خامنئي يدعو للوحدة.. ونجاد ينصاع.. والمحافظون يحذرونه: طريقتك غير مقبولة

مصادر إصلاحية لـ«الشرق الأوسط» : صبر مراجع تقليد بدأ ينفد.. واتجاه لمعارضة المرشد علانية

متظاهرون أثناء مظاهرة «يوم تضامن عالمي مع إيران» في أمستردام أمس (رويترز)
TT

أذعن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لأوامر المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي وأعطى لصهره اسفنديار رحيم مشائي الضوء الأخضر للاستقالة من منصب النائب الأول للرئيس. وجاء إذعان نجاد لأوامر المرشد بعد مقاومته لمدة 8 أيام إقالة مشائي من المنصب، بالرغم من أوامر خامنئي وانتقادات المحافظين والإصلاحيين لقرار التعيين. وتمثل استقالة مشائي أول نكسة لأحمدي نجاد منذ الانتخابات الإيرانية المثيرة للجدل التي جرت يوم 12 يونيو (حزيران) الماضي. لكن برغم استقالة مشائي أمس، فإن المحافظين فتحوا النار على أحمدي نجاد بسبب الطريقة التي استقال بها صهره. إذ بدلا من أن يعلن نجاد بنفسه إقالة مشائي، قام مستشاره السياسي مجتبى سمره هاشمي بإعلان الاستقالة قائلا في بيان عن مشائي: «انسحب إذعانا لأوامر المرشد الأعلى». ونقلت وكالة «فارس» عن بيان مشائي القول «إذعانا لأوامر المرشد الأعلى لا أعتبر نفسي النائب الأول للرئيس لكنني.. سأخدم شعبنا العزيز بكل ما أستطيع». ورد البرلمان الإيراني، وغالبيته من المحافظين، بشجب تردد أحمدي نجاد في الرد على رسالة خامنئي مباشرة. وقال النائب البارز بارويز سارفاري لوكالة أنباء «مهر» الإيرانية «كان يتعين على أحمدى نجاد نفسه أن يعلن انسحاب نائبه وليس رحيم مشائي». وحذر النائب الذي كان في الماضي مساندا قويا للرئيس «هذا الأمر سوف يكون له آثار سلبية للغاية على عمل نجاد في المستقبل».

فيما قال أحمد توكلي النائب البارز بالبرلمان ورئيس اللجنة الاقتصادية إن «رسالة خامنئي لم تكن موجهة إلى مشائي، ولكنها كانت موجهة إلى نجاد»، موضحا في انتقاد شديد لنجاد «عدم الرد على الرسالة كان أسلوبا سياسيا غير مناسب وغير مقبول». بينما قال علاء الدين بوروجردي رئيس لجنة السياسة الخارجية والأمن في البرلمان لوكالة «مهر» إن رسالة خامنئي أرسلت منذ أسبوع وإنه تساءل عن السبب وراء رفض نجاد الرد عليها بعد استلامها مباشرة.

وقال بوروجردي: «من البداية لم يكن هناك أي خيار آخر سوى الإذعان للأمر الصادر من القيادة». مضيفا «أنه يتعين عليه أن يفعل ذلك على الأقل الآن وفي وقت مبكر لتجنب المزيد من الآثار السلبية في المجتمع».

وذكرت وكالة أنباء «فارس» أن نجاد قبل أمس استقالة مشائي ولكنه دافع عنه بوصفه «خادم مخلص للأمة». وقال نجاد ردا على خطاب استقالة رحيم مشائي «خلال الأسبوع الماضي كنت آمل في أن تتمكن الحكومة من الاستفادة من خدماتك على الرغم من بعض الدعاية السلبية من جانب بعض وسائل الإعلام والمجموعات السياسية». وأضاف نجاد «مع ذلك، فإنني أقبل انسحابكم الآن ولكنني متأكد من أن خدماتك للشعب والثورة الإسلامية سوف تستمر». وذكر التلفزيون الرسمي أن نجاد رد أيضا على رسالة خامنئي، ولكنه لم يقدم أي تفاصيل في هذا الصدد.

وبالرغم من أن لأحمدي نجاد 12 نائبا، فإن منصب النائب الأول هو الأكثر أهمية، إذ إن النائب الأول للرئيس يتولى مهام الرئيس في حالة موته أو إقالته أو استقالته أو الحكم بعدم صلاحيته. كما يترأس النائب الأول للرئيس اجتماعات الحكومة في حالة سفر الرئيس.

وقال خامنئي في رسالة إلى أحمدي نجاد بثها الجمعة التلفزيون الرسمي إن «تعيين اسفنديار رحيم مشائي في منصب نائب الرئيس يتعارض مع مصلحتكم ومصلحة الحكومة وسيثير انقسام وغضب أنصاركم». وأضاف المرشد الأعلى في هذه الرسالة التي لم يحدد تاريخها «يجب إلغاء هذا التعيين».

وقد أثار تعيين مشائي، الذي أعلن في 17 يوليو (تموز)، غضبا عارما في معسكر المحافظين الذين دعم معظمهم بقوة أحمدي نجاد في الأسابيع الصاخبة التي أعقبت إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية في 12 يونيو (حزيران)، وخرج مئات المحافظين في تظاهرات في شوارع إيران منتقدين أحمدي نجاد، داعين إياه إلى إطاعة المرشد الأعلى.

وهذه هي المرة الثانية في غضون خمسة أسابيع التي يعرب فيها خامنئي، الذي أعطى موافقته على إعادة انتخاب نجاد، عن انتقاده علانية للرئيس. وكانت المرة الأولى في صلاة الجمعة في التاسع عشر من الشهر الماضي عندما أنحى باللائمة على نجاد لاتهامه الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رافسنجاني بالفساد بدون أن يقدم أي وثائق تثبت ذلك.

ووسط احتدام الأزمة السياسية في إيران، وجه خامنئي أمس «نداء إلى الوحدة في البلاد»، طالبا من مختلف المجموعات وضع خلافاتها جانبا والعمل معا لدفع البلاد إلى الأمام. وقال خامنئي في خطاب نقله التلفزيون «إن التطورات في الأيام الأخيرة ينبغي أن لا تفسح في المجال أمام الخلافات». وأضاف «ينبغي عليكم جميعا العمل بطريقة أخوية لدفع الأمة إلى الأمام. ينبغي أن لا يوجه أحد اتهامات لا أساس لها. يجب أن نتعامل بشرف مع بعضنا البعض. يجب أن نترك خلافاتنا جانبا». وفيما اعتبرت صحيفة «افتاب أي يزد» الإصلاحية أن الجدل الذي أثير حول تعيين مشائي، هدف إلى تحويل انتباه الرأي العام عن الأزمة الانتخابية، شنت الحركة الإصلاحية أمس هجوما شديدا على قوات الأمن الإيرانية، بعدما بدأ يتضح أن أعداد القتلى أكثر كثيرا مما هو معروف رسميا، وبعد تأكيد نبأ مقتل ابن مستشار المرشح المحافظ الخاسر محسن رضائي في سجن ايفين في طهران بعد احتجازه خلال الاضطرابات التي وقعت بعد الانتخابات. ودعا الإصلاحيون «مراجع التقليد» في قم التدخل للمساعدة في إطلاق سراح المعتقلين من السجون، متهمين الاستخبارات الإيرانية بأنها أصبحت أداة «قمع وترهيب»، مشبهين قوات الأمن بأنها مثل «الصهاينة في طريقة تعاملهم مع الفلسطينيين».

وقال مرشح الرئاسة الإيراني المعتدل الذي هزم في الانتخابات مهدي كروبي على موقعه على الإنترنت، إن أفراد جهاز الاستخبارات الإيراني يتعاملون مع المعتقلين باستخدام أساليب أكثر قسوة من التي يستخدمها الإسرائيليون في فلسطين المحتلة. وقال كروبي في رسالة موجهة إلى وزير الاستخبارات غلام حسين محسني ايجئ إن «سلوك أفراد الأمن الإيراني أسوأ من سلوكيات الصهاينة في فلسطين المحتلة.. هل يمكنك أن تضع معتقلين تحت التعذيب النفسي في مساجد ومدارس وفي أقبية المكاتب الحكومية».

وتابع كروبي في إسقاط لوصف «رئيس إيران» عن أحمدي نجاد: «رئيس الهيئة التنفيذية لم ينتخب بأصوات الشعب. الحكومة الجديدة غير شرعية.. شبكة المخابرات تحولت إلى أكثر الأدوات افتقارا للوضوح وأداة ترهيب لقمع الشعب.. المعتقلون يحتجزون في مراكز اعتقال غير شرعية ويتعرضون لتعذيب نفسي. ومن الناحية الجسمانية يتعرضون لمعاملة قاسية». واتهم كروبي السلطات «بإخفاء العدد الحقيقي للأشخاص الذين قتلوا أثناء الأحداث الأخيرة» وبإساءة معاملة الموقوفين. وقال كروبي الرئيس الأسبق للبرلمان في رسالته التي نشرتها «اعتماد ملي»: «يمكنكم على الأقل تسليم الجثث للأسر». وأضاف «تم قتل شبان إيرانيين في الشوارع أو رميهم في السجون مضرجين بالدماء». وأضاف في إشارة إلى العطلات الدينية والوطنية، حيث يتجمع الناس عادة وينظمون المظاهرات «فكر في طريقة للخروج من الأزمة الحالية، وإلا سيكون من الصعب التعامل مع رمضان والإجازات الوطنية».

وطالب قادة المعارضة الإيرانية آيات الله والمراجع الدينية في إيران بوضع حد «للقمع» الذي تمارسه السلطات منذ التظاهرات. وحث موقع «قلم نيوز» الإصلاحي نقلا عن بيان مشترك لمير حسين موسوي ومهدي كروبي ومحمد خاتمي بالإضافة إلى 67 إصلاحيا آخر، «مراجع التقليد» التسعة في قم التدخل للمساعدة في إطلاق سراح المعتقلين السياسيين في السجون. يذكر أن مراجع التقليد التسعة في قم لديهم سلطة كبيرة على الإيرانيين وغالبية هؤلاء أيدوا الإصلاحيين، وواحد فقط من بينهم أعلن تهنئته لأحمدي نجاد بعد الانتخابات. وتابعوا في بيانهم أمس «الحل الوحيد للخروج من هذا الموقف.. هو إطلاق سراح المحتجزين فورا.. نحن قلقون جدا بشأن سلامتهم الجسدية والنفسية.. حالة أمن الدولة المفروضة هذه يجب أن تنتهي.. من الخطأ الربط بين المحتجزين الموالين للإصلاح والدول الأجنبية». وقالت مصادر إصلاحية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن مراجع تقليد نافذة في قم «بدأ صبرها ينفد إزاء تباطؤ السلطات في إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وأن بعضهم سيتجه لمعارضة خامنئي علانية إذا استمرت حالة التغطية على الجرائم التي تحدث بحق الإصلاحيين والشباب في السجون الإيرانية». وقالت المصادر الإصلاحية إن 4 أو 5 من مراجع التقليد في قم يدعمون تحركات الإصلاحيين وسيساندون «التجمع السياسي الواسع» المتوقع أن يعلنه موسوي خلال أيام لمواصلة تحدي الحركة الإصلاحية لنتائج الانتخابات.

ونشر بيان الإصلاحيين في اليوم ذاته الذي أعلنت فيه صحيفتان إصلاحيتان وفاة ابن مستشار محسن رضائي خلال سجنه. وجاء في البيان: «نحن ننتظر منكم يا كبار القادة الدينيين، أن تذكروا السلطات بالآثار الوبيلة لعدم احترام القانون وأن تمنعوها من مواصلة (اللجوء إلى) القمع في الجمهورية الإسلامية». ونشر البيان على موقع موسوي وموقع حزب كروبي «اعتماد ملي». وندد القياديان بطريقة إدارة الانتخابات الرئاسية التي شابتها عمليات تزوير واسعة كما يقولان، واعتبرا أن الحكومة الجديدة للرئيس محمود أحمدي نجاد «لن تكون لها أية شرعية».

وذكرت صحيفة «اعتماد» المعتدلة أمس أن محسن روح الله أميني، ابن مستشار رضائي الذي كان تم توقيفه أثناء تظاهرات 9 يوليو (تموز)، قتل دون أن تحدد سبب وفاته. وأوضحت الصحيفة أن هذا الشاب البالغ من العمر 25 عاما هو نجل عبد الحسين روح الله أميني أحد مستشاري رضائي القائد السابق للحرس الثوري. فيما قال موقع «مشاركات» الإصلاحي إن «محسن روح الله أميني نجل عبد الحسين روح الله أميني الذي كان كبير مستشاري محسن رضائي قتل في سجن ايفين». ولم يذكر الموقع كيف أو متى قتل روح الله أميني ولم يتسن على الفور الاتصال بالسلطات الإيرانية لتأكيد النبأ أو للتعليق على الظروف المحيطة به. وقال الموقع «تم إبلاغ عائلته بأن محسن سوف يطلق سراحه قريبا. لكن السلطات أخبرت العائلة مساء يوم الخميس بوفاته». وكان شاب آخر وهو سهراب أعرابي قد توفي خلال سجنه. ولم تخبر السلطات الإيرانية أسرته إلا بعد نحو أسبوعين من وفاته، مما أدى إلى إثارة موجة من الغضب في إيران وتوجه موسوي وخاتمي وكروبي إلى أسرة الشاب البالغ العشرينيات من العمر لتقديم التعازي.

وتقول جماعات حقوقية إن مئات الأشخاص ومن بينهم شخصيات إصلاحية بارزة وصحافيون وأكاديميون ومحامون اعتقلوا خلال الإجراءات الصارمة التي اتخذتها السلطات الإيرانية ضد المعارضة. وتقول السلطات إن معظمهم أطلق سراحه. وكان محافظون مقربون من أحمدي نجاد قد حثوا وزير الاستخبارات وقوات الأمن على إذاعة «اعترافات» كبار الإصلاحيين المعتقلين في السجون الإيرانية على الهواء مباشر، مشيرين بشكل خاص إلى اعترافات محمد على ابطحي أحد أهم قيادات الحركة الإصلاحية والمقرب من خاتمي وموسوي ومصطفى تاج زاده «عقل حملة» موسوي الانتخابية وبهزاد نبوي الإصلاحي المقرب من هاشمي رفسنجاني وهؤلاء كلهم في سجن «ايفين» سيئ السمعة منذ بدأت أزمة الانتخابات الإيرانية. وكانت وسائل إعلام إيرانية محافظة من بينها «كيهان» قد قالت إن ابطحي اعترف خلال التحقيقات معه في السجن بأن الحركة الإصلاحية لها علاقات خارجية وأنها تحركت بناء على تعليمات من الخارج. وهى التقارير التي قال الإصلاحيون إنها مزيفة وأخذت تحت التعذيب أو تم فبركتها. وعبر محامي للدفاع أول من أمس عن قلقه بشأن مصطفى تاج زاده وبهزاد نبوي، وقال إنه لا يعرف مكان احتجازهما.

وتجمع الآلاف أمس في مظاهرات عالمية احتجاجا على «سياسات قمع حقوق الإنسان» التي تنتهجها الحكومة الإيرانية. وينظم هذه المظاهرات التي تشمل 80 مدينة في أوروبا وأميركا وآسيا وأفريقيا منظمات «الأمنستي» و«هيومن رايتس وواتش». وقال المتحدث باسم «الأمنستي» توم فان دين براد والمشارك في تنظيم تظاهرة في أمستردام أمس «نحن هنا لنظهر تضامننا مع الشعب الإيراني، ونحث الحكومة الإيرانية على احترام حقوق الإنسان».

ولوح المتظاهرون بالأعلام الإيرانية وحملوا لافتات كتب عليها «إيران: حرية التظاهر وليس الاعتقال». ومن المقرر أن تكون شيرين عبادي الإيرانية حائزة جائزة نوبل للسلام، بين من سيلقون كلمات في المتظاهرين. وقال المنظمون والشرطة إن أكثر من ألف شخص شاركوا في التظاهرة. وقالت «الأمنستي» في بيان بمناسبة تظاهرات اليوم السبت، إنها «تدين قمع الحريات وحرية التعبير واعتقال المتظاهرين المسالمين». وأضافت «نطالب بالتحقيق في تصرفات السلطات الإيرانية والإفراج عن كافة المتظاهرين» الذين اعتقلوا أثناء التعبير عن معارضتهم للحكومة.