أبناء الثورة يدفعون ثمن توجههم الإصلاحي.. ومستهدفون من رفقائهم السابقين

سعيد حجاريان كالثورة نفسها.. تحول من الأيديولوجية الصارمة إلى تعقيد مرحلة النضوج

TT

كان سعيد حجاريان الرجل الذي ساعد محتجزي الرهائن في السفارة الأميركية في طهران في بدايات أيام الثورة ومن أسهم لاحقا في إنشاء وزارة الاستخبارات من أبناء الثورة المخلصين، لكنه اتخذ مسارا ديمقراطيا وأدار صحيفة إصلاحية وعمل كمستشار سياسي للرئيس السابق محمد خاتمي. وفي عام 2000 أطلق مسلح يتبع فصيلا متشددا من المحافظين النار عليه ما تركه مقعدا على كرسي متحرك يعتمد على الأدوية الطبية. خلال الأسابيع الستة الماضية، عاني حجاريان، الذي يبلغ من العمر 55 عاما، في السجن وكان هدفا رئيسا للجهاز الذي ساهم في إنشائه بسبب دعمه للإصلاحيين خلال الأزمة الحالية.

وتقول فريدة فارحي، المتخصصة في الشؤون الإيرانية بجامعة هاواي التي التقت حجاريان للمرة الأولى خلال التسعينات: «إنه رمز عظيم لتحولات الجمهورية الإسلامية. ومن المؤكد الآن أن البعض في وزارة الاستخبارات يعتقد أنه كان العقل المدبر لحملة موسوي (المرشح الرئاسي الخاسر في الانتخابات). وتشير ظروف اعتقال حجاريان إلى استمرار مكانته الكبيرة كانعكاس لأسوأ مخاوف الخط المتشدد في إيران».

اعتقل حجاريان بعد ثلاثة أيام من إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها التي أجريت في 12 يونيو (حزيران) مع المئات من الإيرانيين الآخرين. ويقول أفراد عائلته إن الأدوية الطبية التي يتناولها يتم التحكم فيها بصورة مستفزة، الأمر الذي قد سيؤدي إلى حدوث تلف في المخ أو الوفاة. وبعد زيارته الأسبوع الماضي وصفته زوجته، التي تعمل طبيبة، بأنه: مكتئب ويثير الحزن وأنه خضع لاستجواب في ضوء الشمس المباشر في درجات حرارة مرتفعة جدا خلال صيف طهران الخانق وكان يغمس في الماء البارد ليؤثر على ضربات قلبه بشدة.

ويوم الخميس الماضي بعد يومين من صدور تقرير لجنة مراقبة حقوق الإنسان الذي وصف حالته بالسيئة، قال المسؤولون إن حجاريان نقل إلى منزل تملكه الدولة مجهز بمعدات طبية ملائمة، وقالت زوجته إنها لم تر المنزل ولم تعلم أي شيء عنه. ويوم السبت أجريت محاكمات لـ100 ناشط سياسي ومواطنين بالتآمر للإطاحة بالنظام كما أقيمت محاكمة لعشرة آخرين يوم الأحد. ويقول موسوي إن الحكومة استخدمت أساليب تعذيب القرون الوسطى للحصول على اعترافات من المتهمين.

لم يكن حجاريان، الذي لم يحاكم بعد، ناشطا بصورة خاصة خلال السباق للرئاسة، على الرغم من دعمه لموسوي لكن المقالات الأخيرة في الصحافة الموالية للحكومة وضعته على رأس قائمة المطالبين بإصلاح ديمقراطي. ويقول محسن كديور رجل الدين الإصلاحي الذي عمل مع حجاريان في إيران ويعمل كأستاذ زائر في جامعة ديوك: «يعد التحول إلى الديمقراطية، من وجهة نظر الحكمة الإيرانية، جريمة، والديمقراطية تساوي الشر وهي مصطلح غربي. لذا فإن كل الرموز التي تحاول دمقرطة هذا البلد متهمون بجريمة كبرى».

يوصف حجاريان الذي نشأ في حي فقير في طهران، من قبل أصدقائه بأنه يمتلك وجها صارما لكن بحس فكاهي كبير. وهو كالثورة نفسها يبدو أنه يتحول من الأيديولوجية الفتية الصارمة إلى عمق وتعقيد مرحلة النضوج. ويأتي تحول حجاريان كصدى للعديد من الثوريين الذين أيدوا آية الله روح الله الخميني في الثمانينات لكنهم تحولوا بعد ذلك إلى الإصلاح.

وقال أحمد صدري، رئيس مركز دراسات العالم الإسلامي في «ليك ورست كولدج» والذي التقى حجاريان للمرة الأولى عام 1992 إن نهاية الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات كانت بمثابة صدمة للكثيرين ممن صدقوا وعود الخميني بتدمير رئيس العراق صدام حسين بأي ثمن.

كانت عقلية الثوريين حينئذ أن هذا إيذان بعصر جديد هو الثورة، وأنها راسخة في مكانها ولن تقبل تسوية مع أحد. «لكن ما إن انطفأت جذوة الثورة في عقولهم وأدركوا أنهم كانوا مخطئين بشأن الكثير من الأشياء ومن بينها خلط الدين بالسياسة وأن عالم السياسة عالم تسويات».

عندما تولى آية الله علي خامنئي مقاليد السلطة كمرشد أعلى للجمهورية الإسلامية في إيران بعد وفاة الخميني تم تهميش اليساريين من أمثال حجاريان ومحمد خاتمي، وهو ما قال عنه المحللون إنه منحهم الوقت لتضميد جراحهم والتحولات إلى توجهات أكثر علمانية.

قام الرجلان بتشكيل دوائر فكرية وأنشآ صحفا وعاد حجاريان للدراسة لنيل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة طهران، وتبنى فكرة التحول إلى الديمقراطية ودافع عن الضغط على الحكومة من الأسفل فيما تعقد المساومات في الأعلى.

وقال عنه بيل بيركلي، كاتب المقال الافتتاحي الأسبق لصحيفة «نيويورك تايمز» والذي التقى حجاريان من أجل كتابه محتجزو الرهائن: «إنه مفكر، وهو يحتويه شعور بأن الثورة ضلت طريقها وحادت عن مسارها، وأخبرني أن الحرب طريق سيئ لبناء مؤسسات ديمقراطية. وعزا هذا التوجه الشمولي التي آلت إليه الثورة إلى الحرب الإيرانية العراقية».

وأشار كديور الذي عمل إبان عهد خاتمي كممثل لمركز الدراسات الاستراتيجية، المؤسسة البحثية الإيرانية، فيما عمل حجاريان كممثل سياسي له، إلى أن حجاريان يعتنق تفسيرا ديمقراطيا للإسلام، وقال: «أتذكر أنه قال إن القائد والرئيس يعملان لدى المواطن وأن المواطن مثل مالك الأرض وأنهم يستأجرون الرئيس أو المرشد الأعلى في أعمالهم لذا يجب على العمال أن يعملوا كما يطلب منهم».

تلك الأفكار في مجتمع ينظر فيه إلى كلمة المرشد الأعلى على أنها مقدسة يمكن أن تكون مهلكة فيقول المحللون إن حجاريان بما يكون قد استهدف بالاغتيال لأنه استخدم معرفته ببواطن الأمور في إيران لاتهام وزارة الاستخبارات بتورطها في سلسلة قتل مفكرين في أواخر التسعينات.

وبعد الإفاقة من الغيبوبة أصيب حجاريان بالشلل الجسدي لكن قدراته العقلية ظلت كما هي. وقال المحللون إن الحكومة استهدفته الآن ليس لسبب محدد وإنما لأهميته الرمزية. وأن البعض في الحكومة يأمل في الضغط عليه للحصول منه على اعتراف بالتآمر ضد الدولة وهو اتهام موجه ضد باقي الإصلاحيين الذين تم اعتقالهم.

وأضاف بيركلي: «أعتقد أنه أسلوب إرهاب لإخافة المواطنين عبر الإعلان لهم بأن أشخاصا مثل حجاريان يمكن أن يجبر على الاعتراف، ولو أن حجاريان مات (في السجن) فستكون معضلة بالنسبة للنظام ولكن إذا عاش واعترف فربما اعتبر ذلك شيئا ثمينا». وتقول فارحي: «لقد بالغوا في استخدام هذا الأسلوب والآن يقول الإيرانيون إنه أجبر على القيام بذلك وزادوا من غضبهم ضد الحكومة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»