قيادي في قبيلة عربية بـ«أبيي»: قرار لاهاي ظلمنا.. ولا نريد نفطا بل الأرض والمراعي

البشير: القرار أعطى بعض الحق * سلفا كير: هناك جوانب غير مقبولة * وزير جنوبي: خروج مناطق البترول من أبيي لا يعني ضمها إلى الشمال

TT

أعلن أحد قيادات قبيلة المسيرية العربية في منطقة أبيي، المتنازع عليها بين شمال وجنوب السودان، رفضه قرار محكمة التحكيم الدولية في لاهاي القاضي بإعادة ترسيم المنطقة، الذي صدر أول من أمس، واعتبره «ظالما» لقبيلته، واصفا المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم بزعامة الرئيس عمر البشير)، بالانتهازية، وأنه كان يلهث وراء النفط في منطقة هجليج، التي ربما تشهد صراعا آخر عند ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، إذ يدعي الجنوبيون أنها تتبع ولاية الوحدة في أعالي النيل بجنوب السودان، وليس إلى الشمال.

وقال حمدان أحمد علي، الذي عرف نفسه بـ«أمير المجاهدين بقبيلة المسيرية» في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، من منطقة أبيي، أن غالبية أفراد قبيلة المسيرية ذات الأصول العربية ترفض قرار محكمة التحكيم الدولية حول أبيي، والتي أعطت آبار النفط إلى قبيلته في الشمال. وأضاف أن «قبيلته لا تهتم بالنفط بقدر اهتمامها بالأرض والماء والمراعي»، للمواشي الضخمة التي يمتلكونها، وتابع «النفط لا يعني لنا شيئا.. ولا يمكن أن يكون بديلا للمراعي والمياه والأراضي التي امتلكها إخواننا في قبيلة دينكا نقوك» بموجب القرار. وتطالب قبيلة المسيرية بأن تكون جميع الأراضي الواقعة شمال «بحر العرب»، هي مناطقهم، بما فيها مدينة أبيي حاضرة المنطقة، ويقولون إن مناطق قبيلة دينكا نقوك، هي جنوب بحر العرب. لكن قرار لاهاي منح كل تلك المنطقة إلى القبيلة الأفريقية. وقال حمدان «لن تشارك قبيلتنا في ترسيم الحدود لأن قيادات المؤتمر الوطني في الخرطوم ظلمت القبيلة مرتين؛ الأولى عندما خاضت معهم الحرب ضد الحركة الشعبية، والثانية بعد أن نال المؤتمر الوطني آبار النفط»، وهددوا بأنهم سيتجهون جنوبا وينضمون إلى الحركة الشعبية.

وأضاف أن قبيلته تحالفت مع المؤتمر الوطني طوال فترة الحرب الأهلية التي امتدت لأكثر من عشرين عاما ضد الجنوبيين، واتضح أنها أهدرت دماء أبنائها، وتابع «المؤتمر الوطني الآن يتحالف مع البترول ضد مصالحنا».

وقال حمدان إن قبيلة المسيرية تبحث عن ملكية الأرض في أبيي «والآن تم إبعادنا منها وسلمت إلى دينكا نقوك». ورفض أن تحمل قبيلته السلاح مرة أخرى ضد أي مجموعة سواء الحكومة المركزية أو الجنوب، لكنه قال «سنتصرف بحرية ووفق ما نريد، لن نرفع السلاح ضد المؤتمر الوطني أو الحركة الشعبية، ولكن سنعلن انضمامنا إلى الجنوب لأن منافعنا هناك ولينفع النفط حكومة المؤتمر الوطني»، وتابع «لن نموت مرة أخرى دفاعا عن آخرين وسنعيش مع أهلنا الدينكا نقوك الذين نرتبط معهم تاريخيا، وخدع الخرطوم تعلمنا منها الآن أكثر من أي وقت مضى».

يأتي ذلك في وقت أكدت فيه قيادات أخرى في قبيلتي المسيرية ودينكا نقوك، وهما أكبر قبيلتين في منطقة أبيي، ترحيبهما بقرار الترسيم، والتزامهما به، قبل أن يؤكدا على «التعايش السلمي» بينهما. وعلى جهة قبيلة المسيرية، أكد مختار بابو نمر، ناظر قبيلة المسيرية، التزام قبيلته بالقرار بتحفظ، وقال إن المسيرية كانوا يتمنون «ألا تكون هناك حدود» ودعا نظراءه في دينكا نقوك إلى عدم التخلي عن إخاء المسيرية، وقال لهم «إذا كسبتم أرضا فلا تخسروا الأخوة»، وأضاف «إذا أنتم معنا.. فالتراب ليس مهما». وقال الحريكة عز الدين، أحد أبرز أمراء المسيرية، إن «المحكمة قالت رأيها ونحن ملتزمون به»، بينما أكد السلطان مجوك فجواك من دينكا نقوك حرص القبيلة على التعايش، وقال «لن تحدث خلافات مع المسيرية».

وفي بيان مشترك صدر في الخرطوم، جدد المؤتمر الوطني والحركة الشعبية التزامهما بتنفيذ القرار والمحافظة على الأمن والسلام في المنطقة، والعمل على نشر قرار محكمة التحكيم الدولية وسط المجتمعات المعنية، وأعلنا تكوين فريق عمل مشترك يقوم بالالتقاء بالقيادات التقليدية في أبيي وما حولها بصورة راتبة لدعم تنفيذ هذا القرار. في الأثناء، كشف وكيل وزارة الخارجية السودانية، مطرف صديق، أن حكومته سترسل فريقا من المساحين السودانيين والأجانب، يمثلون طرفي نزاع أبيي، في المرحلة القادمة لترسيم الحدود بالمنطقة وفق ما نص عليه قرار هيئة التحكيم الدولية، مع الاستعانة بخبراء دوليين إذا ما اقتضى الأمر، ونبه إلى أن المنطقة ما زالت تتبع لرئاسة الجمهورية إلى حين انتهاء الفترة الانتقالية، بحيث يستفتى أهل المنطقة حول البقاء في ظل الإدارة الحالية أو الانضمام للجنوب. واعتبر صديق أن التغيير الوحيد الذي طرحه قرار التحكيم هو تحويل حدود المنطقة من إدارية مؤقتة إلى دائمة، قبل أن يؤكد أحقية المواطنين من القبيلتين «المسيرية ودينكا نقوك» في التنقل والتملك والإقامة بغض النظر عن وضعية أبيي، سواء كانت تابعة للرئاسة أو للجنوب، حسب ما ينص عليه اتفاق السلام. من جانب آخر، قال وزير شؤون الرئاسة في حكومة الجنوب وعضو وفدها في التحكيم الدولي في لاهاي الدكتور لوكا بيونق أن قرار المحكمة بإخراج مناطق البترول خاصة منطقة هجليج خارج حدود أبيي لا يعنى تبعية المنطقة إلى الشمال، وأضاف أن منطقة هجليج تقع ضمن مناطق النزاع الحدودي بين ولايتي الوحدة وجنوب كردفان. وأكد أن حكومة الجنوب لديها وثائق تثبت تبعية المنطقة إلى ولاية الوحدة. وشارك بيونق الرأي كل من نائب رئيس حكومة الجنوب رئيس وفدها في المحكمة الدولية الدكتور رياك مشار، الذي قال إن اللجنة الفنية لترسيم الحدود بين الشمال والجنوب تجري مناقشات حول مناطق بعينها مثل هجليج التي تقع شرق أبيي وأبعدها قرار التحكيم الدولي أمس من حدود المنطقة، وقال إن «ترسيم الحدود لم يحسم بعد»، مشيرا إلى أنها تقع ضمن ولاية الوحدة في أعالي النيل.

وفي أول تعليق له قال الرئيس عمر البشير بلهجة متشددة ان الاستفتاء حول وضعية ابيي بين البقاء في الشمال او الانضمام للجنوب في العام 2011 سيكون من حق أي سوداني داخل حدود منطقة ابيي. وتأتي تصريحات الرئيس البشير وسط جدل عنيف في الخرطوم حول من هم سكان منطقة ابيي الذين يحق لهم الادلاء باصواتهم في الاستفتاء المقرر عام 2011، وفقا لاتفاق السلام بين الشمال والجنوب حول المنطقة.

واعلن البشير أمام حشد من قيادات قبيلة المسيرية بحضور وفد حزب المؤتمر الوطني الذي شارك في جلسة اعلان القرار في لاهاي، ان ابيي حتى الان تتبع لرئاسة الجمهورية، ومن حق اي سوداني ان يتحرك فيها كما يشاء». وقال «القرار اعطى بعض الحق ولم يقدم الحق كله»، واضاف وهو يوجه الحديث لابناء المسيرية «لكن نحن معكم الى ان يعود الحق كله»، ومضى «سوف اقف معكم حتى لو تطلب الامر ان اتخلى عن موقعي في الرئاسة.. لانني اكثر الناس معرفة بتضحياتكم»، كما تعهد يتعويض المسيرية عما قدموه في الماضي من اجل السودان. وقال «سنعوضكم تنمية شاملة». وقال البشير ان رفض تقرير خبراء ابيي لانه «لم يقم على اسس صحيحة، ولكن قلنا نقبل التحكيم وقبلناه». ودعا الى التعايش السلمي في المنطقة، وقال «نريدها ان تكون للتعايش السلمي بين الطرفين». ومن جهته، وجه النائب الأول للرئيس السوداني رئيس الحركة الشعبية (جنوب) سلفا كير، نداء لكل السودانيين ومواطني منطقة أبيي بصفة خاصة التمسك بالقرار، وتسهيل مهمة تنفيذه كل في موقعه. وجدد كير في مؤتمر صحافي عقده في مدينة «جوبا» عاصمة جنوب السودان، التزام الحركة الشعبية وحكومة جنوب السودان بالعمل وفق القرار تعزيزا للسلام والاستقرار والتنمية في المنطقة. وقال كير «بصفتي رئيسا للحركة الشعبية ورئيسا لحكومة الجنوب، أعلن لأهل أبيي وأهل جنوب السودان ولأهل الشمال وللسودان كافة، قبولنا بقرار محكمة التحكيم الدولية». وأضاف «نأمل من هذا القرار أن يسهم في الاستقرار والتعايش بين أبناء المنطقة». وقال كير «بالطبع هناك بعض الجوانب في قرار المحكمة لن تكون مقبولة بالنسبة لبعض مواطني منطقة أبيي خاصة عند تطبيق القرار بالتفاصيل على الأرض وعلى الرغم من ذلك فإننا قد قلنا كلمتنا».