الهزارة الشيعة قوة صاعدة في الانتخابات الأفغانية

يشكلون 20% من القوة الانتخابية وسجلوا أعلى معدلات التصويت

TT

لأجيال، كانت أقلية الهزارة الأفغانية تحتل الموضع الأدنى في التكوين العرقي المعقد لأفغانستان؛ حيث كانت قبائل البشتون الجنوبية كبيرة العدد تستحوذ دائما على السلطة السياسية، يليها قبائل الطاجيك الجنوبية التي تقل عنها في العدد قليلا.

وخلال فترات مختلفة من التاريخ، كان يتم طرد الهزارة الشيعة من أراضيهم وذبحهم في نوبات من «التطهير» العرقي. وفي العصور الحديثة، كانوا يلتحقون بالمهن الأقل مثل العمل كخدم في المنازل أو في جر العربات اليدوية. وينحدر الولد الذي تم الاعتداء عليه في رواية وفيلم «عداء الطائرة الورقية» التي قد أثارت هنا كثيرا من الجدل من عائلة من الهزارة يعمل جميع أفرادها كخدم.

ولكن الهزارة يستعدون الآن للعب دور مفصلي في الانتخابات الرئاسية وانتخابات المجلس المحلي التي من المقرر إجراؤها في 20 أغسطس (آب). كما يخرج من بينهم المرشح الرئاسي ذو الشعبية رمزان باشاردوست، الذي يجوب البلاد من دون كلل ـ على الرغم من ضعف فرصته في الفوز ـ متحدثا عن رسالته الانتخابية التي تتحدث عن إصلاح المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية. وفي الوقت نفسه، فإن الرئيس حميد كرزاي الذي ينتمي إلى البشتون والذي يرغب في الترشح مرة أخرى، بالإضافة إلى خصمه الرئيسي يأملان في الحصول على أصوات الهزارة، حيث يشكل الهزارة نحو 20% من القوة الانتخابية للبلد، كما أنهم قد سجلوا أعلى معدلات للتصويت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2004.

يقول محمد محقق قائد حزب الهزارة الرئيسي (وحدة إسلامي) الذي وافق على تأييد ترشيح كرزاي في مقابل وعود بتولي الهزارة لعدة وزارات والسيطرة على إحدى المقاطعات الجديدة إذا أمكن: «لقد أصبحنا مؤثرين في الانتخابات، أنا لا أستطيع الترشح لأن البشتون ربما لا يساندونني، ولكن قومي يستطيعون إحداث فرق حقيقي في تحديد الفائز في تلك الانتخابات».

لقد كان محقق يحشد الجماهير في مقاطعتين لصالح كرزاي الذي لم يظهر خلال الحملات الانتخابية. كما جهز حزب محقق جيشا من الأشخاص للعمل في الحملة الانتخابية، بالإضافة إلى قائمة من 14 مرشحا للغرفة العليا في البرلمان والمجالس المحلية، ويظهر أحد هؤلاء مرشحي حزب محقق في الملصقات الدعائية بالشكل التقليدي للهزارة وهو يجر عربة يد محملة بثقل هائل من البضائع. وقد بذل كرزاي الذي اختار نائبه الثاني من الهزارة جهودا كبيرة لكي يسترضي قادة الهزارة المحافظين في مارس (آذار) وذلك بالموافقة على قانون العائلة الشيعي المثير للجدل على الرغم من إثارته لغضب مجموعات حقوق الإنسان نظرا لأنه يمنح الآباء والأزواج سلطة مطلقة على نسائهم.

إلا أن التحرير السياسي للهزارة الذي منح أولادهم فرصا للالتحاق بالجامعات والوظائف المكتبية، قد خلق انقساما على المستوي السياسي وعلى مستوى الأجيال في مجتمع طالما انقاد وراء الميليشيات العرقية أو القادة الدينيين من أمثال محقق كمسألة حياة أو موت؛ فما زال الهزارة الأكبر سنا أو الأقل تعليما يعبرون بقوة عن ولائهم لمثل هؤلاء القادة ويقولون إنهم ينوون اتباع توجيهاتهم السياسية يوم التصويت. ولكن البعض الآخر، بما يشمل الطلاب واللاجئين الذين عادوا إلى أفغانستان بعد أن قضوا سنوات في إيران، يقول إنهم يقدرون استقلالهم السياسي.

فيقول فاراهموز، 33 عاما، العامل الذي يصطف صبيحة كل يوم إلى جانب عشرات غيره على الطرقات على أمل الحصول على ساعات من العمل: «أنا من الهزارة، وقد أصبح لنا حقوق الآن ولم يعد يستطيع أحد أن يخبرني كيف أدلي بصوتي، كما أنني لا أريد أن تتدخل المسائل العرقية في تلك الانتخابات لأنها ستدمر البلد مرة أخرى». ويقول العديد من الهزارة إن مرشحهم المفضل لمنصب الرئيس هو باشاردوست، 44 عاما، المشرع الإصلاحي ووزير التخطيط السابق الذي يقع مكتبه في مقابل البرلمان. وعلى الرغم من أن الشكل العام لحملة باشاردوست الانتخابية كان يبدو تقليديا تماما، حيث كان يقبل الطائرات التي توفرها الحكومة للوصول إلى المقاطعات البعيدة، فإنه كان يختلط بالمقترعين في الحدائق والأسواق؛ فيقول جواد، 25 عاما، المقيم في كابل والذي نشأ في المنفى في إيران والذي يعول والديه بالاشتغال كعامل بناء: «أنا أحب باشاردوست لأنه يفهم مشكلاتنا، فهو لا يأتي إلينا في سيارة فارهة كالتي يأتي بها الآخرون، فقد جاء إلى حديقة شاري نو سيرا على الأقدام وجلس في خيمة واستمع إلى الناس».

وفي حديث هاتفي معه يوم السبت، قال باشاردوست من أحد الأسواق الصاخبة في مقاطعة كوست إنه اكتشف «المسافة الكبيرة بين الأشخاص العاديين والسياسيين في كابل»، مضيفا: «أنا أعتقد أننا سوف نشهد ثورة في 20 أغسطس (آب)». كما قال إنه حصل على قدر كبير ومفاجئ من التأييد من البشتون في موطنه وبالخارج. «وذلك شيء جديد تماما بالنسبة لأفغانستان». ويبدو أن الهزارة كمجموعة من الأقلية رزحت تحت وطأة الاستغلال الاقتصادي والقمع الاجتماعي، تحاول الاستفادة من الحريات السياسية التي أتيحت أمامها بعد سقوط حكم حركة طالبان السنية المتطرفة في أواخر عام 2001. يقول المدرسون والطلاب في إحدى الجامعات الشيعية الجديدة الخاصة في كابول إن الانتخابات القادمة تمثل أهمية بالغة بالنسبة لمجتمعهم بغض النظر عن الفائز، لأنها تشكل خطوة نحو الحداثة، والممارسات الديمقراطية التي يمكن أن تساعد في التغلب على التنافسية القبلية والعرقية السائدة في أفغانستان.

يقول أمين أحمدي مدير الكلية: «نحن بحاجة إلى تطوير قيم وممارسات الديمقراطية. ولسوء الحظ، فإن القضايا العرقية ما زالت تلعب دورا محوريا في بلادنا، كما أن الناس لا يثقون بالقادة من المجموعات العرقية الأخرى، ولكن إذا استطعنا أن نحصل على انتخابات نزيهة، تتسم بالشفافية والهدوء، فسيكون ذلك أكثر أهمية من حصولنا على رئيس صالح أو فاسد». وتحتل ملصقات الحملة الانتخابية في غرب كابل، ـ قلب مجتمع الهزارة الذي ما زال ينبض على الرغم من إرهاقه ـ أي سطح لمنشأة عامة. إلا أن كثيرا من الميكانيكيين والعمال والأشخاص الذين يعملون في دفع العربات اليدوية يقولون إنهم قد ملوا السياسة القومية أو العرقية؛ قائلين إنه لم يفعل أي شخص من السلطة شيئا لمجتمعهم الذي يعاني من معدلات البطالة المرتفعة والفقر.

يقول إمام علي رحمات، 61 عاما، الذي يبيع أخشاب الوقود: «نحن لسنا سعداء بحكومتنا، ولا بقادتنا، فبالنسبة لهم، نحن لسنا إلا ترابا وأوساخا. وبالنسبة لنا، فإنهم ليسوا سوى مجموعة من الوعود الكاذبة. فنحن نريد تغييرا، ونحن بحاجة إلى قادة جدد لأننا قد ضللنا الطريق».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»