المالكي يدين احتجاز جنود أميركيين على يد ضابط عراقي بعد مقتل 3 مسلحين

رئيس الوزراء العراقي وصف التصرف بأنه «خاطئ».. وأكد حق الأميركيين في الدفاع عن أنفسهم

جنديان أميركيان يؤمنان موقعا على نهر دجلة في قاعدة عسكرية أميركية قبيل مراسم تسليمها إلى السلطات العراقية أمس (أ.ف.ب)
TT

أدان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي احتجاز ضابط عراقي لجنود أميركيين الأسبوع الماضي بعد قتلهم ثلاثة من العراقيين المسلحين، واصفا سلوك الضابط العراقي بأنه «خاطئ وغير مقبول».

وأضاف المالكي في حوار أجري معه أن الضابط «لم يفهم الاتفاقية» التي تحكم ممارسات الجيش الأميركي منذ انسحاب القوات المقاتلة من المدن العراقية الشهر الماضي. قائلا إنه «قال بوضوح إن القوات الأميركية لها الحق في الدفاع عن نفسها وأن ذلك هو ما فعلوه بالضبط». وكان أربعة من العراقيين بينهم طفلان قد جرحوا عندما ردت القوات الأميركية على نيران قد أطلقت عليهم وقامت بشن غارات على المنازل المجاورة بعد هجوم المسلحين على موكبهم العسكري.

وقال المالكي في نهاية زيارته للولايات المتحدة التي امتدت لأسبوع كامل إنه قد اتصل هاتفيا ببغداد وأوضح أنهم «يتفهمون أن طلب تسليم الرجال الذين قتلوا العراقيين كان خاطئا».

ويعكس الحدث الذي وقع الثلاثاء الماضي في ضاحية «أبو غريب» في بغداد احتمالية تزايد التوتر بين القوات العسكرية لكلا البلدين حول التفسيرين المختلفين للاتفاقية العسكرية التي وقعت منذ ستة أشهر. وبموجب الاتفاقية التي تم تفعيلها في 1 يناير (كانون الثاني)، تتحول كل المسؤوليات الأمنية إلى القوات العراقية، وتنسحب القوات الأميركية على دفعات بما يشمل انسحاب الشهر الماضي من المدن المأهولة بالسكان حتى الرحيل الكامل للقوات الأميركية بنهاية عام 2011.

وكانت كلتا الدولتين قد حاولت التقليل من أهمية الخلافات بينهما، وقال بعض القادة المرموقين إنهم يعملون على وضع خطط أكثر وضوحا، ولكن في الحقيقة، فإن الأميركيين غاضبون بشدة بشأن القيود التي تفرضها الاتفاقية ويقولون إن أمنهم قد أصبح مهددا.

وكان المالكي حريصا خلال الأيام الأربعة التي قضاها في واشنطن باستمرار على وصف العلاقات الأميركية العراقية بأنها تمر بنقطة تحول إيجابية؛ حيث انخفضت معدلات العنف إلى حد كبير وانتقل اهتمام العلاقات الثنائية بين البلدين من الشؤون الأمنية إلى قضايا أكثر «طبيعية» مثل القضايا الاقتصادية والدبلوماسية والثقافية.

ونفى المالكي، الذي التقى بالرئيس الأميركي باراك أوباما ونائبه جو بايدن ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وعدد من المشرعين الكبار وممثلي رجال الأعمال، التقارير التي تفيد بأن العراق يشعر بأن اهتمام إدارة أوباما قد انتقل من العراق إلى الحرب في أفغانستان؛ قائلا: «حقا، لقد كان لدينا علاقة أكثر استمرارا وتواترا مع إدارة بوش». بما يشمل حوارا أسبوعيا مسجلا بالفيديو وكثير من المحادثات الهاتفية، ولكنه أضاف: «ولكن ذلك كان مرتبطا بظروف الفترة، ولم يكن مؤشرا على أن العلاقات كانت وقتها أقوى وأصبحت أضعف».

وقال المالكي إنه كان سعيدا بالحوارات التي أجراها مع المسؤولين الأميركيين، خاصة ذلك اللقاء الذي تم في الغرفة التجارية الأميركية، الذي ـ على حد قوله ـ أسفر عن مؤتمر دولي رئيسي سيعقد في العراق في شهر أكتوبر (تشرين الأول) حول الاستثمار في العراق.

كما وقع المالكي اتفاقا يتم بموجبه إرسال 10 آلاف طالب عراقي سنويا للدراسة بالخارج ـ بما يشمل الولايات المتحدة ـ وذلك خلال السنوات الخمس القادمة.

وقد استخدمت إدارة الرئيس أوباما ـ التي لديها مخاوف من أن يعرض استمرار النزاع الطائفي التقدم السياسي والاقتصادي في العراق للخطر في ظل انسحاب القوات الأميركية ـ زيارة المالكي للضغط نحو إحراز تقدم أكبر وأسرع في المصالحة بين الأغلبية الشيعية والسنة والأكراد في العراق. وخلال لقائه مع المالكي بالبيت الأبيض يوم الأربعاء، أخبر أوباما الصحافيين: «أكرر مرة أخرى إيماني بأن العراق سوف يصبح أكثر أمنا وأكثر نجاحا إذا كان به مكان لجميع المواطنين العراقيين لكي يحققوا الازدهار، بما في ذلك كل المجموعات العرقية والدينية. ولذلك سوف تستمر أميركا في دعم جهود دمج جميع العراقيين داخل الحكومة العراقية والقوات الأمنية».

وقال القادة في منطقة الأكراد ذات الحكم الذاتي الأسبوع الماضي إن وجود القوات الأميركية هو السبب الوحيد الذي كان يحول دون اضطرام الصراع المسلح بين الميليشيات المحلية وقوات الجيش العراقي. وتشمل أسباب الصراع؛ السيطرة على مدينة كركوك الجنوبية الغنية بالبترول وترسيم الحدود بين العراق الكردية والعربية.

وسوف تتأثر سلطة المالكي، بالإضافة إلى احتمالية عودته إلى منصبه بعد انتخابات يناير (كانون الثاني)، بالتحسن الأمني الشامل في العراق؛ حيث يمكن أن تضعف المشكلة الكردية أو أي تصعيد في الهجمات المتفرقة التي يقوم بها المتمردون من الشيعة أو السنة في أي مكان في العراق، موقف المالكي. وفي الوقت نفسه، على المالكي أن يكون حذرا من ألا يخسر الدائرة الانتخابية الأساسية من الشيعة.

وخلال كل الأماكن التي زارها في الولايات المتحدة، كان المالكي يصر على أنه لا أحد يريد المصالحة أكثر منه. فيقول في أحد اللقاءات التي أجريت معه: «نحن عازمون على ألا نعود للطائفية». مضيفا أنها كانت «جذر المشكلات» في العراق. ويشكل دور القوات الأميركية بعد انسحابها من العراق تحديا آخر بالنسبة للمالكي؛ فما أطلق عليه «نصر» بالنسبة للعراق تطلب أن تسحب الولايات المتحدة قواتها إلى القواعد المتمركزة خارج المناطق المدنية في الحالات المحددة في الاتفاقية.

يقول المالكي بخصوص الانسحاب الذي اكتمل في 30 يونيو (حزيران): «لقد أعطى صورة إيجابية للشعب العراقي، وساهم في دعم مصداقية الأميركيين، ودعم الحديث عن نواياهم الحسنة، وخلق جوا يسمح بعلاقات طويلة المدى، كما أحرج جميع الأشخاص الذين كانت لديهم شكوك بشأن هذه العلاقة».

ويرى كثير من العراقيين ـ بما يشمل القوات الأمنية ـ أن الاتفاقية تشترط عدم اشتراك القوات الأميركية في أي عملية عسكرية. ويقول البعض في الجيش الأميركي إن العراقيين كانوا متحمسين لتقييد تدخل الأميركيين على الرغم من اعتمادهم عليهم في التدريب ودعم القتال والمساندة اللوجستية والاستخباراتية بما في ذلك الوقود والذخيرة.

وقال المالكي السبت إن فقرة الدفاع عن النفس المذكورة في الاتفاقية كانت «صعبة التحديد» ولكنها «واضحة»؛ فيقول: «من الواضح أن القوات الأميركية ملتزمة حاليا بقواعدها ومعسكراتها، إنهم هناك بمقتضى القانون. وبالتالي، فإذا تعرضوا لهجوم من قبل أي مجموعة فإنهم يمكنهم أن يردوا على إطلاق النار ويدافعوا عن أنفسهم، وفقا للاتفاقية».

«بل والأكثر من ذلك، فإنهم إذا وصلت إليهم معلومات استخباراتية تفيد بأن مجموعة معينة تخطط لشن هجوم عليهم، يكون لديهم الحق في الرد، بالتنسيق مع القوات العراقية.. بالتحرك والرد والهجوم»، وذلك من خلال التنسيق مع ضباط الاتصال المتمركزين على مقربة من جميع المعسكرات الأميركية. مضيفا: «ويقرر عندها ضباط الاتصال في كل حالة على حدة من الذي سوف يتخذ الإجراءات المطلوبة سواء كان الأميركيون أو القوات العراقية أو قوة مشتركة منهما معا، ونحن نفضل بشكل عام أن نتخذ نحن الإجراءات بأنفسنا ما لم نكن بحاجة إلى الدعم الأميركي».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»