بيت لحم «خلية نحل» لا تهدأ والمؤتمرون بين التغيير والمتشككين

المؤتمر صار فرصة للقاء الأحبة وموسما تجاريا جيدا

TT

تحولت مدينة بيت لحم الهادئة، في الضفة الغربية، إلى ما يشبه خلية نحل، لا تهدأ، ولا حتى بعد منتصف الليل، قبل يوم واحد من انطلاق أعمال مؤتمر فتح السادس، الذي انتظره الفتحاويون 20 عاما.

انتشر رجال الأمن المدججون بالأسلحة، في كل شارع وزقاق، وأحاط آخرون من الاستخبارات والمخابرات والأمن الوقائي، بالفنادق والشقق التي نزل بها المؤتمرون. فقد ضاقت فنادق المدينة بضيوفها، فلجأ البعض إلى استئجار شقق مفروشة.

في كل شارع يمكن مشاهدة الضيوف، بعضهم يعرفه الناس، عبر التلفزيون، هذا سلطان أبو العينيين، أمين سر فتح في لبنان، وهذا سفير في بلد، وهذا خالد أبو اصبع، رفيق دلال المغربي، وهذا وزير، وهؤلاء أعضاء التشريعي، وهذا أحمد أبو السكر، عميد الأسرى. في فندق بيت لحم، كان المؤتمرون يبحثون عن وجوه يعرفونها، رفاق درب لم يلتقوا منذ سنين طويلة، يذكرون بعضهم بالذي مضى، ويتعانقون. أما خارج الفندق، فتعمل الشرطة على التخفيف من الأزمة المرورية التي سببها الضيوف، وضيوفهم.

فقد جمع المؤتمر كذلك بين الأهل المغتربين قصرا، مثلما حدث مع الدكتور حسين غنام عضو مؤتمر فتح، الذي جاء من أوكرانيا ليلتقي بشقيقته نيفين بعد غياب قسري استمر 28 عاما. كان اللقاء لا يوصف. أما مطاعم المدينة ومنتزهاتها الصغيرة ومحلاتها، فقد عملت بأقصى طاقتها، وظلت مفتوحة حتى وقت متأخر من الليل على غير عادتها، فهذا أيضا موسم جيد. البعض لم يجد له متسعا في فندق بيت لحم، فأخذت مكبرات الصوت تنادي الضيوف الذين لا مكان لهم من أجل الانتقال إلى فنادق أخرى، قال المنادي «الباص بانتظار من لم يجد له غرفة من أجل الذهاب إلى فندق سانتا ماريا». أما فندق الإنتر كونتيننتال الفاخر، فقد ترك للشخصيات الأكثر «أهمية» للرئيس ورفاقه. كل 3 أو 4 أو 7 يتحلقون حول طاولة، يتناقشون حول ضرورة التغيير، يرشحون أسماء يتفقون على بعضها ويختلفون على الأخرى، ثم يتفقون على إسقاط البعض.

كل له جماعته، ورؤيته وتحالفاته، إلى الحد الذي قال فيه كثيرون لـ«الشرق الأوسط» إن خريطة المؤتمر يصعب التنبؤ بنتائجها الآن. عدة أسماء يقول الفتحاويون إنه متفق عليها من الناحية الأدبية، وهم الرئيس الفلسطيني، والقيادي الأسير مروان البرغوثي، والقيادي المؤسس أبو ماهر غنيم. آخرون يرفضون هذا المنطق، ويقولون إنهم يسعون إلى تغيير جذري.

وقال بلال حمدان، من إقليم الأردن، لـ«الشرق الأوسط»، «نريد أن نغير وأن نحاسب الذين وصلوا بفتح إلى هذا الخراب». وأضاف «التقينا في عمان مع أقاليم من كل الدنيا، الجميع يريد التغيير وجاءوا من أجل ذلك وسنستطيع».

وأكد محمد عمرو من الخليل، لـ«الشرق الأوسط» «أن أقاليم الداخل اتفقت مع أقاليم الخارج على ضرورة إحداث تغيير واضح، إلا أنه أكد أن هذا التغيير لا يعني انقلابا، وأضاف سنغير إيجابا ويجب أن يحاسب البعض». وبرغم هذه الاندفاعة والرغبة في تغيير جذري في قيادة فتح، فإن آخرين من أعضاء المؤتمر متشككين في إمكانية إحداث تغيير كبير. وقال العميد يوسف الشرقاوي لـ«الشرق الأوسط»، «أنا أراهن أكثر على أقاليم الخارج، لكن إلى أي حد تمثيلها يمكنها من التغيير الكبير لا أعتقد ذلك».

ورد حمدان، «مع الإضافات التي تمت أصبحت قدرتنا أكبر».

أما عبد المنعم وهدان، وهو يدرس ترشيح نفسه للمجلس الثوري، فقال لـ«الشرق الأوسط»، «إن التغيير سيكون ملموسا أكثر في المجلس الثوري، وليس في المركزية». وبالإضافة إلى أبو مازن وغنيم والقدومي، فإن أسماء بارزة في فتح، رشحت نفسها للمركزية، لها حظوظ يراها المؤتمرون قوية، ومن بينهم أحمد قريع، مفوض التعبئة والتنظيم، وعباس زكي، وهما أعضاء مركزية حالية، وصائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين، ومحمود العالول عضو المجلس الثوري لفتح، وعثمان أبو غريبة، وهو عسكري معروف، وعدنان سمارة، نائب المفوض العام لفتح،وآخرون.

ومن المتوقع أن يتنافس حوالي 80 إلى 100 على 21 مقعدا للجنة المركزية، بينما يتوقع أن يترشح حوالي 500 على 80 مقعدا للمجلس الثوري، علما بأن عدد المقاعد للثوري هي 121، لكن أعضاء المركزية ينضمون للثوري ويعين 10 من قادة الأجهزة الأمنية تعيينا، و10 من الأسرى.

ويتميز المؤتمر السادس لفتح، بأنه الأول الذي يعقد داخل الوطن، وهي المرة الأولى التي يشارك فيها الداخل، كما أنه أول مؤتمر لفتح يجري بغياب رمز الحركة ومؤسسها ياسر عرفات. واختارت فتح قاعة مدرسة «تراسنطة» قرب كنيسة المهد لعقد المؤتمر، وتم تجهيز ساحة تستخدم لكرة السلة لاستقبال أكثر من ألفي مشارك. وبقرب المرسة تم إعادة تأهيل الشوارع وتنظيف الساحات، ورفعت أعلام فلسطين وحركة فتح، كما زينت هذه الأعلام معظم شوارع المدينة.

وسيستمر المؤتمر 3 أيام، وسيفتتح بحضور أكثر من 70 وفد عربي وعالمي، ثم سيناقش الفتحاويين ملفات عديدة معقدة وشائكة على مدار الأيام الثلاثة. وفي اليوم الأخير، الخميس، يتم ترشيح أعضاء المركزية والثوري بالتزامن، ولا يحق للمرشح أن يرشح نفسه لكلا المنصبين، وسيصوت الفتحاويون لانتخاب قيادة جماعية جديدة لفتح، وسيتم استثناء أية ورقة فيها عدد أقل أو أكثر من العدد المطلوب للتصويت.

وقررت فتح أن تستقل قدر الإمكان عن السلطة وتستعيد صفتها كحركة تحرر، وقد تقرر كذلك، أن لا يسمح لأي عضو في اللجنة المركزية بتولي منصب في السلطة.