الأصوليون يتسللون بسهولة من الصومال إلى كينيا

يعدون الشباب بالجنة في معسكرات اللاجئين.. وحراس السفارات الغربية متيقظون خوفا منهم

TT

يبدو الطريق المترب الحدودي الضيق هو الشيء الوحيد الذي يفصل كينيا، وهي إحدى أقرب الدول الحليفة للغرب في أفريقيا، عن حركة «شباب المجاهدين»، وهي حركة إسلامية مسلحة استطاعت بسط نفوذها على مساحات واسعة في جنوبي الصومال، وهي تقطع رؤوس المخالفين وترجم الزناة وتهدد بقتل الأميركيين أو الأوروبيين الذين يقفون في طريقها. وفي معظم الأماكن، لا توجد علامات على هذا الشريط الدولي الرسمي الحدودي، فضلا عن أن تتوافر فيه الحماية. وفي قرية هولوغو، يرتفع علم ممزق لكينيا، وتوجد مدرسة مبنية بالطوب المجوف وبها نوافذ مغطاة بالأسلاك. كما توجد عدة أشجار وروث الحمير. ثم بعد ذلك توجد دولة الشباب.

وينظر إلى كينيا على نطاق واسع كجبهة أمامية ضد التطرف الأصولي المتنامي في القرن الأفريقي. ويتوقع القليل أن تقوم حركة الشباب بتنفيذ تهديداتها بالانتقال عبر الحدود. لكن الخوف المتنامي، الذي يجعل الحراس متيقظين لحراسة السفارات الغربية في الليل، هو أن «حركة شباب المجاهدين» أو حلفائها من المجاهدين الأجانب سوف يتسللون إلى كينيا ويهاجمون بعضا من عشرات آلاف الغربيين الذين يعيشون في هذا البلد، وربما يكون ذلك في شكل ضربات كبيرة مثلما فعلت «القاعدة» في عام 1998. وفي الشهر الماضي، أرسل خبراء مكافحة الإرهاب الغربيين في كينيا رسائل نصية تحذر المغتربين من الذهاب إلى الأسواق في نيروبي عاصمة كينيا، لوجود احتمال بشن هجمات انتحارية من قبل حركة الشباب. وبعد ذلك بعدة أسابيع، هددت الجماعة بتدمير «المباني الزجاجية الكبيرة» في نيروبي. وقد اخترقت حركة الشباب بالفعل معسكرات اللاجئين داخل كينيا، حسبما أفاد كبار السن في المعسكر، حيث يعدون كثيرا من الشباب بالجنة ويعطون كلا منهم 300 دولار. وقد قامت حركة الشباب بشن كثير من الهجمات الحدودية وخطفت رجل دين كان يتحدث عنهم في شهر مايو (أيار) من أحد معسكرات اللاجئين على بعد 50 ميلا داخل كينيا. وفي يوم الأربعاء الماضي، وفي أحد أكثر تحركاتها عبر الحدود شجاعة، قامت مجموعة ترتدي الزي العسكري ومسلحة بأسلحة ثقيلة بالدخول إلى مدرسة كينية في مدينة بعيدة وحاصروا جميع الأطفال في المدرسة وطلبوا منهم ترك المدرسة والالتحاق بالجهاد. ويقول أحد مدرسي هذه المدرسة: «إذا كان هؤلاء الرجال يستطيعون المجيء بمدافعهم وزيهم العسكري في وضح النهار، فلا شك أنهم موجودون بيننا». وبعد ذلك وفي يوم السبت تكرر الأمر مرة أخرى؛ حيث جاء رجال مسلحون صوماليون يعتقد على نطاق واسع بأنهم ينتمون إلى حركة الشباب، إلى مكاتب مؤسسات الإغاثة وخطفوا ثلاثة عمال إغاثة من إحدى المدن الكينية الحدودية قبل الاختفاء مرة أخرى داخل الصومال. ويعمل المستشارون الأميركيون والبريطانيون عن كثب مع فرق مكافحة الإرهاب الكينية، لكن المنطقة التي تقع على الحدود الصومالية تعرف بأنها تمثل فجوة كبيرة. ويقول أحد الدبلوماسيين الغربيين الذي رفض الإفصاح عن هويته حسب ما يقتضيه البروتوكول الدبلوماسي إن «الكينيين لا يمتلكون الإمكانات اللازمة لإغلاق الحدود، حتى إذا رغبوا في ذلك. والناس يشعرون بقلق بالغ. ولكن في الإطار نفسه، فإننا لا نستطيع الدفاع عن الحدود الكينية من أجلهم».

وعندما طلب إليه تقدير مستوى الأمن على الحدود الصومالية، قال الدبلوماسي بصراحة «ليس هناك أمن». وهناك حرب مستعرة في دولة مجاورة بين الحكومة الصومالية الانتقالية الضعيفة وحركة الشباب وهي حرب أصبحت سريعا حربا بالوكالة بين الأسلحة الغربية والمال الذي يحافظ على حياة الحكومة الانتقالية من ناحية، والجهاديين العرب والباكستانيين الذين تربطهم صلات بـ«القاعدة» ويحاربون مع حركة الشباب، من ناحية أخرى. وفي وقت لاحق من الشهر الماضي، اعترف مسؤولون أميركيون بأنهم قاموا بشحن 40 طنا من الأسلحة إلى الحكومة الانتقالية في الصومال، وهو التصريح الذي كان له أثر على زيادة عداء حركة الشباب للأميركيين. وتنتقل أعداد كبيرة من قوات الأمن الكينية الآن إلى الحدود ويقومون بحراسة الطرق التي تمتاز بالإنارة الضعيفة ويحملون بنادقهم فوق أكتافهم. ولكن يمكن التسلل من خلال الحدود التي تمتد على مسافة 400 ميل، وينتقل البدو الذين يتحدثون الصومالية عبر الجانبين وهم يرتدون أغطية رأس شفافة ويركبون عربات خشبية متهالكة تجرها الحيوانات. وخلال هذا الشهر، جاءت كينيا في ذيل قائمة الدول الأكثر فسادا في شرق أفريقيا حسب ما أفادت الوكالة الدولية للشفافية. وأكثر المؤسسات العامة فسادا هي مؤسسة الشرطة الكينية. وعلى الرغم من إغلاق الحدود بصفة رسمية، فإن حسن محمد وهو لاجئ كان يعمل في بناء المنازل في الصومال لكنه نزح إلى كينيا بسبب الحرب، شرح كيف أن آلاف اللاجئين من الصوماليين يجدون طريقهم إلى داخل الصومال كل شهر. وأضاف قائلا وهو يفرك أصبعيه السبابة والإبهام علامة على الرشوة «الأمر سهل. إذا دفعت نقودا، يمكنك الدخول». وتمتلئ الأرفف الخشبية المتهالكة في أسواق المدينة الحدودية بالبضائع المهربة مثل أجولة السكر الباكستانية، وكذلك العلامات الأجنبية من المشروبات الغازية والصابون والسجائر التي تحمل العلامات الصومالية ـ وهي بضائع مستوردة بصورة غير قانونية من الصومال، مرت على كثير من نقاط التفتيش على الجانب الكيني. ويقول عبدي دمبيل آلان وهو رجل مسن يعيش في آلين جوغول، وهي مدينة تقع بالقرب من الحدود الصومالية، إنه يشاهد كل ليلة تقريبا رجال التجارة أنفسهم يدفعون رشوة إلى الشرطة الكينية للسماح بتهريب البضائع، بل والبنادق أيضا. ويقول عبدي مشيرا إلى شرطة الحدود: «هؤلاء الرجال فاسدون تماما. فإذا جاء 100 من حركة الشباب بشاحنة محملة بالأسلحة وقالوا إنهم يأتون إلى كينيا من أجل قتل الرئيس، فإن الشرطة سوف تسمح لهم ـ مقابل السعر المناسب». ويقول إريك كيبكورير وهو مسؤول المقاطعة في آلين جوغول إن قوات الشرطة الكينية تقوم بعمل جيد وتمتاز بالأمانة. ويضيف قائلا: «لا نستطيع أن نقول إنه لا يتم تهريب شيء، فكما ترى فإن حماية الحدود أمر مكلف للغاية. ولكن بالنسبة للرشوة فإن ذلك لم يحدث على الإطلاق».

ومنذ أن قامت «القاعدة» بتفجير السفارة الأميركية لدى كينيا وتنزانيا عام 1998 وقتلت أكثر من 200 شخص وجرحت الآلاف، أصبح مسؤولو مكافحة الإرهاب الأميركيون يراقبون شرق أفريقيا بقلق بالغ. ولكن في المناطق الحدودية بين الصومال وكينيا، يبدو انتشار العداء لكل ما هو أميركي، على الرغم من إنفاق الحكومة الأميركية ملايين الدولارات في حملة كسب العقول والقلوب.

ومثال على ذلك، وجود بئر ماء قام الأميركيون ببنائها في قرية راية، لكن لا أحد يستخدمها على الرغم من أن هذه القرية في غاية الفقر والجفاف. ويقول إبراهيم آلين وهو أحد سكان القرية ويعتقد أن المهندسين الأميركيين الذي قاموا ببناء البئر قد سمموها ليصيبوه بالعقم: «لقد أراد الأميركيون القضاء علينا». وقد كانت المناطق التي يتحدث أهلها الصومالية في كينيا دائما مثار اضطرابات، وكانت كينيا ترد دائما بعنف شديد. وقد أرادت هذه المناطق الانفصال والالتحاق بالصومال في الستينات، مما أدى إلى اندلاع حرب عصابات. وفي عام 1984، اعتقلت قوات الأمن الكينية وقتلت الآلاف من الصوماليين على أحد ممرات الطائرات، حسبما أفادت جماعة كينية لحقوق الإنسان. وفي الأسابيع القليلة الماضية، اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» قوات الأمن الكينية باغتصاب النساء وخصي الرجال أثناء أعمال الشغب التي وقعت في شمال شرقي كينيا خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول). ويقول الدبلوماسي الغربي: «إننا نحاول إيجاد طريقة لكي يكونوا أكثر مساعدة بدلا من أن يكونوا سببا في الاضطرابات، عندما يتم إعادة توطينهم».

* خدمة «نيويورك تايمز»