الرئيس الفرنسي أدخل المستشفى العسكري.. وقصر الإليزيه يتكتم على التفاصيل

ينقل إلى المستشفى بعد إصابته بـ«توعك».. ورئيس وزرائه السابق يطرح نفسه بديلا عنه

TT

تكتمت دوائر قصر الإليزيه على طبيعة العارض الصحي الذي ألمّ صبيحة أمس بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي البالغ من العمر 54 عاما، واكتفى الإليزيه بداية بإصدار بيان بعد الظهر جاء فيه أن الرئيس أصيب بعارض صحي عندما كان يمارس الرياضة. وأضاف البيان أن الطبيب الشخصي لساركوزي قام بالاعتناء به، وأنه يخضع لفحوصات إضافية. ووعد الإليزيه ببث معلومات إضافية لاحقا. ولم يشر البيان الرئاسي لا إلى نوع الرياضة التي كان يمارسها ساركوزي، ولا إلى مكان وقوع الحادث، ولا إلى طبيعته، ولا الفحوصات التي أُخضع لها. إلا أن شاهد عيان قال إنه شاهد الرئيس الفرنسي وهو ينهار خلال ممارسته رياضة الجري.

وعُلم لاحقا أن ساركوزي اقتيد إلى مستشفى «فال دوغراس» العسكري في باريس، حيث شددت الحراسة على مدخله وأبعد عنه الصحافيون. وبحسب المعلومات التي توافرت أمس، فإن ساركوزي المعروف بحبه للرياضة وتحديدا الركض وركوب الدراجة الهوائية، أصيب بالعارض الصحي وهو يمارس رياضة الجري في المنطقة المحيطة بمقر الإقامة المعروف بـ «لانتيرن» القريب من قصر فرساي، والذي كان أساسا لرئاسة الحكومة، لكن ساركوزي استولى عليه منذ وصوله إلى قصر الإليزيه.

والمفارقة أن ساركوزي كان يفترض به أن يكون حاضرا بعد ظهر أمس في الشانزليزيه لدى انتهاء سباق الدراجات الهوائية المعروف بـ«دورة فرنسا» الذي يدوم شهرا كاملا، وهو الأشهر من نوعه في العالم. وخلال الأسبوع الفائت انتقل ساركوزي إلى جبال الألب ليحضر واحدة من جولاته.

وبانتظار نتائج الفحوصات المخبرية، فإن أوساط المستشفى العسكري تحدثت عن حالة من التعب من دون إعطاء المزيد من التفاصيل. وكان ساركوزي قد وعد خلال حملته الانتخابية بالتزام الشفافية في ما خص صحته. ويعود آخر بيان رسمي صادر عن القصر الرئاسي بهذا الصدد إلى الثالث من يوليو (تموز) الماضي. وجاء في البيان أن نتائج فحوصات القلب والشرايين التي خضع لها الرئيس جاءت عادية. وكان هذا البيان هو الثاني من نوعه الذي يصدر عن الإليزيه منذ انتخاب ساركوزي في مايو (أيار) من عام 2007. وطيلة عام 2008 لم يصدر أي بيان طبي عن صحة الرئيس.

وقد قطع رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون إجازته وعاد إلى فرنسا. وعلى الرغم من الشفافية الموعودة، فإن دوائر القصر قد أخفت عملية جراحية في الحلق وصفت لاحقا بالبسيطة خضع لها ساركوزي في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2007. ولم يشر الناطق باسم الإليزيه إليها إلا بعد ثلاثة أشهر من حدوثها. ونادرا ما يلتزم الرؤساء الفرنسيون الشفافية في ما يخص حالتهم الصحية. فالرئيس الأسبق فرنسوا ميتران أخفى لسنوات مرض السرطان الذي كان يعاني منه، وهو المرض الذي قضى على الرئيس الأسبق جورج بومبيدو. والرئيس السابق جاك شيراك مارس سياسة الغموض عندما كان يعاني من وعكات صحية، مما فتح الباب أمام تكهنات كثيرة. لذا، فإن ساركوزي وعد الناخبين بالوضوح والشفافة بخصوص حالته الصحية التي تخرج عن كونها حالة شخصية بسبب المسؤوليات التي يتحملها رئيس الجمهورية ومنها الأمر باستخدام السلاح النووي.

ومعروف عن ساركوزي أنه لا يشرب أي أنواع من الكحول، لكنه يهوى أحيانا تدخين السيجار الكوبي، كما يحب الشيكولاته. وتزوج الرئيس الفرنسي من المغنية الإيطالية وعارضة الأزياء السابقة كارلا بروني في فبراير (شباط) من عام 2008 في الإليزيه، وهو زواجه الثالث. وفي الفترة الأخيرة، لوحظ أن ساركوزي فقد بعض الوزن وأصبح نحيلا نوعا ما. وإلى جانب الجري وركوب الدراجة الهوائية، يمارس ساركوزي الرياضة مرتين في الأسبوع، تحت إشراف مدربة اسمها جوليا امبريالي وهي بطلة سابقة لرياضة الأيروبيك. وساركوزي اشتهر بحركيته الدائمة وطاقته على المبادرة والعمل.

وقبيل إعلان الإليزيه عن العارض الصحي للرئيس، كان الوسط السياسي منشغلا بالحملة المنظمة التي شنها عليه رئيس الوزراء السابق في حكومته دومينيك دوفيلبان، والتي طرح فيها نفسه «بديلا» عن ساركوزي، لشغل منصب رئاسة الجمهورية في الاستحقاق الرئاسي القادم.

وبين دوفيلبان وساركوزي قصة طويلة، فالثاني كان وزير الداخلية في الحكومة التي كان يرأسها الأول إبان رئاسة جاك شيراك. لكنه يعاني من تبعات فضيحة «كليرستريم» المتهم بالضلوع فيها. ويظن القضاء أن دوفيلبان كان طرفا في قضية مالية مفبركة لضرب ساركوزي عن طريق زج اسمه في سجلات مصرف المقاصة في دوقية لوكسمبورغ كمستفيد من عمولات سرية. وسيمثل دوفيلبان أمام القضاء في شهر سبتمبر (أيلول) القادم في قضية ضالع فيها اللبناني عماد لحود، الذي يظن أنه الشخص الذي قام بتزوير لوائح «كليرستريم» بإدخال اسم ساركوزي وأسماء سياسيين فرنسيين آخرين فيها. والقضية معقدة وتتداخل فيها المصالح السياسية وأجهزة المخابرات والطموحات الشخصية المتناقضة التي يشكل ضرب مصداقية ساركوزي وإبعاده عن المسرح السياسي لبها.

وبانتظار ذلك، عمد دوفيلبان إلى تأسيس ناد اسمه «نادي فيلبان»، هدفه تجميع أنصاره من السياسيين والمفكرين من أجل توفير بديل للفرنسيين عن ساركوزي وسياسته. ولا يخفي أنصار ساركوزي أن الأخير بدأ يتحضر للمعركة الرئاسية القادمة، لا بل إنه قال أخيرا لنواب الأكثرية المنتمين إلى حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» إن عليهم أن يأخذوا بعين الاعتبار أنه باق في قصر الإليزيه حتى عام 2017، أي حتى نهاية ولايته الثانية.

واختيار دوفيلبان المرحلة الحالية للتعبير عن طموحاته السياسية ليس عبثيا. فالحزب الاشتراكي، وهو الحزب المعارض الأول لساركوزي، غائب عن الساحة، وغارق في نزاعاته الداخلية. وفرنسوا بايرو، المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب الوسط المسمى «الحركة الديمقراطية»، خرج ضعيفا من الانتخابات الأوروبية الأخيرة، فضلا عن أنه يعاني من حركة احتجاجية داخل الحزب، وبالتالي فهو غائب حاليا عن الساحة. أما حزب الخضر الذي حل في الموقع الثالث في الانتخابات المذكورة فإنه مكون من خليط من الشخصيات التي جاءت إليه من آفاق كثيرة، فضلا عن أن رئيس تجمع أوروبا ايكولوجيا المواطن الألماني دانيال كوهين بنديت يؤكد أنه لا طموحات سياسية له في فرنسا. وإزاء هذا الواقع، يرى دوفيلبان أن ثمة فراغا سياسيا وفرصة سانحة له للعودة إلى واجهة المسرح السياسي. غير أنه يطرح عودته كحاجة وطنية بسبب تخبط سياسة الرئيس الحالي الاقتصادية والاجتماعية، وبسبب الأوضاع الصعبة التي تعاني منها فرنسا.

ويعمد دوفيلبان في المقابلة المذكورة إلى تفنيد الأخطاء التي ارتكبها ساركوزي وحكوماته، ليخلص إلى القول إن فرنسا بحاجة إلى سياسة بديلة، مما يفترض وجود شخص بديل يحمل هذا التغيير. وبالطبع، فإنه يطرح نفسه على أنه البديل المطلوب الذي تحتاجه فرنسا. وتبدو حاجة دوفيلبان إلى العودة السياسية، إلى درجة أنه لا يستبعد كذلك أن يكون مرشحا في الانتخابات الإقليمية العام القادم. وقال إنه يريد الدفاع عن «قيم الجمهورية الفرنسية»، وعن مؤسساتها، وعن موقع فرنسا في العالم، ومن أجل المحافظة على العدالة الاجتماعية، مما يعني أن إصلاحات ساركوزي تفتقر لكل ذلك.

وينتقد دوفيلبان نهج ساركوزي في الحكم، وإطلاق الإصلاحات التي يعتبر إما أنها ناقصة أو في غير الوقت المناسب لها، أو بسبب كلفتها المرتفعة. فهل سينجح دوفيلبان في تحقيق العودة السياسية؟ من الواضح أن رهانه ليس مضمونا سلفا، إذ يتعين عليه بداية أن يتخلص من ذيول فضيحة «كليرستريم»، وأن يبيض القضاء سجله، قبل كل شيء. فضلا عن ذلك، عليه أن يقنع أصدقاءه، الذين لم يبق لديه منهم الكثير، بأنه قادر على حمل راية التغيير، ومقارعة ساكن قصر الإليزيه الذي يستفيد من ماكينة الدولة بأسرها، فضلا عن الدعم المطلق من قبل حزب الأكثرية.