السيغلي ومناصرة يتحديان الآلة العسكرية الإسرائيلية بغزة وينجحان بامتحانات التوجيهي بالمرتبة الأولى

بيتاهما كانا في قلب مسرح العمليات خلال الحرب على القطاع

TT

لا ينفك محمود السيغلي، 17 عاما، عن استقبال المئات من الجيران والأقارب والزملاء وممثلي التنظيمات السياسية الذين يؤمون بيت عائلته في حي الشجاعية شرق مدينة غزة لتهنئته بحصوله على الترتيب الأول ضمن نتائج شهادة التوجيهية العامة في القسم العلمي، التي أعلنت أول من أمس. وإن كان من الطبيعي أن يحظى بالاهتمام الطلاب الذي يحققون إنجازات على النحو الذي حققه محمود الذي حصل على 99.6% خارج حدود قطاع غزة، فإن الاهتمام بالسيغلي يجب أن يكون أكبر، لأن ظروف الحرب القاسية جدا التي مر بها، تجعل الإنجاز الذي حققه هذا الفتى غير عادي ويكاد يقترب من المستحيل بكل المقاييس.

فمحمود يقطن في الطرف الشرقي من حي الشجاعية، وهي المنطقة التي كانت إحدى مسارح العمليات الرئيسية للجيش الإسرائيلي خلال حربها الأخيرة على قطاع غزة. ويروى السيغلي لـ«الشرق الأوسط» أنه على الرغم من القصف الكثيف المدوي الذي كان يتعرض له الحي الذي يقطنه، فإنه أصر على متابعة دروسه. وقال: «إنها ردة فعل فلسطينية أصيلة على جرائم الجيش الإسرائيلي.. هم أرادوا تحويل حياتنا إلى أمر غير طبيعي وأنا صممت بكل ما أوتيت من قوة أن أواصل متابعة الدروس أولا بأول على الرغم من تعطل العملية التعليمية خلال الحرب». ويؤكد السيغلي أنه كان يضطر لترك الدراسة بسبب القصف الشديد، في أكثر من مرة بسبب تساقط القذائف بشكل مباشر على منازل جيرانه. ويستطرد قائلا بحسرة كبيرة إنه فقد خلال الحرب خمسة عشر من زملائه وأصدقائه الذين لاقوا حتفهم خلال عمليات القصف العشوائي التي كان يتعرض له الحي. ويقول محمود الذي يحفظ القرآن عن ظهر قلب منذ أربعة أعوام، إن قلبه ينقبض كلما دخل مسجد الحي، حيث يتذكر زملاءه الذين كان يلتقيهم بالمسجد ولم يعودوا بين الأحياء حاليا. وعن مخططاته المستقبلية، فلا يكاد محمود يشذ عن بقية المتفوقين، حيث يرغب في دراسة الطب والجراحة «لخدمة شعبي». وتقول أماني المناصرة التي شاركت محمود في الحصول على المرتبة الأولى في الفرع العلمي وتقطن شرق مدينة غزة، إنها لم تكد تصدق أنها حصلت على هذه الدرجة. وتكاد تكون ظروف المناصرة خلال الحرب الأخيرة أكثر مأساوية من ظروف السيغلي، حيث اضطرت هذه الفتاة وعائلتها خلال فترة الحرب لترك البيت الذي يقع في قلب منطقة التماس، ولم يكن يفصل بين حيها والخط الذي يفصل إسرائيل عن القطاع حيث كانت تتمركز القوات الإسرائيلية خلال الحرب، إلا بعض الحقول الزراعية. وتدين أماني بشكل كبير لوالديها الذين وقفا إلى جانبها بكل قوة حرصا على توفير كل الظروف من أجل تمكينها من مطالعة دروسها، مشيرة إلى أنها عانت من حالة نفسية صعبة خلال وبعيد الحرب. مثل السيغلي، وبنبرة لا تخلو من التحدي تقول أماني إن تصميمها على التفوق يشكل ردا على المذابح التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة. وتؤكد أنها بصدد التوجه لدراسة الطب والجراحة. لقد خرج قطاع غزة عن طوره أول من أمس، وحبست مدن ومخيمات اللاجئين أنفاسها قبيل الإعلان عن نتائج امتحانات التوجيهي، وما أن أعلنت حتى دوى أزيز الرصاص.

فعلى الرغم من التحذيرات الصادرة عن وزارة الداخلية في الحكومة المقالة، فإن إطلاق النار في الهواء كان السمة العامة لردة فعل العائلات التي دللت على تفوق أبنائها. واستغل ممثلو الحكومة المقالة والتنظيمات السياسية هذه المناسبة في الاحتكاك بالجمهور عبر زيارة عائلات المتفوقين وتنظيم احتفالات لتكريمهم، وكان الاحتفال المركزي هو الذي أقامه أمس رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية للطلبة المتفوقين.