تساؤلات حول عدم تقبيل أحمدي نجاد يد خامنئي.. وقصة الزكام

رفسنجاني يغيب لأول مرة عن مراسم تنصيب الرئيس.. وآية الله جنتي يجلس مكانه

أحمدي نجاد خلال خطابه أمس وإلى يمينه آية الله خامنئي وعلي لاريجاني وآية الله جنتي الذي جلس مكان رفسنجاني فيما ظهر آية الله محمود شهرودي على يساره (أ.ب)
TT

لأول مرة في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ تشكلت بعد ثورة عام 1979 يغيب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، إحدى أهم المؤسسات الثلاث الحاكمة عن حفل تصديق المرشد الأعلى لإيران على انتخاب رئيس جديد للجمهورية. فقد غاب علي أكبر هاشمي رفسنجاني عن المناسبة في دلالة على عمق الخلافات بينه وبين المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بعد أزمة الانتخابات الرئاسية.

ويعد غياب رفسنجاني بوصفه رئيسا لمجلس الخبراء ورئيسا لمجلس تشخيص مصلحة النظام، علامة أخرى على الصعوبات التي ستكتنف علاقات المؤسسات الحاكمة في إيران مع بعضها البعض بعد تولي أحمدي نجاد رسميا للرئاسة. فوفقا للقوانين الإيرانية يفصل مجلس تشخيص مصلحة النظام، الذي يرأسه رفسنجاني منذ 18 مارس 1997، في الخلافات بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور، كما يصدق على تشريعات البرلمان ويراقب أداء الحكومة. وقد تأسس المجلس في 6 فبراير (شباط) عام 1988 بقرار من مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله الخميني لفض الخلافات بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور حول القوانين التي يقرها البرلمان وما إذا كانت تتفق مع الشريعة والدستور أم لا، وتصبح قرارات المجلس نافذة بعد مصادقة المرشد الأعلى عليها. كما أن من مهام مجلس تشخيص مصلحة النظام تقديم استشارة للمرشد الأعلى فيما يتعلق بالسياسات العامة للبلد ومسائل الأمن الوطني. وفي حالة وفاة المرشد الأعلى، أو عجزه عن القيام بمهامه بقرار من مجلس الخبراء، الذي يرأسه رفسنجاني أيضا، يختار مجلس تشخيص مصلحة النظام عضو مجلس القيادة الذي سيتولى مهام المرشد حتى انتخاب مرشد جديد. وقد جعلت هذه الصلاحيات الهامة والحيوية مجلس تشخيص مصلحة النظام إحدى أهم 3 مؤسسات في النظام مع المؤسسة القضائية والبرلمان، بعد منصب المرشد الأعلى. ولم يعلن رفسنجاني أسباب مقاطعته حفل التصديق على ولاية أحمدي نجاد، إلا أن مصادر إصلاحية إيرانية قالت لـ«الشرق الأوسط» إن رفسنجاني «لن يعترف بشرعية الحكومة أو الانتخابات» و«غاضب» من استمرار اعتقال كبار المسوؤلين في الحركة الإصلاحية والتقارير عن تعرضهم للضغط الجسدي والنفسي للاعتراف بمخطط من قبل رفسنجاني ومحمد خاتمي ومير حسين موسوي ومهدي كروبي للحد من سلطات المرشد الأعلى، وأن خطة التشكيك في نزاهة الانتخابات أعدها قادة الإصلاحيين منذ 3 سنوات. وكان لافتا أن خامنئي جلس أمس في المنتصف، فيما جلس على يمينه أحمدي نجاد، الذي سيتولى مهامه رسميا اليوم، ثم رئيس المؤسسة القضائية آية الله محمود شهرودي الذي سيغادر منصبه نهاية الشهر الحالي ليحل محله رجل الدين صادق لاريجاني. بينما جلس على يسار خامنئي رئيس البرلمان علي لاريجاني، الذي انتقد الاعتقالات خلال الأزمة، كما انتقد أحمدي نجاد بسبب تعيينه لصهره اسفنديار رحيم مشائي في منصب نائبه الأول، وعلى يسار لاريجاني جلس آية الله جنتي رئيس مجلس صيانة الدستور الذي جلس مكان رفسنجاني.

وكان لجنتي دور كبير في الأزمة الحالية، إذ أن مجلس صيانة الدستور الذي يرأسه كان الجهة التي صدقت على المرشحين للانتخابات، كما كان الجهة التي صدقت على النتائج ونفت حدوث مخالفات انتخابية. وما زال من المبكر استكشاف كيف ستكون علاقة حكومة أحمدي نجاد مع مجلس تشخيص مصلحة النظام برئاسة رفسنجاني، إذ أن تركيبة السلطة في إيران تحتم أن ينسقا ويتفقا على السياسات العامة وأن تكون بينهما اتصالات منتظمة، إلا أن مصدرا مقربا من رفسنجاني عمل مع ابنه مهدي رفسنجاني قال لـ«الشرق الأوسط» في هذا الصدد: «لن تكون هناك علاقة بين الطرفين بحد علمي. السيد هاشمي اتخذ موقفا واضحا وقدم يوم 17 يوليو مطالب الشعب لتخفيف الاحتقان. لكن لم يجد آذانا صاغية. وطالما ظل الوضع على ما هو عليه، ستظل المقاطعة لحكومة نجاد. هذا هو موقف كبار مسؤولي الدولة وآيات الله الذين اختاروا الوقوف مع الشعب». وكان رفسنجاني قد دعا في خطبة الجمعة يوم 17 يوليو (تموز) الماضي إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين ومحاسبة المسؤولين عن مقتل المتظاهرين في الشارع والاستماع إلى أصوات الشعب الإيراني والاعتراف بأن إيران في أزمة، وأنه يجب على السلطات أن تحاول حل تلك الأزمة.

وكما كان غياب رفسنجاني، الذي سيغيب أيضا عن حفل قسم أحمدي نجاد اليمين الدستورية، محل تساؤلات، سادت تساؤلات أيضا في إيران أمس حول «امتناع» أو «منع» أحمدي نجاد من تقبيل يد خامنئي خلال مراسم تصديق المرشد على تعيينه رئيسا لولاية ثانية. ففيما قالت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) إن خامنئي منع محمود أحمدي نجاد من تقبيل يده، قالت مواقع إيرانية إن أحمدي نجاد لم يقبل يد المرشد بسبب إصابته بالزكام.

وكان لافتا أن «إرنا» اهتمت بعدم تقبيل أحمدي نجاد ليد المرشد، فبثت خبرا مستقلا يوضح الملابسات، موضحة: «على غرار ما حصل قبل أربع سنوات.. أراد محمود أحمدي نجاد تقبيل يد المرشد الأعلى لكنه منعه». وأضافت «وعندما طلب أحمدي نجاد السماح له بتقبيل كتف المرشد، وافق المرشد على طلبه بابتسامة». وقد بث التلفزيون الإيراني صورا تظهر المرشد يتراجع خطوة إلى الوراء حين كان أحمدي نجاد يهم بتقبيل يده. ويعتبر تقبيل اليد في إيران دلالة كبيرة على الاحترام، إلا أنه نادر بين كبار المسؤولين. وقال مسوؤل إيراني إصلاحي لـ«الشرق الأوسط» تعليقا على عدم تقبيل أحمدي نجاد ليد المرشد: «هل يحتاج إلى أخذ أمر. في المرة الأولى عام 2005 عندما قبل يده، انحنى بشكل تلقائي طبيعي وقبلها.. هذه المرة البعض ردد أنه قال إنه مصاب بزكام، ولهذا لن يقبل يد المرشد». وبغض النظر عن إذا ما كان خامنئي «منع» أحمدي نجاد من تقبيل يده أو أن نجاد «امتنع» بقرار شخصي عن تقبيل يد المرشد الأعلى تلقي الخطوة الضوء على حجم «الخسائر» في علاقة الطرفين ببعضهما بعضا. وكانت مصادر إيرانية مطلعة قد كشفت لـ«الشرق الأوسط» أن مستشارين كبارا من خامنئي قد حثوه على أن «يبتعد خطوة» عن أحمدي نجاد، موضحة أن مكانة المرشد الأعلى الدينية والسياسية تأثرت بوقوفه في الأزمة لصالح طرف على حساب الآخر. ويعني «منع» خامنئي لأحمدي نجاد من تقبيل يده أن المرشد لا يريد أن يظهر كأنه «الحاضن لأحمدي نجاد»، فيما يعني «امتناع» نجاد عن تقبيل يد المرشد أن الرئيس الإيراني «لا يريد أن يظهر كتابع» للمرشد. وفي كل الحالات يعكس ذلك تغييرا حقيقيا في طبيعة العلاقة بينهما.

وقبل الرئيس أحمدي نجاد يد المرشد اليسرى إثر فوزه في انتخابات الرئاسة في 2005، والتقطت له صورة احتلت الصفحات الأولى في صحف عديدة. وكان ذلك مثار تندر في إيران واستياء من الكثير من الإيرانيين وآيات الله في قم الذين خشوا من أن يكون ذلك مؤشرا لنوع العلاقة المستقبلية بين المرشد والرئيس الجديد.