الانتخابات بداية لتخفيف قبضة حزبي طالباني وبارزاني على الإقليم.. رغم الشكوك

يروجان على أنهما فقط القادران على حماية المكاسب التي حققها الأكراد

TT

في العام الحالي، عرضت مسرحية عن طاغية كردي جشع في هذه المدينة الشمالية. وفي الوقت الذي اصطف فيه الأكراد للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المحلية أمس، كانت المسرحية إحدى الإشارات الواضحة للقادة الأكراد العراقيين.

ويتميز إقليم كردستان العراق، الذي طالما اعتبر قلعة من الاستقلال والديمقراطية في دولة دمرتها أحداث العنف، بأنه أكثر من مجرد مملكة لحزبين حاكمين يحكمان قبضتيهما على السلطة والنفوذ لدرجة أن كثيرين لا يتوقعون أن تخرج الانتخابات عن سيطرتهما.

يقول المخرج، أرسلان درويش: «يحتكر الحزبان كل شيء». وتصف مسرحية «أنا لست واحدا منكم»، قصة زعيم جماعة مسلحة منتصر يصبح حاكما مستبدا.

وأضاف المخرج: «لقد استفاد من ثمار الصراع في البلاد»، مشيرا إلى كفاح الأكراد الذي كان غالبا ما يتسم بالدموية في سبيل نيل الحقوق والحكم الذاتي في العراق، وكل من إيران، وسورية، وتركيا.

وتعد المسرحية إشارة على تزايد الشعور بعدم الارتياح والرغبة في التغيير السياسي، على الرغم من الأمن والاستثمارات التي جعلت من المناطق الكردية أكثر المناطق ازدهارا في العراق، حيث الحدائق المقلمة، ومراكز التسوق التي يسير فيها حتى الأجانب في أمان. ويعمل تحالف يسمى «كوران»، أي التغيير باللغة الكردية، من أجل انتزاع مكان الحزبين الحاكمين، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، في حملة انتخابية صاخبة أدت إلى وقوع مشاجرات في الشوارع. وقد فضت الشرطة حشدا انتخابيا عقد مؤخرا، حيث انطلقت أبواق السيارات ولوح مؤيدو «كوران» بالأعلام الزرقاء الداكنة التي ترمز إلى شعار حركتهم، بعد أن تطور إلى منازلات مع مؤيدي الحزبين الحاكمين.

ويقود التحالف نوشيروان مصطفى (65 عاما)، وهو المتمرد السابق ضد صدام حسين، الذي كان من بين مؤسسي الاتحاد الوطني الكردستاني. ولكنه يقول حاليا: إن «السلطة أفسدت زملاءه السابقين، وإنهم خانوا قضية كردستان». وقال في مقابلة أجريت معه مؤخرا: «يوجد نوع من الاستبداد في نظامنا. ونعتقد أن الوقت قد حان لترتيب أوضاعنا الداخلية».

ويجذب عمله متابعة وانتقادات عنيفة من الحزبين الحاكمين، اللذين يصفانه بـ«الانتهازي» و«الدجال». ولكن يوجد شك فيما إذا كان تحالف «كوران» أو أي منافس آخر سيحصل على عدد كاف من المقاعد في البرلمان المحلي ليحدث التغيير.

وهذه شهادة في حق النفوذ الذي يمارسه الحزبان الحاكمان، الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي، على المناطق الكردية.

ويخوض الحزبان، على الرغم من أنهما كانا خصمين لدودين على مدار أعوام، الانتخابات كائتلاف واحد، مما يعكس «الاتفاق الاستراتيجي» الذي سمح لهما بتقسيم حكومة الإقليم ومصادره الاقتصادية إلى نصفين. وهما يقودان القوات المسلحة وأجهزة الاستخبارات، ويمتلكان تكتلات اقتصادية.

والأمر الأهم هو أنهما يتحكمان في الوظائف والمرتبات والامتيازات، وبذلك يوجد إجماع بين الأكراد على أن الوسيلة الوحيدة للتقدم هي تأييد الحزبين.

ويشجع قادة الحزبين على ذلك التفكير، قائلين إنهم فقط القادرون على حماية المكاسب التي حققها الأكراد، وهم الجماعة العرقية المميزة التي يبلغ تعدادها 20 في المائة من عدد السكان في العراق. وبالتأكيد ذلك الإنجاز جوهري.

وبعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، دفن قائدا الحزبين، مسعود برزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، وجلال طالباني، زعيم حزب الاتحاد الكردستاني، نزاعاتهما التاريخية وركزا بدلا من ذلك على تحويل الإقليم، الذي أصبح شبه مستقل منذ عام 1991، إلى حصن بعيد عن الاضطراب والعنف المنتشر في بقية أنحاء العراق.

وفي الوقت الحالي، يسعى مستثمرون أجانب إلى وضع أقدامهم في الإقليم الغني بالبترول. وقد أصبحت السويد أخيرا الدولة رقم 16 التي تقيم علاقات دبلوماسية مع الإقليم. وتظهر علامات الثراء، من فنادق ومشروعات تجمعات سكنية فاخرة تحمل أسماء مثل «القرية الألمانية»، في جميع أنحاء السليمانية وعاصمة الإقليم إربيل، في أقصى الشمال.

ويشير قادة الحزبين أيضا إلى حرية التعبير عن الرأي والانتخابات المقبلة كأركان أساسية في المسيرة نحو الديمقراطية.

ولكن يقول المحللون إنه لا يوجد يبن المرشحين الأربعة المنتمين للمعارضة أي فرصة لتولي مكان رئيس الإقليم برزاني، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني. وتسنح فرصة ضئيلة أمام الأحزاب الأخرى البالغ عددها 23 حزبا وتحالفا في التنافس على 111 مقعدا في البرلمان المحلي، الذي يسوده الحزبان باكتساح ويصدر موافقته تلقائيا على قرارات برزاني وطالباني. ويرأس ابن بارزاني قوات الأمن وأجهزة الاستخبارات في الإقليم، بينما يحتل ابن شقيق بارزاني منصب رئيس الوزراء. وبعد الانتخابات من المتوقع أن يحتل منصب رئيس الوزراء، أحد أتباع طالباني، برهم صالح، الذي يحتل حاليا منصب نائب رئيس الوزراء العراقي، وفقا للاتفاق المبرم بين الحزبين.

ولكن هز ترشيح مصطفى، عضو الحزب السابق، الطبقة الحاكمة، حيث تحدث صالح بصراحة في خطابات الحملة عن الحاجة إلى إجراء إصلاحات. وقد هاجم الحزبان مصطفى، وأطلق عليه أحد مسؤولي الحزب الديمقراطي الكردستاني «شاتا» أو اللص باللغة الكردية.

وقال مسؤول الاتحاد الوطني الكردستاني، حكمت محمد كريم: «إنه زعيم الدهماء يخدع الجماهير»، وأطلق كريم أيضا تهديدا استراتيجيا بأن أعضاء الحزب الذين يؤيدون مصطفى سيحرمون من رواتبهم. وقال كريم: «هذا مالي وحزبي». وتقول شيمان محمد، مسؤولة حزب الاتحاد الوطني التي تحولت إلى تأييد مصطفى: إنه تم تجميد راتبها، بينما حصل مؤيدو الحزب على أراض وأموال وبنادق. ويتوقع متنافس آخر على منصب الرئيس في الانتخابات، على بابير، أن يخسر في النهاية ما يقول إنها مبالغ كبيرة يمنحها الحزبان الحاكمان للحركة الإسلامية التي يرأسها. وقد اعتقل بابير (48 عاما) لمدة عامين من قبل الجيش الأميركي، وكان يشتبه في وجود صلات بينه وبين تنظيم القاعدة. كما اعتقلت السلطات الكردية أنصاره ومارست ضدهم التعذيب. وتم إطلاق سراح البعض في جزء من الانفراجة التي حدثت مع الحزبين.

وقد شكل حاليا تحالفا غير متوقع مع الشيوعيين من أجل خوض الانتخابات. ويتهم بابير الحزبين بإثارة الغضب بالإشارة إلى أن خصومهما في الانتخابات عملاء للحكومة المركزية ودول مجاورة يهدفون إلى عكس الإنجازات التي تحققت في كردستان. وحذر بابير مستشهدا بمثل كردي يقول «في النهاية يبلى حبل الطغيان».

وتتردد تحذيرات من وجود تهديد خارجي بين الناخبين في كردستان، الذين يشعرون بأنهم محاصرون من جميع الجوانب. وهم قلقون من أن إيران وتركيا، اللتين يوجد بهما سكان أكراد في حالة من الاضطراب، قد تقمعان أي خطوات أخرى من أجل الاستقلال الكردي أو الانفصال. وتظل التوترات شديدة مع الحكومة المركزية حول الأراضي الحدودية المتنازع عليها، وتقسيم عائدات البترول والغاز. وفي النهاية، يبدو أن الرسالة الانتخابية تشير إلى أن هناك خطورة كبيرة في المغامرة بالتغيير. ويقول فاضل ميراني، أحد كبار أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني: «ما زلنا ضحايا للسياسة الجغرافية».

* خدمة «نيويورك تايمز»