آيات الله يشككون في «شرعية» خامنئي.. وتحركات لمساءلته تحت إشراف مجلس الخبراء

إصلاحي مقرب من خاتمي يشبه تحركات الإصلاحيين بالحركة التي أطاحت الشاه * آية الله زنجاني: دعم المرشد لنجاد يسحب منه الشرعية

موسوي وزوجته وسط أنصارهما في طهران (أ.ب)
TT

قال زعيم المعارضة الإصلاحية الإيرانية، مير حسين موسوي، إنه سيكشف قريبا عن «ميثاق جديد» للحركة الإصلاحية «يفعّل أجزاء مهملة من الدستور» الإيراني. وفيما تتجه المعارضة الإصلاحية لإعلان تحركات جديدة تهدف إلى زيادة الضغط على المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، أسقطت صحيفة «افتاب» أي «الشمس» الإصلاحية المقربة من رئيس مجلس الخبراء، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، لقب «المرشد الأعلى» عن خامنئي، واصفة إياه بـ«قائد إيران»، وذلك في نزع لمكانته الدينية وتحديد دوره فقط في الطابع السياسي لرأس الدولة. وحول «الميثاق الجديد» الذي تنوي الحركة الإصلاحية طرحه، قال موسوي إنه يهدف إلى «إحياء مواد مهملة» في الدستور الإيراني، مشددا على ضرورة العمل في إطار القانون. وأوضح موسوي على موقعه على الإنترنت «إذا تحركنا خارج إطار الدستور فسوف نواجه فوضى لا يمكن السيطرة عليها». وذكر موسوي أن التنظيم الإصلاحي الذي يعد له حاليا سوف «يمهد الأرضية لحركة اجتماعية واسعة»، اعتراضا على نتائج الانتخابات الإيرانية. وتابع «السلطة تميل دائما إلى أن تصبح مطلقة، فقط حركة الشعب يمكن أن تضع حدا لهذا الميل نحو السلطة المطلقة»، مشيرا إلى أن حركته ستبدأ أولا «بعدد محدد يضم نافذين من قلب النظام، على أن تتسع بعد ذلك تدريجيا لتشمل فئات الشعب». ولم يوضح موسوي ما إذا كانت الحركة الإصلاحية قد تدعو الإيرانيين إلى حالة عصيان مدني في محاولة للضغط على السلطات، إلا أن أحد آيات الله الكبار، وهو آية الله أسد بيات زنجاني، أيد منذ بداية الأزمة خيار العصيان المدني. ويأتي ذلك فيما حذر الرئيس الإيراني الإصلاحي السابق محمد خاتمي من أنه إذا رفضت السلطات الإيرانية مقترحه بإجراء استفتاء شعبي على الانتخابات، فإن كل القنوات القانونية أمام الشعب للاعتراض على نتائج الانتخابات تكون قد أغلقت. وقال مصدر إصلاحي مطلع لـ«الشرق الأوسط»، إن إعلان موسوي عن «ميثاق جديد» للإصلاحيين لإحياء المواد المهملة في الدستور الإيراني يأتي في إطار الضغوط المتزايدة على المرشد الأعلى لإيران آية الله خامنئي. وأوضح المصدر، الذي لا يستطيع الكشف عن هويته بسبب حساسية الأوضاع في إيران، أن ما تريده الحركة الإصلاحية هو «بدء مساءلة خامنئي على قراراته». وأوضح المصدر «هناك اتفاق بين كبار رجال الدين ومراجع التقليد في قم والمسؤولين في الحركة الإصلاحية، وعلى رأسهم رفسنجاني وموسوي وخاتمي وكروبي ورجال أعمال ومثقفون ومفكرون بارزون، على أهمية دور مجلس الخبراء برئاسة رفسنجاني في الأزمة الحالية. مجلس الخبراء لديه ملاحظات على أداء خامنئي خلال الأزمة الحالية. والأغلب أن الإصلاحيين يريدون إحياء تلك المواد في الدستور التي تنص على أن المرشد يمكن مساءلته وإقالته من قبل مجلس الخبراء إذا أساء التصرف أو انحاز لطرف على حساب الآخر. أو تصرف كزعيم لتيار سياسي معين بدلا من أن يتصرف كزعيم أمة». وأضاف «ما يريد الإصلاحيون التركيز عليه هو أن هذه الأزمة لم تعد متعلقة بأحمدي نجاد أو بإعادة انتخابه، بل بالمرشد الأعلى. أحمدي نجاد ليس إلا رأس المشكلة. الأزمة أبعد منه بكثير، حتى إذا ذهب وظل المرشد بالصلاحيات غير المحدودة التي يتمتع بها فلن تنجو الجمهورية الإيرانية من أزمات أخرى». وكشف المصدر الإيراني عن أن ما بحثه رفسنجاني مع آيات الله في قم ومشهد وسياسيين بارزين في طهران، ممن شاركوا في الثورة الإيرانية، تعلق في جزء كبير منه بـ«دور خامنئي» في الأزمة، موضحا أن كبار آيات الله يريدون «طريقة لمساءلة خامنئي حول الوضع الحالي عبر مجلس الخبراء». وبلغت الانقسامات قمة هرم الدولة حيث ندد خامنئي بالتظاهرات وأعلن دعمه غير المشروط لأحمدي نجاد، مؤكدا شرعية الانتخابات. في المقابل اعتبر رفسنجاني، الذي يرأس هيئتين من أكبر هيئات النظام، هما مجلس الخبراء ومجلس تشخيص مصلحة النظام، أن النظام فقد ثقة الشعب. كما طالبت جمعية رجال الدين المحاربين (روحانيو مبارز) التي يرأسها محمد خاتمي بتنظيم استفتاء للخروج من الأزمة.

ويأتي ذلك فيما دعم اثنان من كبار آيات الله في إيران تظاهرات الشارع الإيراني والحركة الاحتجاجية، متحدين سلطة المرشد الأعلى لإيران، فيما أعطيا الضوء الأخضر لمسؤولين بالحكومة وآيات الله بمقاطعة احتفالات تنصيب أحمدي نجاد. وقال آية الله بيان زنجاني، أحد أكبر آيات الله في إيران، في تشكيك ضمني لشرعية خامنئي «تصديق القائد الأعلى على رئيس خرج من رحم انتخابات مزيفة، لا يضمن له أي شرعية». وتابع في موقعه الإلكتروني «تصديق المرشد الأعلى على الرئيس وقسم الرئيس لليمين الدستورية كانا سيكونان مقبولين لو أن التصويت كان نظيفا». من ناحيته دعا آية الله شيرازي آيات الله الآخرين النافذين إلى دعم تظاهرات الشارع. وفي إطار ضغط الإصلاحيين المتواصل، بدأت شخصيات إصلاحية كانت تميل للعزلة إلى الخروج من عزلتها والاشتراك في حركة الاحتجاج الإصلاحية ومن بين هؤلاء وزير الداخلية في حكومة محمد خاتمي، عبد الله نوري، الذي شبه حال الحركة الإصلاحية في إيران اليوم بحركة المعارضة الإيرانية التي بدأت بشكل محدود ثم أتسعت لتتطيح بشاه إيران عام 1979. وقال نوري خلال زيارة إلى أسر المعتقلين السياسيين في إيران «في السبعينات لم يتصور أحد أن نضالا محدودا سوف يطرد الشاه لخارج إيران» بحسب ما نقل موقع إلكتروني مقرب من الإصلاحيين عنه. وكان مهدي كروبي أحد زعماء الحركة الإصلاحية قد زار أيضا أسر المعتقلين، كما زار أسرة سهراب أعرابي الشاب الإيراني الذي قتل خلال تظاهرات طهران. إلى ذلك، قالت زوجة موسوي، زهرة رهنورد، إن شقيقها البالغ من العمر 62 عاما كان من بين الذين احتجزتهم السلطات الإيرانية في أعقاب الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها التي أجريت الشهر الماضي. وقالت رهنورد لوكالة العمال (إيلنا) الإيرانية للأنباء، المقربة من الإصلاحيين، إن شقيقها شهبور كاظمي احتجز منذ أكثر من شهر، موضحة إنها والشعب الإيراني لن يصدقوا أي «اعترافات بالإكراه» تؤخذ من أخيها.

وأضافت «هؤلاء الذين يلفقون مثل هذه القضايا القانونية يجب أن يعرفوا أنهم باستمرارهم في هذه الأفعال... فإن الأمة سوف تتخلى عنهم، وأن وضع الضغوط على موسوي وعليّ لن يكون له طائل». وقالت رهنورد إن أخاها خبير اتصالات هاتفية، وأنه ليس شخصية سياسية. وكان محافظون مقربون من أحمدي نجاد قد حثوا وزير الاستخبارات وقوات الأمن على إذاعة «اعترافات» كبار الإصلاحيين المعتقلين في السجون الإيرانية على الهواء مباشرة، مشيرين بشكل خاص إلى اعترافات محمد على أبطحي، أحد أهم قيادات الحركة الإصلاحية والمقرب من خاتمي وموسوي، ومصطفى تاج زاده «عقل حملة» موسوي الانتخابية، وبهزاد نبوي الإصلاحي المقرب من رفسنجاني، وهؤلاء كلهم في سجن «ايفين» سيئ السمعة منذ بدأت أزمة الانتخابات الإيرانية. وكانت وسائل إعلام إيرانية محافظة من بينها «كيهان» قد قالت إن أبطحي اعترف خلال التحقيقات معه في السجن بأن الحركة الإصلاحية لها علاقات خارجية وأنها تحركت بناء على تعليمات من الخارج. وهى التقارير التي قال الإصلاحيون إنها مزيفة وأخذت تحت التعذيب أو تمت فبركتها. وعبر محام للدفاع، أول من أمس، عن قلقه بشأن مصطفى تاج زاده وبهزاد نبوي، وقال إنه لا يعرف مكان احتجازهما. وفي إطار الشد والجذب بين الإصلاحيين والمحافظين والدور المتزايد لآيات الله في الأزمة، يرى العديد من المحللين أن سلطة خامنئي تبدو مهددة بشدة بسبب الاعتراضات المعلنة لكثير من رجال الدين البارزين ولا سيما الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني. وقال عباس ميلاني، الأستاذ في جامعة ستانفورد (كاليفورنيا، غرب)، في شهادة له أمام الكونغرس الأميركي، ليل أول من أمس، حول إيران «إن الخلافات والانقسامات بين رجال الدين أصحاب السلطة لا مثيل لها». وأضاف ميلاني في شهادته «نستطيع القول إن أيام خامنئي كزعيم مطلق أقواله لها قوة القانون، قد ولت».

وأكد عباس ميلاني أن «العديد من رجال الدين البارزين لم يتحدوا سلطة خامنئي فحسب، بل شككوا أيضا في قدرته على أداء مهمته كمرشد أعلى» وذلك نقلا عن آيات الله المنشقين؛ حسين علي منتظري وجلال الدين طاهري ويوسف صانعي وجواد امولي. وأضاف «من الممكن أن يبقى خامنئي في السلطة لكنها لن تكون سوى رئاسة لثالوث يضم أيضا أحمدي نجاد وقادة أجهزة الحرس الثوري».

بدورها أشارت سوزان مالوني الباحثة في مؤسسة «بروكينغز إنستيتيوت» أمام الكونغرس إلى «انقسامات حادة ربما لا يمكن رأبها داخل النظام الإيراني». وقالت مالوني إن «مكونا أساسيا للنخبة الإيرانية بدأ يفصل نفسه عن النظام لدعم برنامج المعارضة والحراك الجماهيري الوليد». وأضافت أن هذه الانشقاقات تمثل «أول خطوة في مرحلة جديدة من صراع حتى الموت داخل كواليس السلطة». فيما قال كريم ساجدبور الباحث في معهد «كارنيغي انداومنت فور إنترناشيونال بيس» إن خامنئي فقد كل شرعية له في النظام. وأوضح بدوره أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، إن «خامنئي حرص بعناية طوال 20 عاما على نسج صورة المرشد النبيل الذي يسمو على الخلافات السياسية مما أتاح له أن يلقي على الآخرين مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي والقمع السياسي والاجتماعي». وأضاف أن «هذه الأيام قد ولت». كما اعتبر أن الحرس الثوري هو القلعة الأخيرة التي تحمي سلطة المرشد الأعلى. وقال «من المؤكد أن الانشقاق المتنامي بين أعلى مسؤولي قم الدينيين مثير للقلق بالنسبة لخامنئي لكن حدوث انشقاق وتصدعات في قيادة الحرس الثوري سيكون الضربة القاضية له».

وفي ضوء الانقسامات الشديدة في إيران أصبحت إمكانية التفاوض بينها وبين دول 5 زائد 1 أصعب، خصوصا بسبب استمرار المشاكل اليومية لحكومة أحمدي نجاد، وفي هذا الإطار قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) إن الولايات المتحدة لا تزال مستعدة «للتواصل» مع إيران لكن الاضطرابات السياسية هناك تعني أن طهران ليست في وضع يسمح لها الآن بالرد. وأضافت «مددنا يدينا وأوضحنا أننا سنكون على استعداد لعمل ذلك الآن أيضا رغم إدانتنا المطلقة لما فعلوه في الانتخابات وبعدها، لكنني لا أعتقد أن لديهم أي قدرة على اتخاذ ذلك النوع من القرارات الآن».