الانتخابات في كردستان.. من «المجلس التشريعي للحكم الذاتي» في عهد صدام إلى برلمان 2005

أول اقتراع في 1992 أسفر عن فوز ساحق لبارزاني وطالباني.. دون إعلان «قائد»

كردي يبحث عن اسمه في قوائم الناخبين أمام مركز انتخابي بالسليمانية أمس (تصوير: جمال بينجوني)
TT

لم يشهد إقليم كردستان العراق قبل عام 1992، أي نوع من الانتخابات الحقيقية النزيهة، ولم يمارس شعب الإقليم قط حقه في انتخاب ممثليه في البرلمان أو المجالس البلدية، في ظل النظام العراقي السابق. بل كان يجري الاقتراع لصالح أعضاء ما كان يعرف في حينه بـ«المجلس التشريعي لمنطقة الحكم الذاتي بشمال العراق»، والذين كانوا يعينون سلفا من قبل حزب البعث الحاكم، استنادا لمدى ولائهم للنظام. لكن التحول السياسي الجوهري الذي حصل في إقليم كردستان خلال مارس (آذار) عام 1991 إثر انتفاضة شعبية قادتها «الجبهة الكردستانية»، التي انضوى تحت لوائها غالبية القوى والأحزاب الكردية العلمانية المعارضة وقتذاك، وكذلك قرار دولي أعلن الإقليم كمنطقة آمنة لتقويض سلطة بغداد، أسفرا عن إزالة سلطات وأجهزة النظام السابق عن مساحة شاسعة من الإقليم، الأمر الذي جعل من الانتخابات ضرورة حتمية، في إطار عملية تحول الأحزاب الكردية المسلحة من قوى ثورية تخوض الكفاح المسلح في الجبال إلى أحزاب تقود نظاما إداريا وسياسيا مسؤولا عن شؤون نحو خمسة ملايين نسمة.

وبات مشروع الانتخابات عنصرا أساسيا في عملية رسم ملامح الكيان السياسي الكردي الفتي في محافظات الإقليم الثلاث، أربيل والسليمانية ودهوك، ناهيك عن أهميتها في توزيع المسؤوليات وتقاسم السلطات بين الأحزاب والفصائل الكردية، التي كانت جميعها ترى أنها الأحق والأجدر في إدارة شؤون الإقليم، وأن برنامجها هو الأمثل والأنسب لإصلاح ما أفسده النظام السابق في المنطقة. وبناء على ذلك قررت الجبهة الكردستانية، التي كانت حينها بمثابة القيادة السياسية الأعلى بالنسبة لمجمل الحركة الكردية، إجراء انتخابات نيابية كخطوة أولى في ذلك الاتجاه، وقد شكلت الجبهة لجنة عليا لصياغة مشروع الانتخابات، خلال الفترة من 22 ديسمبر (كانون الأول) 1991 ولغاية 28 يناير (كانون الثاني) 1992، الذي صادقت عليه الجبهة بتاريخ 28 أبريل (نيسان) 1992 وأسمته مشروع القرار رقم 1 لسنة 1992. وتم بموجب هذا القرار إجراء الانتخابات النيابية بتاريخ 19 مايو (آيار) 1992 بمشاركة نحو مليون ناخب، وبحضور العشرات من المراقبين الأجانب وممثلي الكثير من المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، والكثير من أعضاء البرلمانات الأوروبية، والعشرات من الصحافيين من مختلف دول العالم. وكان مشروع القرار يشترط حصول كل واحدة من القوائم السبع التي خاضت الانتخابات على نسبة 7 في المائة من أصوات الناخبين، لنيل مقعد واحد فقط من مقاعد البرلمان البالغة حينها 105 مقاعد.

ورغم الملاحظات والمآخذ الكثيرة بخصوص أجواء ونزاهة وآلية إجراء الانتخابات على الصعيد المحلي، فإنها اعتبرت أنجح عملية انتخابية في تاريخ الإقليم كله، قياسا بالظروف والمناخ السياسي السائدين والإمكانات المادية واللوجيستية التي كانت متوفرة وقتذاك. وتصدرت قائمة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، لائحة القوائم الفائزة بنسبة 45.5 في المائة، تلتها قائمة الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني، بنسبة 43.61 في المائة، ثم قائمة القوى الإسلامية بنسبة 5.5 في المائة، فالقائمة الموحدة التي ضمت الحزب الاشتراكي وحزب استقلال كردستان بنسبة 2.56 في المائة، ثم قائمة الاتحاد الديمقراطي الكردستاني والحزب الشيوعي والمستقلين بنسبة 2.17 في المائة، تلتها قائمة حزب الشعب الديمقراطي الكردستاني بزعامة السياسي الراحل سامي عبد الرحمن، بنسبة 1.02 في المائة، وأخيرا قائمة الديمقراطيين المستقلين بنسبة 05. في المائة.

وطبقا لنتائج الانتخابات فإن الحزبين الرئيسيين الديمقراطي والاتحاد تقاسما مائة من مقاعد البرلمان مناصفة، وخصصا المقاعد الخمسة الأخرى للقوى المسيحية في الإقليم. كما تقرر إلغاء نتائج التصويت الذي جرى بالتزامن مع الانتخابات النيابية لانتخاب قائد للإقليم، الذي خاض المنافسة فيها كل من جلال طالباني، ومسعود بارزاني، ورجل الدين الراحل الملا عثمان عبد العزيز، المرشد الأسبق للحركة الإسلامية في كردستان، والدكتور محمود عثمان، الذي كان عضوا في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الكردستاني في حينه. وجاء قرار الإلغاء لتفادي الخلافات السياسية وقطع الطريق أمام خصوم الكرد لاستغلال الأوضاع والأجواء السياسية الحساسة والدقيقة التي مر بها الإقليم في تلك المرحلة. فقد كان الإقليم آنذاك يفتقر إلى دستور شرعي يحدد سمات وصلاحيات الرئيس أو القائد، كما أن أيا من المرشحين الأربعة لم يحصل على نسبة 50 في المائة +1 التي وضعها قرار الانتخابات كشرط للفوز بالمنصب، فبقي الإقليم دون رئاسة. وبناء على ذلك تم إرجاء الانتخابات الرئاسية لأجل غير مسمى، حتى يتوفر المناخ والمقومات والمتطلبات المناسبة لها. وفي ضوء نتائج تلك الانتخابات صار البرلمان من حصة الحزب الديمقراطي وتولى رئاسته جوهر نامق سالم، عضو المكتب السياسي للحزب، فيما تولى الدكتور فؤاد معصوم، عضو المكتب السياسي في حزب الاتحاد الوطني رئاسة أول حكومة في إقليم كردستان العراق. لكنه سرعان ما استقال من منصبه بعد فترة قصيرة، ليتولى بعده كوسرت رسول علي، رئاسة الحكومة التي انشطرت بعد أقل من عامين إلى إدارتين في السليمانية وأربيل إثر اندلاع الاقتتال الداخلي بين الحزبين الشريكين في التجربة في الثاني من مارس (آذار) عام 1994. وأسفر القتال عن تعطيل البرلمان الذي بذل عبثا جهودا مضنية لتطويق الأزمة، ومنع توسع رقعة الاقتتال. وأصدر بيانا تاريخيا مؤلفا من 19 بندا دعا فيه إلى وقف الاقتتال وتجريمه وتحريمه، وشكل لجانا ميدانية لمراقبة وقف إطلاق النار، فيما اعتصم 59 نائبا من كلا الحزبين تحت قبة البرلمان ولمدة 101 يوم، إعرابا عن الرفض لحالة الاقتتال الدائر، حتى سمي مبنى البرلمان محليا بمبنى الاعتصام، الذي لم يسلم في نهاية الأمر من نيران الاقتتال. وبعد 4 سنوات من جولات الحرب، أبرم زعيما الحزبين طالباني وبارزاني اتفاق سلام في دبلن برعاية الولايات المتحدة وحضور وزيرة خارجيتها وقتئذ، مادلين أولبرايت، تمخضت عنه إعادة توحيد البرلمان الكردستاني، الذي ظل مشلولا رغم الاتفاق حتى 4 أكتوبر (تشرين الأول) 2002 حيث أثمرت الجهود السياسية والدبلوماسية على الصعيدين المحلي والدولي في عقد أول جلسة برلمانية بحضور جميع النواب في مقر البرلمان بأربيل، تلتها جلسة أخرى في السليمانية بعدها بأسبوع. واقتصرت مهام البرلمان في تلك الفترة على تكريس حالة السلم ودفع العملية السياسية في الإقليم إلى الأمام نحو توحيد الإدارتين، وسميت دورته تلك بالدورة الانتقالية وكان أمدها خمسة أشهر. وتولى الرئاسة فيها الدكتور روز نوري شاويس، القيادي في الحزب الديمقراطي ولمدة ثلاثة أشهر، تلاه الدكتور كمال فؤاد، القيادي في الاتحاد الوطني للشهرين الأخيرين.

وفي 30 يناير (كانون الثاني) 2005 جرت انتخابات الدورة الثانية للبرلمان الكردستاني بالتزامن مع الانتخابات النيابية ومجالس المحافظات في العراق عموما، وبمشاركة 13 قائمة وكيانا سياسيا من مختلف التيارات والاتجاهات، حيث جرت زيادة عدد مقاعد البرلمان إلى 111 مقعدا. وأظهرت النتائج فوز ثلاث قوائم فقط في الانتخابات التي جرت وفق نظام القوائم المغلقة، وهي كل من القائمة الوطنية الديمقراطية التي ضمت الحزبين الرئيسيين، التي حصلت على 104 مقاعد، وقائمة الجماعة الإسلامية التي حصلت على ستة مقاعد، فيما حصلت قائمة الكادحين والمستقلين على مقعد واحد فقط.

وفي ضوء تلك النتائج تولى نيجرفان بارزاني عن الحزب الديمقراطي رئاسة الحكومة في أبريل (نيسان) 2005، فيما تولى عدنان المفتي، عن الاتحاد الوطني، رئاسة البرلمان الذي انتهت دورته القانونية في 13 مايو (آيار) 2009.