حماس تتحول من إطلاق الصواريخ إلى حرب «العلاقات العامة»

ركزت على المسرح والأفلام وتنظيم المعارض لعكس معاناة الفلسطينيين في غزة

TT

بعد 7 أشهر من بداية الهجوم الإسرائيلي العسكري العنيف الذي استمر لمدة 3 أسابيع على غزة لوقف إطلاق الصواريخ على مجتمعاتها الجنوبية، أوقفت حماس استخدام الصواريخ، وحولت التركيز على الفوز بالتأييد في الداخل والخارج عبر مبادرات ثقافية وعلاقات عامة. ويكمن الهدف في بناء ما يطلق عليه القادة هنا «ثقافة المقاومة»، وقد كانت موضوع مؤتمر عقد أخيرا واستمر لمدة يومين. وفي الفترة الأخيرة تم عرض مسرحية، وإقامة عرض أول لأحد الأفلام، وتنظيم معرض فني، ونشر ديوان شعر، وبدء عرض حلقات مسلسل، ومعظم ذلك تم تحت رعاية الحكومة، وركّز على معاناة الفلسطينيين في غزة. وتوجد أيضا خطط لإقامة مسابقة للأفلام التسجيلية.

وأشار أيمن طه، أحد قادة حماس والمقاتل السابق: «ما زالت المقاومة المسلحة مهمة وشرعية، ولكن لدينا تأكيد جديد على المقاومة الثقافية. ويتطلب الوضع الحالي وقفا لإطلاق الصواريخ. فبعد الحرب، كان المقاتلون يحتاجون إلى راحة، وكذلك الشعب يحتاج إلى راحة».

ويقول طه وآخرون إن الجيش استبدل القادة الميدانيين، وأعاد تنظيم ذاته، حيث تعلم دروسا من الحرب. وكان قرار وقف استخدام صواريخ (قسام) قصيرة المدى التي كانت تصوب نحو إسرائيل منذ أعوام، وأحيانا كانت تصل إلى عشرات الصواريخ في اليوم، إلى حد ما نتيجة للضغط الشعبي. ويتساءل الناس بصورة متزايدة هنا عن قيمة الصواريخ، ليس لأنها تصيب المدنيين، ولكن لأنها تعتبر غير مؤثرة نسبيا.

تقول منى عبد العزيز، وهي محامية تبلغ من العمر 36 عاما، في حوار أجري معها في الشارع: «ماذا فعلت لنا الصواريخ؟ لا شيء».

وتظل مدة وقف إطلاق حماس لصواريخها وما إذا كانت ستحصل على قذائف ذات مدى أطول، والتي تقول إنها تسعى إلى امتلاكها، غير واضحة. ولكن أصبح تغيير سياستها أمرا مؤكدا. وفي شهر يونيو (حزيران)، أطلق صاروخان من غزة، وفقا للجيش الإسرائيلي، وهو أقل عدد شهري منذ أن بدأ إطلاق الصواريخ في عام 2002.

ومن الناحية التكتيكية، شهدت الحرب انتصار إسرائيل وهزيمة حماس. ولكن من وجهة نظر الرأي العام، كانت لحماس اليد العليا. وقد أشار قادتها إلى الإدانة الدولية لإسرائيل بسبب ادعاءات استخدام قوة غير متكافئة، وهي الصورة التي يأملون في استمرار الاستفادة منها. وقد يخدم وقف إطلاق الصواريخ أيضا ذلك الهدف.

وصرح أسامة العيسوي، وزير الثقافة، أثناء إحدى فترات الراحة في المؤتمر الذي استمر ليومين: «لسنا إرهابيين ولكننا مقاتلون في المقاومة، ونريد أن نوضح حقيقتنا للعالم الخارجي. ونريد من الكتاب والمثقفين في العالم الحضور ورؤية كيف يعاني السكان هنا بصورة يومية».

تلك المعاناة حقيقية بالفعل، حيث تقيد المقاطعة الإسرائيلية من النشاط الاقتصادي هنا في حدود الزراعة والتجارة الأساسية، على الرغم من أن إسرائيل تسمح بمرور نحو 100 شاحنة محملة بالغذاء والدواء يوميا، ويأتي المزيد من السلع عبر أنفاق التهريب الصحراوية من مصر. وتجرب إسرائيل إجراء بعض التعديلات الطفيفة بالسماح بمرور المعدات والزجاج في الأسبوع الماضي ولأول مرة منذ مدة طويلة.

ونظرا لأن المسؤولين الإسرائيليين أيضا يعتقدون أنهم يجب أن يحسنوا من العلاقات العامة ويوصلوا الرسالة، يضع التركيز الجديد على الثقافة هنا أساسا لمعركة مثيرة أمام الرأي العام. ويقول كلا الجانبين إن الصحافيين يظهرون تعاطفا بالغا مع الطرف الآخر.

ولكن ربما أيضا تجلب تلك المعركة لقادة حماس الإسلاميين مخاطر غير متوقعة. وتقدم المسرحية التي تعرض حاليا في مركز «الشوا» الثقافي في مدينة غزة مثالا على كيفية حدوث ذلك.

وتعرض المسرحية التي تسمى «نساء غزة وصبر أيوب» مجموعة من المشاهد المعاصرة والتاريخية التي تدور حول المعاناة. وبينما قد تساعد على خلق شعور بالتضامن بين شعب غزة، فإنها تتجاوز بعض الحدود المحلية.

على سبيل المثال، في أحد المشاهد الساخرة، يقف أحد مقاتلي حماس على قاذفة الصواريخ وهو على وشك إطلاق صاروخ على إسرائيل، عندما تسأله امرأة عن شقيقها وهو مقاتل زميل له، فيجيب في حماس إن شقيقها بطل. لقد جعل الإسرائيليين يرتعدون من الخوف. «لقد أصاب تل أبيب». وتخرج ضحكة لا مبالية من الجمهور الذي يعرف أن ذلك الفخر أثبت أنه بلا معنى على مدار الأعوام.

وبعد انتهاء العرض مساء أحد الأيام، قال مؤلفه ومخرجه وبطله سعيد البيطار إنه كتب المشهد ليوضح «إننا كنا ضحايا لأكذوبة كبرى». وأضاف: «لقد سدد الشعب ثمنا غاليا، ويتطلع المجتمع إلى من يعبر عن آرائه بوضوح».

وقال بيطار الذي لا يتبع حماس ويشتهر في غزة، إن الحكومة لم تتدخل في عمله أو تنتقده. وبالإضافة إلى السخرية من الصواريخ، قام بفعل شيء آخر معارض، فجميع فريق الممثلين (فيما عدا هو ذاته) من النساء، وتغني النساء على المسرح، وهو ما يثير استياء المسلمين المتدينين.

وقال إنه كان يريد تحدي المحافظين في غزة. وأضاف: «نحتاج إلى التعامل مع العالم وليس عزل أنفسنا».

ويعمل عبد الخالق علاف الشاعر وأستاذ الأدب في الجامعة الإسلامية، كبير المستشارين في جهود الحكومة للاستعانة بالفنانين والكتاب لنشر قضية غزة في الخارج. وقد قال إن هناك خططا لمنح جائزة للعمل الذي يظهر معاناة غزة. وأضاف أن حلقات المسلسل التلفزيوني الذي يهدف إلى العرض في شهر رمضان، والذي يبدأ في نهاية شهر أغسطس (آب) من العام الحالي، يركز على القدس. وقد أقيم العرض الأول لأول إنتاج ثقافي في الحملة الجديدة في الأسبوع الماضي في الجامعة الإسلامية. وقد كتبه محمود الزهار، الطبيب الذي يعد من بين أقوى قادة حماس، وهو فيلم عن شخصية عماد عقل، قائد الجناح العسكري في حماس والذي اغتالته إسرائيل عام 1993.

ويظهر الفيلم الذي تبلغ مدته ساعتين استخدام «عقل» لكثير من وسائل التنكر، منها تنكره في شخصية مستوطن إسرائيلي. ويحتوي الفيلم أيضا على مشاهد من صراع القادة الإسرائيليين فيما بينهم. وقد تم تصويره في مركز إعلامي جديد أقيم في مكان كان يطلق عليه غوش قطيف، وهو مجموعة من المستوطنات الإسرائيلية في جنوب غزة، انسحبت إسرائيل منها منذ أربعة أعوام.

وصرح قائد رفيع المستوى في شرطة حماس، تحدث بشرط عدم ذكر اسمه، بأن التركيز على الثقافة بعيدا عن الصواريخ مناسب في الوقت الحالي. وقال إن حماس كانت تعمل على زيادة نطاق صواريخها. ولكنه قال: «لقد اتخذنا قرارا بعدم إطلاق الصواريخ. وما دامت إسرائيل التزمت بالهدنة غير الرسمية، فنحن ملتزمون بها أيضا». وأشار إلى فتحات في مبناه تسببت فيها الصواريخ الإسرائيلية التي أطلقت في نهاية ديسمبر (كانون الأول) وقال «إن العالم يحتاج لأن يعرف». وهو يودعنا، بدا ذلك الرجل ذو التاريخ القتالي مهتما برأي العالم. وقال في انحناءة وابتسامة خفيفة: «شكرا لقدومكم إلى غزة».

* خدمة «نيويورك تايمز»