مقرب من المحافظين لـ«الشرق الأوسط»: خامنئي منزعج من أحمدي نجاد.. والبرلمان يقيد صلاحياته

المرشد يخضع لمطالب الإصلاحيين ويغلق سجنا.. وإطلاق 140 معتقلا * موسوي: كيف يمكن أن يذهب شخص للسجن.. ثم يخرج جثة؟

متظاهرون يضعون أقنعة تحمل وجه ندا اغا سلطاني خلال مظاهرة في باريس (أب)
TT

كشف مصدر قريب من المحافظين في إيران أن المرشد الأعلى لإيران آية الله على خامنئي «منزعج ومستاء» من الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد على خلفية الطريقة التي تعامل بها أحمدي نجاد مع رسالة المرشد الأعلى بخصوص إقالة نائبه الأول وصهره اسفنديار رحيم مشائي. وقال المصدر الإيراني الذي عمل سابقا في الحرس الثوري لـ«الشرق الأوسط» إن المرشد الأعلى «شعر بالصدمة ولم يتصور أن يمتنع نجاد عن إطاعة أمر علني للقائد لمدة أسبوع». وتابع المصدر الذي لا يستطيع الكشف عن هويته بسبب حساسية الوضع في إيران: «تشاور المرشد مع مكتبه حول الطريقة التي يعالج بها الحرج بعد تحدي نجاد له، ثم قرر مكتبه بث خطابه للرئيس على الهواء مباشرة الجمعة الماضية كرسالة أخيرة لاحمدي نجاد». وقال المصدر الإيراني إن المرشد والمقربين منه «سيضعون تحركات احمدي نجاد تحت المجهر خلال الفترة المقبلة.. المرشد مستاء من احمدي نجاد ويعتقد أنه تصرف بطريقة عصبية تدل على قصر نظر». كما كشف المصدر الإيراني عن أن المحافظين «منقسمون» إزاء التعامل مع احمدي نجاد، موضحا أن هناك تيارا وسط المحافظين طلب من المرشد الأعلى أن «يرفع حمايته» عن احمدي نجاد، مما يفتح الباب أمام مساءلته على قراراته وسياساته في ولايته الثانية مما يعني إمكانية إقالته، فيما يرى تيار آخر من المحافظين المتشددين أنه «لا يمكن التخلي عن أحمدي نجاد الآن لأنه لا بديل له، كما أن إجراء انتخابات جديدة قد يحمل معه مخاطر على النظام غير معروفة العواقب». وكشف المصدر الإيراني أن مستشارين بارزين مقربين من المرشد الأعلى يميلون للخيار الأول وهو أن يرفع خامنئي حمايته عن احمدي نجاد. وتابع: «يرى هؤلاء المستشارون أن احمدي نجاد بات خطرا على مكانة المرشد وشعبيته في الشارع، ونصحوا خامنئي أن يأخذ خطوة بعيدا عنه..احمدي نجاد سبب عزلة كبيرة للمرشد الأعلى بسبب طريقته.. والمحافظون الذين يشعرون بالولاء للمرشد فقدوا كل ثقة في احمدي نجاد وأعتقد أن المرشد نفسه فقد الثقة فيه. لكن إقالته الآن قد تكون مخاطرة كبيرة. لذلك فإنهم سيحاولون أن يسيطروا عليه. احمدي نجاد أمام خيارين إما سيطرة المحافظين عليه أو إطاحة الإصلاحيين به». ويأتي ذلك فيما واصل المحافظون هجومهم على احمدي نجاد، إذ قالت صحيفة «حزب الله» الإيرانية المحافظة في افتتاحيتها: «للأسف سقط احمدي نجاد في امتحان الولاء للولي الفقيه». وأوضحت الصحيفة في الافتتاحية التي تعد الأشد من نوعها ضد نجاد من قبل المحافظين: «سيد احمدي نجاد. الموقع المحترم للولي الفقيه ليس ملجأ تلجأ إليه عندما تحتاجه، وتتجاهله عندما يتعارض مع مصالحك الشخصية». إلى ذلك، وفي خطوة أخرى لتطويق حكومة احمدي نجاد وتقييد صلاحياته في تعيين نواب له، أطلق البرلمان الإيراني إجراء يتيح له مناقشة اقتراح قانون بصورة عاجلة حول تحويل مناصب أربعة نواب للرئيس إلى وزارات بهدف تعزيز المراقبة على أحمدي نجاد. وذكرت وكالة «مهر» شبه الرسمية أمس أن الاقتراح يهدف إلى تحويل منصبي نائب الرئيس للشؤون السياحية ومؤسسة الشهداء إلى وزارتين ودمج نيابتي الرئيس للشؤون الرياضية والشباب في وزارة واحدة. وعين احمدي نجاد في الأيام الأخيرة مقربين منه على رأس هذه الهيئات الأربع، مما يعني أنه إذا أقر البرلمان القانون الجديد، فإن هذه التعيينات لن يؤخذ بها ويتعين على نجاد أن يعيد النظر فيها لنيل موافقة البرلمان عليها. وأوضحت وكالة «مهر»: «أن 117 نائبا من أصل 213 نائبا حضروا الجلسة، صوتوا على إعطاء الأولوية لمناقشة اقتراح هذا القانون». ويقضي الدستور الإيراني بموافقة نواب البرلمان على تعيين الوزراء، في حين أن الرئيس يعين نواب الرئيس، وهم أعضاء في الحكومة أيضا، لكن لا يخضعون لمحاسبة البرلمان أو التصويت بالثقة. وأوضحت الوكالة أن النواب الذين كانوا وراء تقديم اقتراح القانون «يعتقدون أن تحويل نواب الرئيس هذه إلى وزارات يتيح إخضاعها لمحاسبة النواب في البرلمان». ويأتي مشروع هذا القانون بعد الجدل الذي سببه في المعسكر المحافظ تعيين رحيم مشائي في منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية الإيرانية. وفي ملمح آخر على الصعوبات التي يواجهها احمدي نجاد في البرلمان، أشاد غالبية النواب الإيرانيين أمس بوزير الاستخبارات الذي أقاله نجاد على خلفية الأزمة حول تعيين مشائي، وذلك في تحد واضح للرئيس. ووقع 210 من بين 290 من إجمالي نواب البرلمان بيانا جاء فيه أن وزير الاستخبارات غلام حسين محسني ايجائي مر «بامتحان عظيم» في الدفاع عن المرشد الأعلى علي خامنئي. وقال البيان الذي نشرته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية إنه «في الأيام القليلة الماضية رأينا غلام حسين محسني ايجائي يمر بامتحان عظيم دافع فيه عن المرشد الأعلى وأظهر أنه لا يتردد عندما يتعلق الأمر بالدفاع عنه». وأقال احمدي نجاد وزير الاستخبارات الأحد بعد «شجار كلامي» حول تأخر قرار احمدي نجاد في التخلي عن مشائي حسب وكالة «مهر» للأنباء.

وذكرت وسائل الأنباء الإيرانية أن ايجائي أخبر احمدي نجاد أنه كان عليه التخلي عن مشائي عندما أمره خامنئي بذلك. وأصدر خامنئي الأمر في رسالة إلى احمدي نجاد بتاريخ 18 يوليو (تموز)، إلا أن الرئيس نفذ الأمر بعد أسبوع بعدما نشر المرشد خطابه للرئيس على التلفزيون الرسمي مما أثار انتقادات غير مسبوقة لنجاد من المعسكر المتشدد، تلاها استقالة وزير الإرشاد والثقافة صفار هرندي، مع بروز تقارير أن غالبية أعضاء الحكومة الحالية يريدون مغادرة الحكومة ولا يريدون العمل مع أحمدي نجاد في ولايته الثانية. وقال المصدر الإيراني في هذا الصدد: «خامنئي قد لا تكون لديه إمكانية للدفاع عن احمدي نجاد بنفس القدر، فهو خسر من الأزمة الحالية. اهتزت مكانته كولي فقيه من قبل الشارع. واهتزت مكانته لدى الإصلاحيين الذين تحدوا قراراته ورفضوا التصديق على الانتخابات أو الاعتراف بحكومة احمدي نجاد، واهتزت مكانته من قبل احمدي نجاد الذي رفض علانية ولمدة أسبوع تنفيذ أمر مكتوب بإقالة صهره. واهتزت مكانته من قبل الحوزة العلمية في قم على يد مراجع التقليد الذين قالوا إن شرعية النظام من رضاء الشعب، مما يجعل النظام الحالي غير شرعي». ومن المقرر أن يقسم نجاد اليمين الدستورية يوم 5 أغسطس المقبل على أن يعلن تشكيلة حكومته الجديدة المكونة من 21 وزيرا بحلول نهاية أغسطس (آب). إلا أنه لا يتوقع أن يشارك التكنوقراط المعروفون أو ذوو الخبرة في الحكومة الجديدة التي يتوقع أن تتعرض لمقاطعة من رجال الأعمال والتكنوقراط المقربين من الإصلاحيين، وإذا اضطر احمدي نجاد إلى اختيار وزراء محسوبين على المحافظين المتشددين فإن البرلمان سيقف له بالمرصاد. ووفقا للدستور الإيراني فإن البرلمان يجب أن يصدق على تعيينات الحكومة. وإذا صوت البرلمان بعدم الثقة على تعيينات الحكومة، فإن المرشد الأعلى لإيران يحق له إقالة الرئيس من منصبه. وقد يجد المرشد الأعلى نفسه مضطرا لهذا الخيار إذا ما وجد أن منصبه هو نفسه مهدد. إلى ذلك، وفي خطوة تستجيب لمطالب الإصلاحيين وكبار رجال الدين في إيران، أمر خامنئي بإغلاق معسكر احتجاز «كهريزك» المحتجز فيه عدد من الإصلاحيين والمتظاهرين، الذي تردد أن معتقلين فيه قد قتلوا خلال التحقيق معهم. ونقلت وكالة «مهر» شبه الرسمية للأنباء عن عضو البرلمان الإيراني كاظم جليلي قوله إنه صدرت تعليمات من المرشد بإغلاق معسكر الاحتجاز لأنه يفتقر للمعايير الخاصة بالحفاظ على «حقوق المحتجزين». وكانت بعض المواقع الإصلاحية على الإنترنت ذكرت أن بعض المحتجزين الذين شاركوا في الاحتجاجات في أعقاب انتخابات الرئاسة الإيرانية التي جرت في 12 يونيو (حزيران) موجودون في معسكر احتجاز «كهريزك». وأوضح جليلي المتحدث باسم لجنة برلمانية خاصة أنشئت للتحقيق في الاعتقالات بعد الانتخابات، أن معسكر «كهريزك أمر الزعيم الأعلى بإغلاقه لأنه يفتقر للأوضاع اللازمة للحفاظ على حقوق المحتجزين». كما قال جليلي إن 140 سجينا كانوا اعتقلوا بعد المظاهرات الضخمة التي شهدتها إيران أطلقوا من سجن «ايفين» جنوب طهران أمس بعدما زارت لجنة برلمانية تحقق في أوضاع المعتقلين السجن، موضحا أنه تم إطلاق سراحهم بكفالة بسبب ضعف الأدلة ضدهم. إلا أن جليلي أوضح أن 150 معتقلا آخرين ما زالوا في سجن «ايفين»، فيما يعتقل نحو 500 آخرين في سجون أخرى. وإطلاق سراح المعتقلين في السجون الإيرانية هو المطلب الأول لرئيس مجلس الخبراء ومجلس تشخيص مصلحة النظام على أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي قال في خطبة الجمعة قبل الماضية إنه لا يمكن الصمت على مواصلة اعتقال المئات دون محاكمة أو أدلة أو جريمة. كما أن إطلاق سراح السجناء هو المطلب الأول لقادة الحركة الإصلاحية مير حسين موسوي ومهدي كروبي ومحمد خاتمي. ويعد إطلاق السجناء أمس أوضح دليل على الضغوط المتعددة التي يتعرض لها المرشد الأعلى في إيران والمحافظون من قبل كثير من النافذين في البازار وكبار مراجع التقليد في قم والنافذين في مؤسسات الحكم الإيرانية الرافضين لاستمرار الاعتقالات، خاصة بعد إعلان وفاة شابين خلال التحقيق معهما الأسبوع الماضي. ويأتي ذلك فيما قال تلفزيون «برس تي في» الإيراني الرسمي الناطق باللغة الانجليزية أمس عن سعيد جليلي سكرتير مجلس الأمن القومي الإيراني أن «المرشد الأعلى أصدر أمرا صارما لضمان أن لا يلحق أي ظلم بأي شخص في أعقاب الأحداث التي وقعت مؤخرا». وأضاف أنه «على سبيل المثال أمر بإغلاق مركز اعتقال لا تتوفر فيه المعايير المطلوبة». إلا أن جليلي لم يحدد موقع السجن، لكن يعتقد أنه سجن «كهريزك». وقال جليلي إن خامنئي أمر السلطات المعنية «بالتحقق في الحالات التي يمكن أن تكون تعرضت لاعتداءات في السجون»، وذلك وفقا لما ذكر تلفزيون «برس تي». وكانت السلطات الإيرانية قد أعلنت تشكيل لجنة من 3 شخصيات للتحقيق في الاعتقالات بعد الانتخابات الإيرانية. فيما أعلن البرلمان الإيراني في خطوة مستقلة تشكيل لجنة أخرى من قبل لجنة الأمن القومي في البرلمان للتحقيق في حالات الاعتقالات نزولا أيضا على مطالب رفسنجاني الذي دعا في خطبة الجمعة إلى لجان تحقيق في الاعتقالات. من ناحيته، دعا علي لاريجاني رئيس البرلمان الإيراني إلى الإفراج عن المعتقلين للحيلولة دون أي انتهاكات لحقوق الإنسان. ونقلت وكالة «إيلنا» شبه الرسمية عن لاريجاني قوله إن «المعتقلين خاصة من الطلاب والأكاديميين يجب أن يعاملوا بعدالة ورحمة إسلامية، وإذا كانت هناك حالات يمكن العفو عنها، يجب الإفراج عن أكبر عدد للحيلولة دون أي استغلال». وكان آية الله محمود هاشمي شهرودي رئيس القضاء الإيراني قد أمر بالبت في مصير الموقوفين خلال أسبوع. وأعلن علي رضا جمشيدي المتحدث باسم شهرودي لوكالة «مهر» أن «آية الله هاشمي شهرودي أمر بالبت خلال الأسبوع الحالي في مصير الأشخاص الموقوفين خلال المظاهرات الأخيرة». وأضاف أن «المساجين الذين لم يرتكبوا جرائم تستحق إبقاءهم قيد الاعتقال سيفرج عنهم». ووسط ضغوط مكثفة لإجراء تحقيق خاص حول وفاة الشابين محمد كرماني ومحسن روح الله أميني في السجن، نفى سهراب سليماني رئيس السجون في طهران أن يكون المتظاهران قد توفيا بسبب تعرضهما للضرب في السجن، وأكد أنهما أصيبا بالتهاب السحايا. وقال سليماني لصحيفة «دنيا» أن «روح الأمين لم يدخل سجن ايفين في طهران وكان يعاني من التهاب السحايا. وكان في طريقه إلى ايفين إلا أنه شعر بالمرض ونقله حراس الأمن إلى المستشفى». وأضاف أنه تم الإفراج عن كرماني وتسليمه إلى عائلته وهو على قيد الحياة، كان هو كذلك يعاني من التهاب السحايا. وأوضح أنه «توفي بعد يوم من الإفراج عنه». لكن زعيم المعارضة مير حسين موسوي تساءل مشككا في رواية سليماني أنه إذا كان روح الأمين «توفي بسبب التهاب السحايا، كيف إذن كانت أسنانه مكسورة». وطالب موسوي بإجراء تحقيق فوري في ملابسات مقتل روح الله أميني، قائلا: «يعرفون ماذا حدث. هذا ليس ما نتوقعه من الجمهورية الإسلامية والنظام».

ويأتي ذلك فيما أفادت صحيفة «سرمايه» الإصلاحية أمس أن حياة معتقل إصلاحي آخر هو سعيد حجاريان مستشار الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، معرضة للخطر. وقالت فاجيهه ماروسي زوجة سعيد حجاريان إن حياة زوجها في خطر، مضيفة أنها التقته في سجن ايفين. وأشارت إلى أن سعيد حجاريان «أجلس أمام كاميرا ولم يكن بإمكانه التحدث عما يجري له نظرا لوجود مسؤولين أمنيين». وأضافت «لقد بدا شاحبا.. وضعيفا للغاية ومكتئبا للغاية، وقد بكى طوال الاجتماع. وكانت رائحة جسمه كريهة، وقال إنه كان يوضع تحت الشمس كأسلوب للضغط عليه». يذكر أن حجاريان من أهم الوجوه الإصلاحية في إيران وكان قد شل خلال محاولة لاغتياله في ولاية الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي. وشن موسوي هجوما حادا على قوات الأمن وتنصلها من مسؤولية المعتقلين قائلا: «كل أقسام الاستخبارات والباسيج تقول إن هؤلاء الذين اعتقلوا المتظاهرين لا يعملون لدى الاستخبارات أو الباسيج. فمن أين هؤلاء؟ هل أتوا من المريخ؟ من يصدق هذا». قائلا في تجمع أمام أساتذة ومعارضين أول من أمس، إن «الاعتقالات والقتل في السجون كارثة» وأن الوضع أسوأ في الانتهاكات خلال عهد الشاه، موضحا: «لم نجرب شيئا كهذا قبل الثورة. الناس لن تنسى هذه الأفعال. كيف يمكن أن يذهب شخص للسجن، ثم يخرج جثة». إلى ذلك، أعلن مسؤول في وزارة الداخلية الإيرانية أن السلطات لم تسمح للمعارضة بتنظيم حفل لإحياء ذكرى الذين سقطوا في المظاهرات الاحتجاجية على إعادة انتخاب احمدي نجاد.