استخدام برامج المساعدات الأميركية لمنع التمدد الأصولي

جدل حول ترميم 4 مساجد بالفلوجة العراقية التي كانت معقلا لمتمردي القاعدة

TT

قبل ثلاثة أعوام، عندما كان كليفورد إتش براون يعمل لصالح الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في قرغيزستان، واتته فكرة رأى أنها سوف تساعد على منع انتشار الإسلام الراديكالي في هذا القطر الذي يقع في وسط آسيا. كانت جامعة مونتانا قد اقترحت ترجمة مؤلفات إسلامية من الفارسية والعربية إلى لغات محلية قرغيزية وأوزباكية، وكان يأمل براون أن يكون لهذه الترجمات أثر معتدل في وقت كان ينشر فيه «حزب التحرير الإسلامي» نفوذه في مختلف أنحاء المنطقة. وبعد ذلك كتب في ورقة يصف جهوده لتمويل هذه المبادرة: «يحتوي الإسلام على أدبيات معتدلة كثيرة تقول، مثلا، إن الانتحار ذنب كبير في حق الله، وهذه ليست فكرة سيئة، هكذا رأيت في ذلك الوقت».

ولكن، اعترض محامو الوكالة الأميركية للتنمية الدولية على هذا المقترح، قائلين إن استخدام أموال دافعي الضرائب سوف يتضمن إخلالا بنص في التعديل الأول يمنع ترويج الحكومة للدين. كما منعت الوكالة براون من نشر الرأي الذي يوضح فيه حجته، حسب ما قاله براون ومسؤول بارز في الوكالة. وقال محام يعمل في الوكالة إن نشر الورقة كان سيمثل تعديا على القيود الحكومية على نشر المعلومات ذات الطابع الخاص.

وقد كان دور الدين في تقديم المساعدات للدول الأخرى أمرا ذا حساسية كبيرة بالنسبة لبلد تأسس على مبدأ الفصل بين الدين والدولة. ولكن في الوقت الذي يسعى فيه واضعو السياسات الأميركيون إلى الحد من تأثير الإسلام الراديكالي، تعوقهم بصورة متزايدة حواجز قانونية، حسب ما يقوله خبراء. وتقدم الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تمويلا لمنظمات لها مرجعية عقدية، وأغلبها مؤسسات مسيحية، في حال قالت هذه المنظمات إن المساعدات سوف تكون محصورة على خدمة أهداف لا علاقة لها بالدين. ولكن غالبا ما يكون هناك غموض حول الفاصل بين ما هو علماني وما هو ديني. وفي الأسبوع الماضي، أثار مكتب المفتش العام بالوكالة الأميركية للتنمية الدولية مخاوف إزاء إنفاق الوكالة أكثر من 325000 دولار على ترميم أربعة مساجد ومبان مجاورة في مدينة الفلوجة العراقية، التي كانت يوما معقلا للمتمردين.

وتقول الوكالة إن معظم المال استخدام في ترميم منشآت تقدم وظائف وخدمات مجتمعية وغذاء وغيرها من الأساسيات للمحتاجين. وتشير الوكالة إلى أنها منعت دفع أكثر من 45000 دولار لترميمات في مساجد، حيث لم يستطع المتعهد أن يبرهن على أن هذا العمل له أهداف بعيدة عن الدين.

ومع ذلك، يقول بعض الأكاديميين إن القيود على الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وغيرها من المؤسسات المدنية الأميركية قوضت من قدرة الولايات المتحدة على كسب قلوب وعقول المسلمين في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا، حيث يلعب الإسلام دورا مركزيا في الحياة العامة والخاصة. وتقول كارين فون هيبل، وهي زميلة بارزة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن القادة العسكريين كانوا يتمتعون بحرية أكبر في تمويل الأهداف الإسلامية، مثل إعادة ترميم المساجد وتقديم مساعدات للمدارس الدينية. وتقول إن الهيئات المدنية الأميركية تحتاج إلى أن تتمتع بالقدر نفسه من المرونة. وتقول فون هيبل إن الكثير من المسؤولين يتجنبون المؤسسات الخيرية الإسلامية لأنهم لا يفهمون كيف تعمل هذه المؤسسات، ويخشون من أن حياتهم المهنية يمكن أن تتعرض للضرر إذا ما دعموا دون قصد كيانا تبين بعد ذلك أنه مرتبط بمسلحين. وفي قلب الجدل يوجد خلاف حول الهدف من النص المدرج في التعديل الأول الذي يمنع الكونغرس من تحديد دين رسمي للدولة أو منع حرية التعبير عن الفكر الديني. ويقول براون، الذي عمل محاميا للوكالة الأميركية للتنمية الدولية على مدى أكثر من عقد، إنه يعتقد أن التعديل الأول لا ينطبق على المساعدات خارج البلاد. ويقول براون: «وضعنا القانون محافظا للغاية، فقد دخلنا في حرب على الإرهاب. يشعر المحامون بالقلق بخصوص الارتباط بصورة مبالغ فيها بالدين. حسنا، نحن مرتبطون بالفعل». ويؤكد براون على أن الجهود الأميركية لتعزيز الديمقراطية وبناء المدارس والطرق والعيادات في العالم الإسلامي لن تنجح ما لم يساعد المسؤولون الأميركيون على تعزيز انتشار الإسلام المعتدل ورسالة السلام التي يحملها.

ويقول غاري وينتر، المستشار القانوني للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، إن الوكالة لن تمول يوما أي برنامج له هدف ديني. وأضاف أنه «على الرغم من ذلك فإن الاختبار القانوني يتجاوز هذا إلى (إدراج) تطبيق الدين والتوعية بالأديان والارتباط بصورة مبالغ فيها مع الدين. حاولنا أن نحقق هدفنا البعيد عن الدين مع عدم الإخلال بهذه المبادئ القانونية». ويقول وينتر إن هناك وسائل يمكن من خلالها للوكالة الأميركية للتنمية الدولية أن تقدم المساعدة إلى المؤسسات الإسلامية دون الإخلال بالقانون. وقال إنه على سبيل المثال يمكن للوكالة أن تمول الكتب المدرسية في مادة الرياضيات أو فصول اللغة الإنجليزية داخل المدارس الإسلامية في أفغانستان، مع ترك برامج الدراسات القرآنية لآخرين. وإذا اختارت الوكالة قياديا دينيا محليا من أجل دعم برنامج لمحاربة الإيدز، فإنها يمكنها أن تقلل من المحتوى الديني للعمل الخيري. وقال: «إذا كنت تتحدث عن السلوك الجنسي، فلا تحتاج بالضرورة إلى الكتاب المقدس».

وقد ذهب القليل من تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى تنظيمات إسلامية خلال الأعوام الأخيرة. وفي الفترة من 2001 حتى 2005 ذهب أكثر من 98 في المائة من تمويل الوكالة لمؤسسات لها مرجعية عقائدية إلى مؤسسات مسيحية، حسب ما أفادت به بيانات حصلت عليها صحيفة «بوسطن غلوب» عام 2006 بموجب قانون حرية المعلومات. ويقول وينتر إن معظم المؤسسات ذات المرجعية العقائدية التي تقدم طلبات للحصول على المساعدات كانت مؤسسات مسيحية، وأضاف أن الوكالة حريصة على الوصول إلى المعتدلين الإسلاميين.

وفي الوقت نفسه، دعا بعض الخبراء إلى الحذر على هذا الصعيد. ويقول جوناثان بينثال، المتخصص في علم الإنسان يونيفرستي كولدج لندن، إن هناك مخاطر كبيرة في التدخل في الإسلام. وأشار إلى أنه عندما قدمت الحكومة الأميركية دعما إلى الميليشيات التي عارضت الغزو السوفياتي لأفغانستان خلال الثمانينات، استخدم المال في إحدى الحالات لدعم صحيفة تروج للجهاد المسلح. واسترجع براون أن الوكالة علمت في يوم ما أن برنامجا كانت تدعمه في أفغانستان خلال الثمانينات استخدم كتبا مدرسية في المرحلة الابتدائية تناولت حياة وآراء النبي محمد. وقال براون إنه لإظهار حساسية القضية، سحب محام بارز في الوكالة سجادة صلاة أفغانية من درجه وعرضها على زملائه. كان شعار الوكالة الأميركية للتنمية الدولية موجودا على ظهر السجادة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»