البصرة: من أكبر غابة نخيل في العالم إلى سوق لصادرات تمور دول الجوار

الحروب المتعاقبة «ذبحت» آلاف البساتين.. وشح المياه قضى على المتبقي

TT

أعرب فلاحون، وأصحاب بساتين النخيل في محافظة البصرة، عن إحباطهم نتيجة تراجع أعداد نخيل بساتينهم، وتردي نوعية التمور للموسم الحالي، الذي بدأ قطافه رطبا، وتحولت البصرة، التي كانت تعد أكبر غابة نخيل في العالم يصل منتوجها لمعظم إرجاء المعمورة، إلى سوق لصادرات تمر دول الجوار العربية.

لم تمض سنوات طويلة حين كانت البصرة، وحتى مطلع الثمانينات، تحتضن أكثر من 30 مليون نخلة تتفرد تمورها بالجودة والمذاق المعروف، التي كانت دول الخليج العربي من أكثر البلدان استهلاكا لها، وفي الوقت الذي تراجعت أعداد النخيل فيها نتيجة تداعيات ظروف متداخلة، إلى الدرجة التي فقدت فيها عرش أكبر غابة لسيدة الشجر، أعلنت موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية مؤخرا، أن دولة الإمارات العربية المتحدة دخلت الموسوعة كأول دولة في العالم بأعداد شجر نخيل التمر، التي يقدر عددها بأكثر من أربعين مليون نخلة. وحمل المعنيون بزراعة النخيل في أحاديث لـ«الشرق الأوسط» الحكومات المتعاقبة مسؤولية هذا التراجع، في أشهر زراعة عرفها الإنسان العراقي منذ أزمان بعيدة، إلى درجة لم تذكر البصرة إلا وكان تمرها مرادفا لها، مؤكدين أن «إهمال شكاوى أصحاب البساتين واللامبالاة في معالجة الظروف القاسية، التي عانت منها البساتين نتيجة الحروب، وانعدام مكافحة الآفات الزراعية، وانحسار المياه في شط العرب، وغياب التخطيط الزراعي، وعدم تنظيم الموارد المائية، وتهريب الفسائل، من الأسباب التي أدت إلى عزوف المزارعين عن إدامة بساتينهم وتطويرها بغرس أعداد جديدة، وبالتالي أدى إلى تناقص مريع لأعداد النخيل فيها».

وقال عمار الخصيبي، مالك بستان نخيل، إنه «منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية في عام 1988 التي ذبحت الآلاف من أشجار النخيل المنتشرة بساتينها على امتداد شط العرب، من منطقة أبي الخصيب (30كلم) جنوب البصرة وحتى رأس البيشة في منطقة الفاو، وهي آخر يابسة بالأراضي العراقية، وعدت الحكومة وقتذاك بإزالة الأعجاز الخاوية وزراعة فسائل بديلة منها، إلا أن تلك الأعجاز باقية لحد الآن».

وأضاف الخصيبي، أن «أصحاب البساتين والفلاحين استبشروا خيرا بتغيير النظام العراقي، لعلهم يجدون ما يسعف أوضاع البساتين، إلا أن المشكلة باتت أكثر تعقيدا، نتيجة انحسار مستوى المياه في مجرى شط العرب، مما أدى إلى جفاف الأنهر المتفرعة منه، التي تروي أعدادا كبيرة من أشجار النخيل، وعدم قدرة الأهالي على امتلاك مضخات كبيرة لضخ مياه الري، إضافة إلى غياب حملات مكافحة المبيدات، التي كانت تجري مرتين في السنة بواسطة رشها بالطائرات الزراعية».

وقال سامي محمد علي، مهندس زراعي، لقد «كنت عارفا بمشكلات بساتين النخيل، ولكني ذهلت عندما وجدت في أسواق الجملة بمنطقة العشار تمورا مستوردة من السعودية والإمارات، في الوقت الذي كانت فيه معظم دول الخليج العربية، وامتدادا إلى الهند وجنوب شرق آسيا والصين ودول أوروبا وأميركا تستورد تمر البصرة»، وتساءل «هل المثل العربي المعروف، بعد خراب البصرة، أعيدت إليه الحياة من جديد بعد مرور قرون على ضربه».

ويرى عودة المهيجران، فلاح، أن «زراعة النخيل من الأعمال الشاقة، وهي تختلف عن زراعة المحاصيل الأخرى كونها لا تمنح الثمر إلا بعد مرور من 5 إلى 7 أعوام على زراعة الفسيلة، ولهذا فهي تحتاج إلى دعم استثناني من الدولة، بتخصيص سلف وقروض طويلة الآجل وإدخال المكننة الزراعية وتوفير الحصص المائية وتشجيع أصحاب مصانع كبس التمور، التي اختفت من المدينة منذ أكثر من ثلاثة عقود، من أجل الحفاظ على أهم روافد البلد الاقتصادية بعد النفط، وحماية أجود أنواع التمور المهددة بالانقراض».