفادت وزارة الخارجية الأميركية بأنه لا يوجد أميركيون بين القتلى. وقد صدرت بيانات منفصلة لإدانة الهجمات بالنيابة عن الرئيس أوباما، ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري رودهام كلينتون. وقد امتدح أوباما المسؤولين في إندونيسيا لتحجيمهم النشاط المسلح في السنوات الأخيرة. وقال أوباما: «ومع ذلك، فإن هذه الهجمات توضح أن الإرهابيين ما زالوا مصممين على قتل الرجال والنساء والأطفال الأبرياء من أي دين، وفي كل البلاد». ولم تتبن أي جهة الاعتداءين اللذين خلفا ثمانية قتلى، غير أنه ما من شك بالنسبة للسلطات الإندونيسية في أنها تحمل توقيع نور الدين توب. وقال مسؤول إندونيسي، إن تفجيري أول من أمس يظهران أن توب لا يزال ينشط، وأن توقيفه يجب أن يكون أولية. وقال ضابط شرطة متقاعد من جنوب شرق آسيا يركز حاليا على مكافحة الإرهاب في المنطقة: «إنها الهجمات تحمل توقيع أصدقائنا الجماعة الإسلامية». وبحسب الخبراء فإن توب ماليزي الجنسية هو أحد أبرز مدبري التفجيرات التي شهدتها إندونيسيا مطلع العقد الحالي، ومن بينها تفجير بالي (202 قتيل في 2002) وتفجير فندق ماريوت جاكرتا (12 قتيلا في 2003).

وتوب هو «أكثر المطلوبين في جنوب شرق آسيا» منذ الاعتداءات التي نسبت للجماعة الإسلامية الإرهابية التي أدمت إندونيسيا في 2002. وقال انسياد مباي رئيس جهاز مكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية الإندونيسية السبت لوكالة «الصحافة الفرنسية»: «هناك مؤشرات قوية على ضلوع جماعة نور الدين توب في الهجمات». ويعتبر نور الدين توب وهو محاسب سابق يتراوح عمره بين 40 و50 عاما، أحد أبرز مدبري الاعتداءات الدامية للجماعة الإسلامية في بداية العقد الحالي، وبينها بالخصوص اعتداءا بالي (202 قتيلا في 2002، و20 قتيلا في 2005) واعتداء فندق ماريوت جاكرتا (12 قتيلا في 2003) والاعتداء على السفارة الأسترالية (10 قتلى في 2004). وتوقفت هذه الموجة من الاعتداءات في نهاية 2005، إثر اعتقال مئات من عناصر وأنصار الجماعة الإسلامية. لكن رغم الحملات التي نفذتها السلطات الإندونيسية مدعومة من الولايات المتحدة وأستراليا فقد نجح نور الدين توب، حتى الآن في النجاة من المطاردة الأمنية. ويرى بعض الخبراء أن توب بات ينشط بشكل مستقل «منشقا عن الجماعة الإسلامية» بحسب سيدني جونس، المتخصص في الإرهاب الإسلامي في منطقة جنوب شرق آسيا. ويرى مباي أن هذه الحركة المتطرفة «تملك الدافع السياسي والأيديولوجي» في تصميمها على «إقامة دولة إسلامية» في جنوب شرق آسيا. وأضاف محذرا «حتى وإن تم توقيف قادتهم فإنهم لن يتوقفوا أبدا». بيد أن قضيتهم لا تلقى شعبية في إندونيسيا أكبر بلد مسلم في العالم، حيث تتبع أغلبية السكان إسلاما معتدلا وترفض اللجوء إلى العنف.

وأكد الرئيس الإندونيسي سوسيلو بامبانغ يودويونو، الذي أعيد انتخابه في الآونة الأخيرة رئيسا لولاية جديدة من خمس سنوات، أن عودة الإرهاب لا تهدد استقرار بلاده وتنميتها الاقتصادية وذلك رغم احتمال تأثر السياحة. ومن باب الاحتياط دعت السلطات الفنادق الكبرى والمراكز التجارية إلى رفع مستوى إجراءاتها الأمنية، التي كانت خففتها في السنوات الأخيرة. كما تم تحريك 500 عسكري لدعم قوات الشرطة عند الحاجة.

ورفعت ماليزيا والفيليبين مستوى اليقظة خشية أن تعمل مجموعات متشددة على منوال انتحاريي جاكرتا. وحذرت أستراليا المجاورة لإندونيسيا رعاياها الذين يزور عدد كبير منهم بالي. وأعلنت مقتل اثنين من رعاياها في اعتداء ماريوت وفقدان دبلوماسي. وبين ضحايا الاعتداءين كذلك نيوزيلندي وسنغافوري. وهناك نحو عشرين أجنبيا من بين 55 جريحا.

من جهته قال وزير الخارجية الإندونيسي حسن ويراجودا، في بيان: «المعلومات الأخيرة التي لدينا بشأن هؤلاء الضحايا هي أن ثمانية قتلوا ومن بين هؤلاء القتلى، أربعة أجانب وإندونيسي. ونعتقد أن المفجرين الانتحاريين ضمن الثلاثة الذين لم نتعرف عليهم من القتلى. ويضم الضحايا مواطنين من إندونيسيا والولايات المتحدة وأستراليا وكوريا الجنوبية وهولندا وإيطاليا وبريطانيا وكندا والنرويج واليابان والهند. وهذان التفجيران ضربة قوية للرئيس سوسيلو بامبانج يودويونو، الذي أعيد انتخابه في وقت سابق من الشهر الحالي في فوز ساحق بناء على إعادة السلام والنمو القوي في أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا. وبعد أن هزتها سلسلة هجمات ضد غربيين في النصف الأول من العقد الحالي بات ينسب على نطاق واسع لإندونيسيا النجاح في التصدي للجماعات المتشددة، بما في ذلك إعدام المفجرين المسؤولين عن مقتل 202 شخص في بالي عام 2002. لكن تتردد حاليا أسئلة بشأن سهولة اختراق الإجراءات الأمنية التي يفترض أنها مشددة. إلى ذلك قالت الشرطة أمس، إن المفجرين دخلا ماريوت يوم الأربعاء وقاما بتجميع القنبلتين في غرفتهما. وعثر على قنبلة ثالثة وأبطل مفعولها في حقيبة جهاز كومبيوتر محمول في الطابق الثامن عشر. وأبلغ متحدث باسم الشرطة الصحافيين أن جهاز رصد المعادن أعطى صوتا عندما مرت قنبلة مخبأة داخل كومبيوتر محمول على الماسح الضوئي لكن المفجر قال إنه مجرد كومبيوتر محمول مما جعل الحراس يدعونه يمر. وقال والتر لوهمان من مؤسسة هيريتيدج فاونديشن: «رغم ما ينسب للإندونيسيين من فضل مستحق على كل ما فعلوه لمنع وقوع هجمات طيلة أربع سنوات فعليهم أيضا أن يبحثوا بعناية عن الخطأ في الإجراءات الأمنية ويسعون إلى فهم أفضل للشبكة الداخلية التي تؤيد الإرهاب. وأوضح لوهمان أنه على ثقة في أن بإمكان الإندونيسيين تجاوز المأساة الأخيرة. وأضاف في تعليق إندونيسيا تعني البسالة.. ستجتاز تفجيرات 17 يوليو (تموز) كما اجتازت تفجيرات أخرى.

* خدمة « لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»