واشنطن تنتظر من المالكي العمل على المصالحة.. وتدعم مكانة العراق الإقليمية

العلاقات الاقتصادية والخروج من البند السابع على جدول الأعمال

رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لدى لقائهما في مقر الأمم المتحدة بنيويورك أمس (أ.ب)
TT

تحمل زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى الولايات المتحدة أهمية خاصة وتعتبر نقطة انتقالية في علاقة البلدين منذ حرب عام 2003. فهذه الزيارة الأولى للمالكي إلى واشنطن منذ تولي الرئيس الأميركي باراك أوباما الرئاسة، كما أنها الأولى منذ انسحاب القوات الأميركية من المدن العراقية، وكل من الجانب العراقي والأميركي يريد التركيز على انتقال العلاقات بين البلدين من العلاقة الأمنية إلى علاقة ثنائية طبيعية للعقود المقبلة. إلا أن هناك نقاط توتر بين الطرفين حول قضية المصالحة وتطور العملية السياسية، إذ ترغب الولايات المتحدة في رؤية المزيد من العمل على المصالحة الوطنية من أجل استقرار البلاد. وفي الوقت نفسه، يركز المسؤولون الأميركيون على عزمهم على دعم جهود العراق لأخذ مكانته الطبيعية في محيطه ومع دول الجوار. وشرح مسؤول أميركي رفيع المستوى، تحدث مع مجموعة صحافيين في البيت الأبيض أول من أمس شريطة عدم ذكر اسمه، أن الولايات المتحدة تريد من الحكومة العراقية «وضع شروط لسلام دائم في العراق مبني على الوحدة الوطنية». وشدد المسؤول على أن «الولايات المتحدة لن تملِ الحل على العراق، بل تعرض مساعدتها ودعمها له»، مضيفا أنه يتوقع «محادثات صريحة بين الرئيس أوباما ورئيس الوزراء المالكي». ولفت مسؤول آخر رفيع المستوى شارك في اللقاء مع الصحافيين إلى أن الوحدة الوطنية تشمل «العلاقات بين العرب والأكراد والشيعة والسنة» وليس فقط الفصائل غير المشاركة في العملية السياسية. ومن المرتقب أن تكون التوترات بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان عنصرا أساسيا في المحادثات الجارية في واشنطن. وأكد المسؤول المطلع على الملف العراقي أن السفارة الأميركية في بغداد أخذت تهتم بهذا الملف وتستعد للتوسط فيه. وأشاد المسؤول بجهود المالكي لمصالحة السنة، قائلا: «زيارة المالكي إلى الأنبار كانت مهمة، وهو يتفهم ما هو مطلوب ونريد مساعدته في تنفيذ ذلك». وفي ما يخص حزب البعث، شدد المسؤول على أن «حزب البعث لن يعود إلى العملية السياسية، ولكن هناك جهد لإعادة الأشخاص الذين لا يشكلون خطرا»، مضيفا أن هناك جهودا حقيقية من الحكومة العراقية لإعادة «اللاجئين والذين يعيشون في المهجر وطمأنتهم ليعودوا». من جهتهم، يركز المسؤولون العراقيون على ضرورة التزام الولايات المتحدة بتعهدها بدعم العراق في سعيه للخروج من قرارات مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وبعد أن أكدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التزام بلادها بذلك، وهو ما تنص عليه اتفاقية وضع القوات الأميركية في العراق، يبدو أن هذه المسألة ستكون محل توافق بدلا من خلاف بين الطرفين. إلا أن الجانب العراق يرغب بعمل أسرع من الولايات المتحدة على هذا الملف، بينما يركز المسؤولون الأميركيون على أن الملف معقد، خاصة لأنه يشمل حماية الأموال العراقية. وتعمل واشنطن مع بغداد للتوصل إلى صيغة تحمي الأموال العراقية من المطالبات القانونية في حال خروج العراق من الفصل السابع. وترغب بغداد في دعم اقتصادي أكبر من الولايات المتحدة، خاصة في ما يخص وجود الشركات الأميركية في العراق. وسيحضر المالكي خلال زيارته إلى واشنطن، التي يرافقه فيها رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار سامي الاعرجي، اجتماعا حول الاستثمار في العراق ترعاه وزارة التجارة الأميركية، ليشجع الاستثمار الأميركي في العراق. ومن القضايا التي يطرحها المسؤولون العراقيون، ضرورة أن ترفع وزارة الخارجية الأميركية تحذيرها لمواطنيها من السفر إلى العراق. إلا أن مسؤول أميركي أكد أن كثيرا من المستثمرين الأميركيين يترددون في الذهاب إلى العراق لأسباب غير الأسباب الأمنية، بل «القلق من عدم وجود القوانين والأنظمة الضرورية في العراق لحماية حقوقهم، وعلى العراق العمل على ذلك». ويتفق العراق والولايات المتحدة على ضرورة أخذ العراق مكانته الطبيعية في محيطه. وكانت هذه قضية تعمل عليها الإدارة الأميركية السابقة التي دفعت دول جوار العراق للتواصل معه ورعت اجتماعات وزراء دول جوار العراق في كل من إسطنبول والكويت نهاية عام 2007 ومنتصف عام 2008. وبينما لا ترى الإدارة الحالية ضرورة لإعادة مثل تلك الاجتماعات، فإنها أكدت التزامها بدعم العراق في استعادة مكانته في محيطه. وقال المسؤول الأميركي رفيع المستوى إن «العراق بحاجة إلى إعادة اندماجه في المنطقة، وقد عانى العراق من الانفراد والابتعاد من المنطقة، وهذا هو هدف الإرهابيين والعراقيين المتطرفين، ولكن الآن يفهم العراق أنه أيضا بحاجة لأن يكون جزءا من المنطقة». وأضاف أن بلاده تأمل في أن «دول الجوار التي تخشى من الدور الإيراني أن تكون هي أيضا فعالة في العراق»، معبرا عن ارتياح الولايات المتحدة لتسمية مصر سفيرا لها في بغداد. وتعتبر الإدارة الأميركية أن الحرب في أفغانستان والتطورات في باكستان الأولوية بالنسبة لها، وقد كرر أوباما مرات عدة أن حرب أفغانستان هي حرب ضرورية بينما حرب العراق كانت «حربا اختيارية». وعمل أوباما على إبعاد نفسه عن الحرب في العراق وهي مسألة يفهمها المسؤولون العراقيون، حيث قال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري: «الرئيس أوباما فاز الانتخابات على مبدأ معارضته للحرب ونعلم ذلك». وقال المسؤول الأميركي رفيع المستوى إن «هدفنا هو العمل كي نستطيع التركيز على قضايا أخرى، بينما نتعامل مع العراق مثل ما نتعامل مع الدول السيادية الأخرى». وأضاف: «نحن نتعامل مع المشكلات كلما تظهر ونلعب الدور الضروري»، ولكنه أكد على رغبة الولايات المتحدة برؤية اعتماد العراق على نفسه بشكل أكبر. ولكن حذر زيباري ومسؤولون عراقيون آخرون من عدم انتباه الولايات المتحدة بالدرجة الضرورية للعراق، مما قد يتركه يواجه أزمات كبيرة تؤدي إلى تراجع الاستقرار فيه. واعتبر مسؤول أميركي آخر أن هذه المخاوف ليست في محلها، قائلا: «منذ أبريل (نيسان) الماضي، زار كل من الرئيس أوباما ونائب الرئيس (جو بايدن) ووزيرة الخارجية ووزير الدفاع (روبرت غيتس) العراق، فلا أعتبر ذلك عدم انتباه». وخرج المسؤولون الأميركيون والعراقيون بتصريحات مشابهة حول التوتر بين الطرفين في عمل القوات الأميركية في العراق منذ سحبها من المدن في 30 يونيو (حزيران) الماضي. وبينما أقر الطرفان بوجود خلافات حول تطبيق الاتفاقية من حيث صلاحيات القوات الأميركية، أكد الميجور جنرال دانيال بولجر، قائد القوات الأجنبية في بغداد ومسؤول عن 31 ألف جندي أميركي حول العاصمة، أنه يعمل بشكل جيد مع الجانب العراقي، موضحا: «أعمل بكثافة مع الجنرال عبود فنمبر» قائد القوات العراقية في بغداد. وأضاف أنه في بداية الأمر كان هناك «توتر وحيرة أولية»، لكن «الأمر يسير بشكل جيد الآن». وتابع بولجر في لقاء مع صحافيين في وزارة الدفاع الأميركية من خلال دائرة تلفزيونية أن الجنود الأميركيين «يحاولون فهم عملهم بينما يقومون بمهامهم»، في إشارة إلى تفسير بنود الاتفاقية الأمنية بين الطرفين. وأكد المسؤولان الأميركيان الأمر نفسه، معتبرين أن التقارير الإعلامية حول هذه القضية «مبالغ بها».

وستكون العلاقة الشخصية بين المالكي وأوباما وتطورها خلال الأشهر المقبلة عاملا أساسيا في العلاقات بين البلدين. ولفتت صحيفة «واشنطن بوست» في عددها أمس إلى أن أوباما والمالكي تحدثا هاتفيا «مرة أو مرتين» منذ تولي أوباما الرئاسة، بينما كان سلفه جورج بوش يتحدث أسبوعيا مع المالكي. وكان من المرتقب لقاء أوباما مع المالكي على انفراد عصر يوم أمس، بعد إجراء مشاورات موسعة بمشاركة مسؤولين من الطرفين.