شكوك أهالي مدينة الصدر تستبق نوايا أمانة بغداد بتطوير سكنهم

مشروع يستبدل العقارات بشقق عمودية يتعارض وتوجهات السكان

جندي عراقي يؤمّن مصنعا لمعالجة المياه في أثناء مراسم الافتتاح في مدينة الصدر ببغداد بداية العام الحالي (رويترز)
TT

يشكك سكان أكبر مدينة سكنية شرق العاصمة بغداد بأي مبادرة حكومية لتطوير حياتهم، فمنذ أن قامت مدينة (الثورة) بمبادرة من عبد الكريم قاسم، أول رئيس حكومة في العهد الجمهوري، الذي يدين له سكان هذه المدينة بالولاء والمحبة، كونه أنقذهم من البقاء في العراء، وخصص لهم الأراضي لبناء المساكن والعيش بكرامة، منذ ذلك الوقت والسكان يعتقدون أن ثمة مؤامرات تحاك ضد وجودهم في هذا المكان من العاصمة.

والمثير أن الأحداث أيدت بعض شكوكهم، وذلك عندما طالبتهم الحكومات التي جاءت بعد قاسم بدفع بدل الأرض، التي خصصت لهم مجانا، ومن ثم محاولات التهجير والتضييق من قبل النظام السابق، قبل أن يبادر الرئيس العراقي السابق صدام حسين إلى وضع لمسات تطويرية غير حقيقية على المدينة، تمثلت في تعبيد بعض الشوارع وبناء مستشفى والقليل من المدارس، مقابل شراء محبة أهل المدينة، التي عرفت بتمردها بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة، التي يعيشونها منذ بناء مدينتهم، وإطلاق اسمه عليها (مدينة صدام) وزرع صوره في كل ميادينها وساحاتها، ولم يتغير وضع المدينة ولا أحوال أهلها، حتى عندما أطلق عليها البعض بعد تغيير النظام تسمية (مدينة الصدر)، إذ يصر سكانها على تمسكهم بمحبتهم للزعيم (قاسم) وبالاسم الذي أطلقه هو عليها (الثورة).

واليوم ترصد أمانة بغداد مبلغ 10 مليارات دولار في خطة لتطوير المدينة خلال 10 سنوات، ضمن مشروع أطلق عليه تسمية (10 (10 x الذي يتضمن إعادة تأهيل المدينة، التي تعد واحدة من أكبر مناطق بغداد مساحة وسكانا. ويتضمن المشروع خططا لتمليك الوحدات السكنية بأراضيها، وتعويض السكان بشقق حديثة وتعويضات مالية وفق القانون. وقد شكك غالبية من سكان المدينة بقدرة الأمانة على إقناع السكان بالتخلي عن دورهم بسبب تعقيدات وعلاقات اجتماعية متشابكة تسود بين السكان منذ قيام المدينة.

وناقشت أمانة بغداد خلال اجتماع ترأسه أمين بغداد صابر العيساوي، ضم فريق خطة إعمار مدينة الصدر آخر الإجراءات الخاصة بمشروع تطوير المدينة، التي يقطنها أكثر من مليوني شخص وفق تصاميم عالمية حديثة، لهذه المدينة، التي يقطنها نحو ثلاثة ملايين نسمة.

المتحدث الرسمي باسم الأمانة حكيم عبد، أكد أن الاجتماع تمخض عن ضرورة الاتفاق مع الاستشاريين العالميين، وعملية الإشراف على التنفيذ والإطلاع على الاستبيان، الذي جرى لبيان مدى رغبة أهالي مدينة الصدر بالمشروع، الذي كانت نتائجه إيجابية، وكذلك مناقشة أهم الخدمات التي يمكن الإبقاء عليها والإفادة منها لاحقا، كبعض خطوط النقل وشبكات ومشاريع الماء الصافي والصرف الصحي. وبين أن المرحلة الأولى من المشروع تشمل بناء ثلاث مجمعات سكنية عمودية في محيط مدينة الصدر، وبالتحديد مناطق (الحبيبية) جنوب المدينة و(حي أور) شمالها، وخلف السدة شرقها، وبمجموع لا يقل عن (30) ألف وحدة سكنية لهذه المجمعات الثلاث، وفق البناء العمودي بمساحات مختلفة مع كامل البنى التحتية، وبطراز معماري عالي النوعية والمواصفات. وأشار حكيم، إلى أن الأمانة ستقوم، إلى جانب تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع، بتملك عدة قطاعات مساوية لعدد الوحدات السكنية، وتحديد قيمة العقار المتملك عن طريق القضاء، ووفق القوانين الخاصة بالتملك والصلاحيات الممنوحة لأمانة بغداد، وتخيير المواطن المتملك بين التعويض بمبلغ للتملك أو تسليمه وحدة سكنية، والمحدد سعرها مسبقا مع فرق سعر داره، إذا كانت هناك زيادة، وتقسيط بقية المبلغ للمواطن إذا كان هناك عجز في المبلغ. سكان المدينة التي كان الكاتب العراقي عبد الله صخي، قد أرخ لوجودها وعلاقاتها الاجتماعية إبداعيا في رواية صدرت واشتهرت مؤخرا تحمل عنوان (خلف السدة) أثاروا خلال أحاديث لـ«الشرق الأوسط» شكوكهم بهذا المشروع، علاء الكعبي من سكان المدينة أكد قائلا، إن هناك تعقيدات كثيرة تمتاز بها هذه المدينة، فالمناطق التي تحدثوا عنها لبناء المجمعات هي أصلا مأهولة بالسكان، وأغلبهم متجاوزون على أملاك الدولة، لكنها وخلال السنوات الست الماضية، تحولت إلى قطاعات كبيرة، وفيها آلاف العائلات، فكيف ستقنع الدولة هذه العائلات بالرحيل، الأمر الآخر هو أن المدينة ومنذ نشأتها قسمت إلى قطاعات، مساحة البيت الواحد 200 متر، لكنها وبعد انشطار العائلات قسمت إلى قطع لا يتجاوز أكبرها الـ50 مترا، وفي كل منها ما لا يقل عن 10 أفراد، وهذا يعني أن القطاع الذي كان فيه 1000 وحدة سكنية أصبح يضم ما بين 3 آلاف إلى 4 آلاف وحدة، لكن العائلات تكيفت بشكل أو بآخر، وإن كانت تعاني التزاحم الذي ولد مشكلات اجتماعية واقتصادية كثيرة.

أبو زهراء، تاجر من المدينة، أوضح أن المدينة تقطنها تجمعات عشائرية، أكثر ما هي تجمع سكاني، فكل حي أو قطاع تجد فيه إحدى العشائر، وهذا سيصعب عملية التمليك فقد تدخل الأمانة بمشكلات عشائرية، مفادها أن البعض يريد أن يجتمع مع أهله وعشيرته كما كان سابقا، فكيف سيحل هذا الإشكال، كما نتساءل ماذا ستصنع الأمانة بالقطاعات، التي ستمتلكها، هل تبني فيها مجمعات سكنية أخرى ولمن تقدم.