بوش فكر في استخدام الجيش في عمليات اعتقال داخل أميركا

مستشاروه أكدوا له تمتعه بصلاحية استخدام القوات العسكرية على أرض الوطن للتخلص من المشبوهين

TT

ناقش مسؤولون كبار في إدارة بوش عام 2002 اختبار الدستور عن طريق استخدام جنود أميركيين في ضواحي مدينة بافلو خلال إلقاء القبض على مجموعة من الرجال مشتبه في تآمرهم مع تنظيم «القاعدة»، حسب ما أفاد به مسؤولون سابقون في الإدارة.

وقال بعض المستشارين للرئيس جورج دبليو بوش، ومن بينهم نائب الرئيس ديك تشيني، إن الرئيس له سلطة استخدام القوات العسكرية على أرض الوطن من أجل التخلص من المشتبه في ضلوعهم بأعمال إرهابية، الذين عرفوا باسم مجموعة «لاكوانا ـ 6»، وتصنيفهم بأنهم مقاتلون أعداء. ولكن، في النهاية رفض بوش مقترح استخدام قوة من الجيش.

وتوجد سابقات قليلة جدا في التاريخ الأميركي لاستخدام القوات المسلحة داخل الشوارع الأميركية للقيام بعمليات اعتقال، حيث يمنع الدستور والقوانين الملحقة استخدام القوات المسلحة في مداهمات على تراب الوطن أو في عمليات التحفظ على مبانٍ.

ويحظر التعديل الرابع عمليات التفتيش «غير العقلانية» وعمليات التحفظ دون سبب محتمل. وبصورة عامة، يحظر قانون «بوس كوميتاتوس» لعام 1878 على القوات العسكرية القيام بمهام تطبيق القانون داخل الولايات المتحدة.

وخلال جلسات النقاش، استشهد تشيني وآخرون بمذكرة في 23 أكتوبر (تشرين الثاني) 2001 من وزارة العدل قالت، مستخدمة تفسيرا فضفاضا لسلطة الرئيس، إن استخدام القوات العسكرية داخل أرض الوطن ضد «القاعدة» سوف يكون قانونيا، لأنها بذلك تعمل من أجل هدف ذي صلة بالأمن القومي وليس تطبيق القانون. وقالت المذكرة: «للرئيس سلطة قانونية ودستورية رحبة تسمح له بتعبئة القوات العسكرية ضد إرهابيين دوليين أو أجانب يعملون داخل الولايات المتحدة».

ووجهت المذكرة، التي كتبها المحاميان جون سي يوو وروبرت ديلاهونتي، إلى ألبرتو غونزاليز، الذي كان يعمل حينئذ محاميا للبيت الأبيض بعد أن سأل الوزارة عن سلطة الرئيس في استخدام القوات العسكرية لمحاربة أنشطة إرهابية داخل الولايات المتحدة. وتم الكشف عن المذكرة في مارس (آذار). ويعد نقاش البيت الأبيض حول مجموعة لاكونا هو الدليل الأول على أن مسؤولين أميركيين كبارا كانوا يدرسون بالفعل استخدام المذكرة لتبرير تعبئة قوات عسكرية في مدن أميركية خلال عمليات إلقاء القبض على أشخاص بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. وتحدّث معظم المسؤولين السابقين الذين أجريت معهم مقابلات لصالح هذا المقال شريطة عدم ذكر أسمائهم، لأن المداولات الخاصة بالموضوع تضمنت معلومات سرية. ووافقوا على الحديث عن النقاشات الداخلية بعد الكشف عن المذكرة في وقت سابق من العام الحالي.

وظهرت معلومات جديدة مؤخرا عن المداولات والانقسامات داخل الإدارة حول بعض السياسات الأكثر إثارة للجدل عقب وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، مثل القرار باستخدام وسائل تحقيق قاسية مع معتقلين تابعين لتنظيم «القاعدة». وقال مسؤولون سابقون في الإدارة إن هذا النقاش لم يكن شديدا مثل نقاشات أخرى تمت خلال الفترة الأولى للرئيس بوش في منصب الرئيس.

بيد أنه، عقد على الأقل اجتماع على مستوى عال لمناقشة القضية، وتحدث فيه العديد من المساعدين البارزين للرئيس بوش ضد مقترح استخدام القوات العسكرية الذي قدمه تشيني ومستشاره القانوني ديفيد أدينغتون وبعض المسؤولين الكبار في وزارة الدفاع.

وكان من بين المعارضين كوندوليزا رايس، التي كانت تشغل حينئذ منصب مستشار الأمن القومي؛ وجون بيلينغر، المحامي البارز بمجلس الأمن القومي؛ وروبرت مولر، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي؛ ومايكل تشرتوف، الذي كان رئيسا للشعبة الجنائية بوزارة العدل. وقال مسؤول بارز سابق في الإدارة: «بصراحة، كان أشبه بسباق الخيول محتدم، وبالنسبة لبعض الناس لم يكن القيام أنشطة استخباراتية وعسكرية داخل الولايات المتحدة أمر يستحق المخاطرة».

وانتهى الأمر بأن طلب بوش من مكتب التحقيقات الفيدرالي القيام بعمليات الاعتقال في لاكونا بالقرب من بافلو، حيث كان المكتب يراقب مجموعة من الأميركيين ذوي أصول يمنية مشتبه في علاقات لهم بـ«القاعدة». وألقي القبض على خمسة هناك في سبتمبر (أيلول) 2002 وألقي القبض على السادس بالتزامن تقريبا في البحرين، واعترفوا بتهم ذات صلة بالإرهاب. ويقول سكوت سليمان، أستاذ القانون في جامعة دوك الأميركية ومتخصص في قانون الأمن القومي، إنه لم يقم رئيس أميركي بتعبئة قوات عسكرية من القوات الأساسية على تراب الوطن للقيام بمهمة خاصة بتطبيق القانون دون سلطة محددة ينص عليها قانون منذ الحرب الأهلية.

ويقول مسؤولون سابقون إنه لم يتم استشارة مسؤولين كبار في الجيش. وقال ريتشارد مايرز، الجنرال المتقاعد الذي كان رئيسا لهيئة الأركان المشتركة، في مقابلة أجريت معه إنه لم يكن على علم بالنقاش.

ويقول مسؤولون سابقون إن النقاش الذي حدث في عام 2002 نجم بصورة جزئية بسبب مخاوف وزارة العدل من أنه قد لا توجد أدلة كافية للقيام بعمليات الاعتقال ومقاضاة المشتبهين في لاكونا بصورة ناجحة. وقال المسؤولون إن تشيني قال إن الإدارة سوف تحتاج إلى مقدار أقل من الأدلة للقول بأنهم مقاتلون أعداء والإبقاء عليهم في سجن عسكري.

وفي وقت سابق من هذا الصيف، صنفت الإدارة خوسيه باديلا على أنه «مقاتل عدو» وأرسلته إلى سجن عسكري بكارولينا الجنوبية. وكان قد ألقي القبض على باديلا على يد هيئات مدنية للاشتباه في التخطيط لهجوم باستخدام قنبلة إشعاعية.

وكان لمن روجوا لاستخدام القوات العسكرية في عملية إلقاء القبض على مجموعة لاكونا مرجعية قانونية وهي المذكرة التي أصدرها يوو وديلاهونتي.

وكتب المحامون، في مكتب الاستشارات القانونية بوزارة العدل، إن الدستور والمحاكم والكونغرس كانوا قد اعترفوا بصلاحية الرئيس «لاتخاذ إجراءات عسكرية داخليا وخارجيا، إذا قرر أن هذه الإجراءات ضرورية للرد على الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وقبل ذلك».

وتضيف المذكرة أن قانون « بوس كوميتاتوس» والتعديل الرابع لم يقيدا الرئيس.

وعلى الرغم من ذلك، عارض مساعدون لبوش احتمالية أن تهبط قوات عسكرية على ضاحية أميركية لإلقاء القبض على مشتبه في ضلوعهم في الإرهاب.

وقال مسؤول سابق آخر في جلسة النقاش: «كيف كان سيبدو الأمر عندما تذهب قوات عسكرية أميركية إلى مدينة أميركية وتطرق الباب على المواطنين؟» ويرى رئيس شرطة لاكونا جيمس ميشيل ذلك، حيث يقول: «لو وجدنا دبابات تجوب في شوارع مدينتنا، لسادت حالة من الاضطراب هنا».

وكانت قضية لاكونا هي الأولى بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) التي اعتقد عملاء لهيئات تطبيق القانون وهيئات استخباراتية أميركية، أنهم فككوا خلية للقاعدة داخل الولايات المتحدة.

وخلال الأشهر التي سبقت عمليات الاعتقال، كان يتم إطلاع الرئيس بوش بصورة منتظمة على القضية عن طريق مولر من مكتب التحقيقات الفيدرالية وجورج تينيت، مدير الاستخبارات المركزية. وكانت وكالة الاستخبارات المركزية تقوم بتعقب الاتصالات الخارجية لمجموعة لاكونا.

وفي مقال نشر في «وول ستريت جورنال» في مارس (آذار)، دافع يوو عن المذكرة التي كتبها في 2001 وقال إنه بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) واجهت إدارة بوش احتمالية حقيقية لأن تقوم خلايا للقاعدة بتنفيذ هجمات داخل التراب الأميركي. وكتب يوو: «طرحت احتمالية هذه الهجمات أسئلة صعبة وجوهرية عن القانون الدستوري، لأنها كانت ربما تتطلب عمليات عسكرية داخلية ضد عدو للمرة الأولى منذ الحرب الأهلية».

**شارك في التقرير إريك سكميت

*خدمة «نيويورك تايمز»