لماذا انقلب جنبلاط على «14 آذار»؟

الزعيم الدرزي يتخوف من اندلاع اشتباكات جديدة مع حزب الله.. ويطمح لدور الوسيط وتحقيق مكاسب إضافية

TT

لم تكن المفاجأة إعلان النائب الدرزي وليد جنبلاط انقلابه على حركة «14 آذار»، بل إن توقيت الإعلان هو الذي شكل المفاجأة. إذ جاء قرار جنبلاط بانفصاله عن «14 آذار»، في وقت يصارع فيه رئيس الحكومة المكلف النائب سعد الحريري، لتشكيل حكومته الأولى التي تخطت كل العقبات.. باستثناء توزيع الحقائب على الطوائف والأحزاب.

وتقول مصادر مقربة من «14 آذار» إن قادة الحركة التي تأسست بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، كانت تعلم بوجود «النزعة الانقلابية» لدى الزعيم الدرزي. وتشير إلى أن هذه النزعة بدأت منذ أحداث 7 مايو (أيار) العام الماضي، حين اندلعت اشتباكات دامية بين حزب الله وأنصار تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي (الذي يرأسه جنبلاط).

وتقول المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن جنبلاط أصبح «شخصا آخر بعد أحداث 7 أيار، وبات يعيش بخوف دائم من صراع مع حزب الله». وتشير إلى أن «توتر» جنبلاط ذهب لدرجة أنه أبدى انزعاجه من شعار «لبنان أولا» الذي اعتمدته «14 آذار» في حملتها الانتخابية، وقال حينها إنه شعار «انعزالي وتقسيمي».

وتضيف أن «مخاوف جنبلاط مستندة إلى شعوره» بأن المحكمة الخاصة بلبنان التي ستحاكم قتلة الحريري، «قد تصدر قرارات تدين حزب الله، وهو ما سيؤدي إلى اشتباكات جديدة في لبنان بين حزب الله وخصومه من السنة والدروز». وتروي المصادر أن جنبلاط «يعيش بخوف» من عودة الاشتباكات الدموية التي اندلعت في بيروت في العام الماضي، ووصلت إلى الجبل، معقل الدروز، وانتهت بخسائر كبيرة في الأرواح لدى الطرفين. وتقول إن تقلب موقفه، وحديثه عن أن قوى «14 آذار» ذهبت «بعيدا في معاداة الشيعة وسورية»، سببه «عدم رغبة جنبلاط بالدخول في قتال وحروب داخلية من جديد، خصوصا أنه يشعر أن الدروز هم الوحيدون الذين سيبقون في مواجهة حزب الله».

وتتحدث المصادر المقربة من «14 آذار»، عن أن «عقدة الـ60» باتت تلاحق جنبلاط أخيرا، وأن «لديه إحساسا بأنه سيتم اغتياله في سن الستين، كما حصل مع والده كمال جنبلاط». ووليد جنبلاط ولد في 7 أغسطس (آب) 1949، أي أنه يحتفل بعيد ميلاده الستين بعد ثلاثة أيام.

إلا أن قرار جنبلاط بتغيير تحالفاته ليس سببه فقط انزعاجه من موقف المواجهة الذي وجد نفسه فيه مع حزب الله، بل هناك أيضا عدة أسباب أخرى دفعت به إلى إعلان «فك ارتباطه» بـ«14 آذار» في هذا الوقت بالذات. وأحد هذه الأسباب يتعلق بزعامة جنبلاط داخل الطائفة الدرزية التي باتت تشكل تحديا بالنسبة إليه، مع بروز محاولات لتعزيز دور زعامات أخرى في مواجهته. فهناك مثلا الوزير السابق وئام وهاب المقرب من سورية، الذي كاد يصبح في موقع منافسة مع جنبلاط، والوزير السابق طلال أرسلان الذي حظي أيضا بترحيب كبير من الجالية الدرزية في سورية أخيرا، علما بأن أصواتا درزية علت داخل سورية تنتقد تطرف جنبلاط ومهاجمته دمشق لأن مواقفه تؤثر عليها سلبا.

وإلى جانب ذلك، هناك جانب سياسي ذو بعد إقليمي. إذ يقول الصحافي اللبناني علي الأمين إنه مع انتخاب الرئيس اللبناني ميشال سليمان، الذي اتفق على تسميته بالرئيس التوافقي، «بدا أن هناك حركة إقليمية مختلفة عن السابق». ويتحدث عن «بروز مؤشرات لتوافق سوري ـ سعودي، بدأت مع انتخاب سليمان رئيسا توافقيا، ثم تتابعت مع الحديث عن كتلة سياسية وسطية برئاسة سليمان». ويشير الأمين حتى إلى دعم أميركي لهكذا كتلة وسطية، مستندا في ذلك إلى تصريح أدلت به وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لدى زيارتها بيروت قبل الانتخابات النيابية، حين أكدت على دعم بلادها لدور رئيس الجمهورية وتكلمت عن الكتلة الوسطية.

ويرى الأمين أن جنبلاط يدرك أن «الموقع الذي هو فيه الآن داخل 14 آذار، قد استهلك، وأخذ منه كل ما يمكنه أخذه، بينما الموقع الوسطي يمكنه أن يؤمن له مكاسب أخرى جديدة». ويشير إلى أن جنبلاط يريد طي صفحة العلاقة السيئة مع سورية، وأن عينه اليوم على دمشق. ويرى الأمين أن تصريحات جنبلاط قد تكون تصب في إطار بداية مرحلة التصالح مع سورية، وتمهيدا لزيارة يريد أن يقوم بها إلى دمشق.

وإذا ما صح الحديث عن إرادة جنبلاط الانضمام إلى كتلة وسطية، يكون بذلك يكرر دور والده كمال جنبلاط في عام 1970. حين وقع صراع على الرئاسة بين سليمان فرنجية وإلياس سركيس، ففاز الأول بفارق صوت واحد، وكان لكمال جنبلاط كتلة من ثلاثة نواب داخل البرلمان هي التي قلبت الميزان، رغم أنها كتلة صغيرة. واليوم لدى جنبلاط 12 نائبا في البرلمان، ويمكن لانسحابه من قوى «14 آذار» أن يغير موازين القوى في البرلمان.

ويقول الأمين إنه من المستبعد أن ينضم جنبلاط لتكتل المعارضة، ويحاول في المقابل أن يلعب دورا مثل الدور الذي لعبه والده: دورا وسطيا ينقل الأكثرية من مكان إلى آخر.

وإذا كان إعلان جنبلاط غير مستغرب، فإن التوقيت أيضا بدا مفهوما. إذ جاء في وقت بدأت فيه معركة توزيع الحقائب داخل الحكومة التي لم تشكل بعد. وقد ظهرت الأسبوع الماضي تصريحات عن نواب في كتلة جنبلاط تؤكد «تمسك الدروز» بوزارة الأشغال العامة، في وقت تسربت معلومات عن صراع يدور بين «القوات اللبنانية» وحزب جنبلاط حول الوزارة. وقيل إن الحريري يفضل تسليم الوزارة إلى وزير في حزب القوات اللبنانية. وتقول مصادر أخرى مطلعة على مفاوضات تشكيل الحكومة، إن «الأكثرية لم تتفاجأ بإعلان جنبلاط إلا أنها تفاجأت بالتوقيت»، وتضيف أن «هذا يطرح تساؤلات إذا ما كان جنبلاط يصعد في مواقفه بسبب خلاف مع الحريري حول بعض المقاعد الوزارية، ولوضع ضغوط على الحريري لتأمين مكاسب أكبر».

ولكن بالإضافة إلى كل ما ذكر عن الأسباب التي دفعت جنبلاط للانقلاب على «14 آذار»، يقول البعض إن الزعيم الدرزي هو قارئ سياسي يستشعر الحركة الدولية والإقليمية بشكل مسبق. وقد يكون هذا ما دفعه إلى اتخاذ موقف أكثر تصالحية مع سورية وحلفائها في لبنان، وشعوره بأن المرحلة المقبلة هي مرحلة توافق أكثر منها مرحلة تباعد، ويكون بذلك يحجز لنفسه دورا في المقدمة عندما ترتسم المعادلة الجديدة.