بغداد: تحذيرات من عودة الجريمة المنظمة «غير الإرهابية».. ودعوات لحماية المصارف

سرقة نحو 6 ملايين دولار في سطو مسلح على بنك حكومي وقتل 8 من حراسه

TT

بعد هدوء نسبي شهدته العاصمة العراقية بغداد خلال الأشهر القليلة الماضية، وتحديدا تراجع حدة العمليات التي تنفذها العصابات المنظمة، أعاد حادث وقع في بغداد أمس المخاوف من تجدد أنشطة العمليات المنظمة غير الإرهابية أو ما يسمى بـ«الجريمة المنظمة».

وتمكن مسلحون في عملية مخطط لها بشكل جيد، أمس، من دخول أحد المصارف في وسط بغداد من دون خلع أو كسر، وقتل ثمانية من حراسه قبل سرقة 8 مليارات ونصف المليار دينار (6 مليون دولار)، حسب ما أفادت مصادر أمنية.

وأوضح المصدر أن «مسلحين مجهولين اقتحموا مصرف الرافدين، فرع الزوية في حي الكرادة داخل وقتلوا ثمانية من الحرس، وتمكنوا من فك الخزنة وسرقة الأموال». وأضاف أن «الشرطة عثرت فجر اليوم (أمس) على جثث خمسة من الحرس في إحدى الغرف والآخرين في غرفة مجاورة».

وكان مسلحون قد نفذوا هجوما على شركة «النبال» للصيرفة أول من أمس ما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص وإصابة عشرين آخرين من دون أن يسرقوا أموالا.

غير ان أحد موظفي المصرف قال لوكالة الصحافة الفرنسية أمس إن «المبلغ المسروق لا يقل عن 4.5 مليار دينار عراقي. وأضاف أن «المبالغ التي وصلت ظهر أمس الاثنين (أول من أمس) كرواتب لعناصر الشرطة والموظفين في وزارة الداخلية كانت قيمتها 5.6 مليار دينار، لكن اللصوص تركوا في الخزنة مليارا ومائة مليون من الفئات الصغيرة». وأكد أن «اللصوص دخلوا المصرف من دون تحطيم الأبواب والنوافذ».

بدوره، قال مصدر أمني: «عثرنا على ثمانية حراس مقتولين بالرصاص بعد أن وثقت أياديهم وكممت أفواههم». وأضاف أن «الحراس قتلوا بإطلاق النار على رؤوسهم من الخلف، أي بطريقة الإعدام، كما وضع الجناة مخدة في فوهة السلاح الرشاش بغية كتم الصوت».

وتجمع موظفو المصرف، وغالبيتهم من النساء، أمام المبنى، وبدأ بعضهم بالصراخ والبكاء لدى نقل جثث الحراس. وصاحت إحداهن: «الله أكبر على المجرمين، لم أرَ جريمة بهذا البشاعة، صارت السرقات مثل الأفلام الأجنبية، يسرقون المصارف ويقتلون ويختفون». فيما قالت أخرى: «أتمنى أن يشنق المجرمون ويعلقون هنا على باب المصرف ليكونوا عبرة لكل من يفكر بالسرقة والقتل».وقطعت قوات الأمن جميع الطرق المؤدية إلى المصرف، فيما وصل كبار قادة الجيش والشرطة بالإضافة إلى كوادر من التحقيقات الجنائية، والشؤون الداخلية.

من جانبه، قال مدير أحد أفرع «مصرف الرافدين» الحكومي لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك أمورا محيرة في هذه العملية تحديدا، وهي تختلف عن أي عملية سطو أخرى، كونها حدثت داخل المصرف وليس على سيارات لنقل الأموال للمصارف، والعملية تمت ليلا، أي إن جميع الأموال توضع في القاصة (الحصينة) التي تمتلك جميع الفروع منها، وهي من المتانة بمكان أنها غير قابلة للكسر أو النسف حتى لو استخدمت قنابل بالعملية، كما إن تفجيرها يعني حصول أصوات تسمع في عموم بغداد».

وأضاف أن «هذه القاصة فيها نظام معقد جدا لا يتأثر حتى لو وجهت عليه صواريخ قاذفة أو استخدمت معه آلات قطع الحديد باستخدام الغازات المحترقة»، وأضاف: «المعروف أن هذا المصرف تحديدا كان، وبعد سقوط النظام، بمثابة خزينة مصرف الرافدين، فأودعت فيه أموال (الرافدين) كونه الأكثر أمانا وفي منطقة شديدة الحماية، كما إن نظام فتح الخزينة السابق كان يتم بمفتاحين؛ واحد لدى مدير المصرف، والآخر لدى مدير الخزنة، أما الآن فعملية فتح الخزينة تتم صباحا بمفتاح يحتفظ به المدير، أما مسؤول الخزينة فيمتلك رقما سريا لا يعلمه أي موظف حتى المدير».

وبشأن حماية المصارف في العراق عموما، قال مدير المصرف إن «العدد يختلف من فرع لآخر بحسب نشاط الفرع وحجمه وحجم تداوله، فهناك مصرف بثمانية حراس يتناوبون فيما بينهم ليلا ونهارا، ومصارف أخرى فيها 20 حارسا أمنيا، لكن على الرغم من ذلك فتحتاج المصارف لتشديد أمني أكبر».

من جانبه، حذر خبير مالي من مغبة استمرار هكذا عمليات منظمة. وقال الخبير، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إن «على الدولة حماية المصارف ليلا ونهارا لأسباب غاية بالأهمية قد لا يعييها البعض، منها أن سرقة مصرف عراقي حكومي هو تعد على سيادة الدولة، كما أن له تأثيرات سلبية على مستوى الاستثمار العربي والأجنبي، وكذلك إقبال حتى المواطنين على التعامل المصرفي». وطالب الحكومة بـ«التحرك سريعا، مستعينين بالأجهزة المخابراتية للإمساك بالعصابة المنفذة وعرضهم على قنوات التلفزيون».

وأكد الخبير أن «حدوث عمليتين في أسبوع يعني عودة العمليات المنظمة للعصابات والعمليات النوعية»، غير أنه استبعد أن تكون هناك حالات تراخ في حماية المصارف. وأضاف أن «العديد من المصارف مجهزة بأجهزة أمنية، لكن العمل الإجرامي تطور أخيرا بعد الانفتاح على العالم».