القيادة الكردية: لولا القوات الأميركية لاندلعت حرب بيننا وبين بغداد

نيجيرفان بارزاني: تفادينا بشق الأنفس مواجهة مع الجيش العراقي أواخر الشهر الماضي

TT

كشف نيجيرفان بارزاني، رئيس وزراء إقليم كردستان العراق، عن أن الإقليم والحكومة العراقية اقتربا من الحرب أكثر من أي وقت مضى منذ غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. وتحدث بلهجة متشائمة عن التوتر الذي تصاعد بين الجانبين إلى حد اعتبره المسؤولون الأميركيون أخطر تهديد يواجهه العراق.

وفي مقابلتين منفصلتين تناول نيجيرفان بارزاني ومسعود بارزاني، رئيس الإقليم، الجمود في جهود حل النزاع مع حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وكشفا عن أنه لولا وجود القوات الأميركية في شمالي العراق لكان القتال قد اندلع في أكثر المناطق سخونة.

ويعد الصراع بين الجانبين أحد الصراعات الكثيرة التي لا تزال تهدد العراق إلى جانب النزاعات الطائفية التي تفاقم من خطورتها جماعات التمرد التي تبدو عازمة على إعادة إشعال فتيل التوتر بين السنة والشيعة. كما تدور منافسة في بغداد لتشكيل التحالف السياسي الذي سيحكم البلاد بعد انتخابات العام المقبل. وقد حذر المسؤولون الأميركيون على مدار أشهر من أن العنف الإثني بين الأكراد والعرب أو تحديدا بين حكومة إقليم كردستان وحكومة المالكي الفيدرالية في بغداد يشكل التهديد الأكبر لاستقرار العراق وإمكانية استمراره لسنوات.

وتؤكد الواقعة التي جرت أحداثها في 28 يونيو (حزيران) تلك المخاوف. فقد اندلعت مواجهات بين السكان الأكراد وقوات البيشمركة الكردية من جهة مع وحدة تابعة للجيش العراقي يقودها عرب لدى اقترابها من مدينة مخمور التي تقطنها أغلبية كردية والتي تقع بين مدينتي كركوك والموصل المضطربتين، حيث قال الأكراد إن الوحدة كانت تحاول دخول المدينة. وأشار رئيس وزراء إقليم كردستان إلى أن المفاوضات دامت في بغداد بين المسؤولين الأميركيين والحكومة العراقية والقادة الأكراد على مدار 24 ساعة إلى أن تراجعت وحدة الجيش العراقي عن دخول المدينة. واستعاد رجال البيشمركة، الذين يتبعون سلطة الجيش العراقي بصورة اسمية لكن ولاءهم هو لحكومة إقليم كردستان، السيطرة على المدينة.

وقال نيجيرفان بارزاني: «أرسلوا قوات ضخمة لتتمركز هناك للسيطرة على المناطق المتنازع عليها وكانت رسالتنا واضحة: لن نسمح لكم بالقيام بذلك».

من جهته، قال مسعود بارزاني في مقابلة منفصلة: «تعليماتنا واضحة. وهي أنه لا يحق للجيش العراقي أو الميليشيات الكردية الدخول إلى هذه المناطق من جانب واحد». وأكد المسؤولون العسكريون الأميركيون الحادث، لكنهم قدموا روايتين مختلفتين، ولدى سؤالهم عما إذا كان الحادث مواجهة بين الجيش الكردي العراقي والجيش العربي العراقي أجاب الميجور جيمس راولينسون، المتحدث باسم الجيش الأميركي في كركوك: «هذا هو تحديدا ما حدث».

وألقى المتحدث باسم الجيش العراقي باللائمة على سوء التفاهم. وأشار إلى إن تحرك الجيش لم يكن أكثر من تغيير في القوات، وأنه لدى مشاهدة السكان والآخرين وصول وحدة الجيش العراقي خشوا من أن تكون الحكومة في بغداد قد أرسلت تعزيزات وقال: «حولوها إلى قضية ضخمة فيما كانت عملية بسيطة».

ويتداخل الصراع المتفجر بين الحكومة المركزية والإقليم الكردي مع أكثر النزاعات التي لا تزال تهدد استقرار البلاد كالنقاش حول قانون النفط لتقاسم عائداته، وإدارة الاحتياطات النفطية الهائلة التي تقع بعضها في مناطق تزعم الحكومة الكردية تبعيتها لها، وكذلك المحادثات لترسيم الحدود بين الإقليم الكردي والمناطق العربية وجهود حل مصير كركوك، المدينة الغنية بالنفط التي يتقاسمها الأكراد والعرب والتركمان.

وما يعقد الموقف هو العداء بين اللاعبين الرئيسين؛ مسعود بارزاني والمالكي الذي تنامى نفوذه بصورة كبيرة عبر استعادة مظاهر الهدوء ونجاح حزبه «الدعوة» في الانتخابات المحلية في يناير (كانون الثاني). بيد أنه على الرغم من زيارة وفدين من حزب المالكي لأربيل، عاصمة إقليم كردستان، منذ الربيع فإن الرجلين لم يتحدثا حتى الآن.

وقال نيجيرفان بارزاني، ابن أخ رئيس الإقليم «كل شيء جامد». وحذر من أن هذا الجمود غير مبرر، وأضاف أنه: «ما لم تحل المشكلات ونجلس سويا لتسوية الخلافات فستطل مخاطر المواجهة العسكرية برأسها».

ويلقي كلا الطرفين باللائمة على الآخر في الاستفزازات، التي غالبا ما تكون مصحوبة بتبريرات. فيرى الأكراد في تصرفات المالكي عودة لما يعتقدون أنه تعالٍ من قبل بغداد، فيما يتهم حلفاء المالكي القادة الأكراد بالمبالغة في طموحاتهم بشأن المناطق والعناد في المحادثات.

وقال عز الدين الدوله، النائب العربي السني في البرلمان العراقي عن الموصل، أكثر المدن العراقية تململا: «إذا ما استمرت الأحوال بالصورة التي هي عليها بين الطرفين من دون حل أو اللجوء إلى الدستور، فإن كل شيء ممكن، لسوء الحظ».

وتعد مواجهات الشهر الماضي الثالثة على الأقل التي تدخل فيها قوات البيشمركة ضد القوات العراقية لتهيمن على أراض كانت خاضعة لسلطة بغداد حتى الاحتلال الأميركي. لكن بعد سقوط حكومة صدام وبموافقة أميركية أرسل القادة الأكراد البيشمركة إلى ما وراء حدود الإقليم. وأرسلوا إلى المناطق التي تسيطر عليها أغلبية كردية فرقا إدارية وعسكريين، ونتيجة لذلك قام المالكي العام الماضي بإرسال الجيش العراقي لمواجهة البيشمركة في مدينة خانقين الحدودية التي تقطنها غالبية كردية ونشر الآلاف من القوات في كركوك. وخشية تصاعد الموقف عززت القوات الأميركية من وجودها في كركوك. وقال رئيس وزراء إقليم كردستان إن الجانبين تفاديا إراقة الدماء في مخمور بشق الأنفس.

وقال إن الجيش العراقي توجه إلى مخمور بهدف البقاء في المدينة وقد اعترض 2.000 من البيشمركة القوات في مواجهة استمرت طوال الليل. واستمر سيل من المكالمات الهاتفية حتى الصباح التالي، وأضاف أنه ظل مستيقظا حتى الساعة الرابعة صباحا حتى انتهت النقاشات وتساءل: «ماذا يمكن استنتاجه من ذلك عن جدية الموقف؟».

وعرض المسؤولون الأميركيون روايتين لما حدث، فقال راولينسون المتحدث باسم القوات الأميركية في كركوك إن الفصيلة العراقية التابعة للفرقة السابعة كانت متوجهة للتمركز في مخمور ولكنها أوقفت في مدينة ديبكه القريبة من مخمور من قبل جنود الفرقة الثانية المؤلفة من وحدات البيشمركة، وأُعلم الجيش الأميركي بالموقف في الساعة الثانية والنصف صباحا. وكانت الأجواء مشحونة».

أما ديريك تشنغ، المتحدث باسم القوات الأميركية في تكريت فقال إن «الفرقة السابعة العراقية كانت متوجهة إلى محافظة نينوى استعداد لعملية قادمة» وقال: «غذت هذه الخطوة المخاوف والشائعات، وشاركت 30 مركبة و100 فرد في سد الطريق، وتم إجراء اتصالات، وتوقف الجيش العراقي على الطريق، ثم اتخذوا مسارا آخر عبر المرور بمخمور بصورة تامة لتجنب أي صدامات يمكن أن تنشأ». وعاد راولينسون فيما بعد ليدعم رواية تشنغ.

وينظر رئيس الوزراء الكردي إلى الحادث على أنه استفزازي أكثر منه سوء تفاهم، وأصر على أن قادة الجيش العراقي لا يزالون يتصرفون بعقلية عسكرية في أن يكونوا الأخ الأكبر لفرض إرادتهم. وحذر من أن الجيش العراقي ينتظر ليصبح أقوى ربما مع دبابات من الولايات المتحدة. وقال: «إذا ما الذي تنتظرونه منا؟ وقد انتظرنا لكي نرى ذلك يحدث». وعندما سئل عما إذا كانت البيشمركة تملك دبابات أيضا أجاب: «نعم، نعم إنهم يملكون دبابات أيضا».

* خدمة: «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»