مساعد أوباما لمكافحة الإرهاب: لن نسمح بأن تكون علاقة أميركا بمليار مسلم محصورة بأعمال كراهية لقلة

قال إن حزب الله وحماس يكبحان طموحات من يدعيان تمثيلهم * «قوى ناعمة» ودعم اقتصادي وثقافي ودبلوماسي للقضاء على الفكر الأصولي

TT

في أكثر شرح مفصل لسياسيات الرئيس الأميركي باراك أوباما لمكافحة الإرهاب منذ توليه الرئاسة بداية العام الحالي، ألقى مساعد الرئيس الأميركي للأمن الوطني ومكافحة الإرهاب جون برينان خطابا أكد فيه أن تحسين صورة الولايات المتحدة وبناء العلاقات مع العالم الإسلامي عنصران أساسيان في استراتيجية الرئيس باراك أوباما. وشرح أن هناك تحديين يواجهان الولايات المتحدة الآن، هما «التحدي على المدى القريب لتحطيم (القاعدة) وحلفائها، الذين على استعداد لقتل المدنيين الأبرياء والتحدي البعيد الأمد لمواجهة التطرف العنيف بشكل عام». وأضاف أن التحدي الأول يواجه من خلال استراتيجية محددة وهي «تعطيل وتفكيك وهزيمة (القاعدة) وحلفائها، هذه هي مهمتنا». ولكنه أردف قائلا إن الإدارة الأميركية الجديدة لديها استراتيجية خاصة لمواجهة التحدي الثاني على المدى البعيد، تعتمد على خمسة عناصر، أولها: عدم السماح لأن تصبح سياسة مكافحة الإرهاب العنصر الأساسي الذي يحدد سياسات الولايات الأميركية بل جزء من التشكيلة الأكبر لتلك السياسات. وصرح برينان، الذي عمل سابقا في السفارة الأميركية في الرياض ودرس في القاهرة خلال سنوات دراسته الجامعية وزار دولا إسلامية عدة منها اندونيسيا، أنه شخصيا قد رأى تصلب أفكار المسلمين والعرب تجاه الولايات المتحدة خلال العقود القليلة الماضية، مشددا على أهمية مكافحة تلك الظاهرة. وأكد أن الإدارة الأميركية «أطلقت عصرا جديدا من الشراكة مع العالم الإسلامي بناء على المصالح والاحترام المتبادلين»، مضيفا أن علاقة الولايات المتحدة لن تقتصر بعد الآن فقط على قضايا الإرهاب. وقال إن الرئيس الأميركي عمد خلال إلقاء خطابه في القاهرة في 4 يونيو (حزيران) الماضي على عدم استخدام كلمات الإرهاب وإرهابي، موضحا: «لماذا تسمح دولة عظيمة وقوية مثل الولايات المتحدة أن تكون علاقتها مع أكثر من مليار مسلم حول العالم محددة بأعمال الكراهية والتخريب الضيقة من قبل أقلية صغيرة جدا من المسلمين». وتابع أن ذلك كان «بالضبط ما يسعى إليه (زعيم تنظيم القاعدة) أسامة بن لادن من هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، لإطلاق صراع حضارات تظهر الولايات المتحدة والإسلام على أن لديهما هويتين مختلفتين داخل صراع»، مضيفا: «الرئيس أوباما مصر على عدم إثبات رؤية القاعدة للعالم». وشرح برينان، في خطابه أمس في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» في واشنطن، أن العنصر الثاني من العناصر الخمسة في استراتيجية أوباما لمكافحة الإرهاب هو «إعطاء التفسير الصحيح للمشكلة التي تواجهنا، الوصف الصحيح للمشكلة يعني وجود الحل الصحيح». وهنا تحدث برينان عن قرار الإدارة الجديدة بالتخلي عن مصطلح «مكافحة الإرهاب» الذي اعتمده الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ومصطلحات أخرى مثل «الجهاديين»، مشددا على أن «الجهاد مصطلح شرعي» يجب ألا يرتبط بالإرهاب. أما العنصر الثالث، فهو يتماشى مع سياسة أوباما الشاملة لمواجهة الإرهاب، وهي «العمل على فهم أوسع وأكثر دقة لفهم الأسباب والشروط التي تساعد في تصاعد التطرف العنيف، إذا كان ذلك في باكستان وأفغانستان أو الصومال واليمن». وضمن هذه الاستراتيجية، تقوم الإدارة الأميركية حاليا بمراجعة سياساتها الخارجية وإنفاق مساعداتها الخارجية كي تساعد في تحسين حياة أناس قد يجلبهم الإرهاب أو الجماعات الإرهابية بسبب ظروفهم المعيشية. وربط برينان العنصر الرابع بهذه النقطة، قائلا إن هذه العوامل لا تعتمد على «عملية عسكرية بل حملات سياسية واقتصادية واجتماعية لمعالجة المتطلبات البسيطة للناس ومعالجة مظالمهم الشرعية». وأشار إلى قضايا مثل الأمن والتعليم والعمل و«الشعور بالكرامة» من بين تلك العوامل التي يجب مراعاتها. ومن أجل تنفيذ هذه الاستراتيجية، قال برينان إنه سيتم تطبيق العامل الخامس والأخير من الاستراتيجية الجديدة وهي «إدماج كل عنصر من قوة أميركا للتأكد من أن تلك العناصر (المؤثرة على معيشة الناس العادية) تؤدي إلى عدم تشجيع التطرف العنيف بدلا من تشجيعه». وعلى الرغم من أن غالبية تصريحات برينان كانت على ضرورة مواجهة تنظيم «القاعدة»، إلا انه أشار إلى حماس وحزب الله مرتين في خطابه، ليبرهن على أهمية مواجهة العوامل الاجتماعية التي تدفع الناس إلى التطرف. وقال: «المتطرفون يعرفون ذلك، في أي مكان لا يمكن للحكومات أن تعالج احتياجات الناس الشرعية، تلك المجموعات تملأ الفراغ، لهذا يعرضون التعليم المجاني لأطفال باكستان ويمكنهم تجنيد وحشد الجيل القادم، لهذا حزب الله في لبنان وحماس في غزة يزودون الفقراء بالخدمات الاجتماعية على الرغم من ارتكابهم أعمالا إرهابية بشعة». وأضاف: «ونحن نسير قدما، يجب أن ينظر الناس إلى أشكال القاعدة وطالبان وحزب الله وحماس ـ وليس الولايات المتحدة ـ على أنهم السبب لعدم تحقيق طموحاتهم». وردا على سؤال حول وجود فرص لتحاور الإدارة الأميركية مع حزب الله وحماس، أجاب برينان: «حزب الله بدأ في بداية الثمانينات من القرن الماضي كمؤسسة إرهابية بحتة وتطورت مع الوقت ولديها نواب في البرلمان ووزراء في الحكومة ولديها محامون وأطباء داعمون للمؤسسة، ولكن داخل حزب الله مازالت هناك عناصر إرهابية، ونأمل أن العناصر الشيعية في لبنان وفي حزب الله بشكل عام أن تنظر إلى الصميم المتطرف والإرهابي بأنه ضد ما يكافحون لتحقيقه من طموحات في العملية السياسية في لبنان». وأضاف: «هناك أشخاص داخل حزب الله ينددون بالعنف والتطرف ويحاولون دخول العملية السياسية بشكل شرعي». وحول حماس، قال: «حماس بدأت كمؤسسة رعاية اجتماعية تقدم الخدمات للفلسطينيين.. مع الوقت تبلور عنصر إرهابي فيها ومع الأسف أفقدها الشرعية في أعين الكثيرين ليس فقط حول العالم بل في الأراضي (الفلسطينية)»، مضيفا: «على الشعب الفلسطيني أن يقولوا لقادة حماس إن ذلك لن يجلب لهم ما يستحقونه وهي دولة فلسطينية بجوار إسرائيل». وتابع أن حماس وحزب الله «من المؤسسات التي لديها جانبان سياسي وإرهابي، ومن المؤسف أن الجانب الإرهابي هو الذي يكبح من طموحات الناس، فهناك أشخاص شيعة خارج العملية السياسية يحاول حزب الله أن يمثلهم ولكن يعملوا ذلك بطريقة خاطئة ولن يحققوا طموحات الشيعة إذا واصلوا في احتضان العنف، والأمر نفسه في ما يخص حماس». ولفت إلى أن الإدارة الأميركية «أظهرت في لبنان وللفلسطينيين أننا مستعدون للتواصل مع أي مجموعة ملتزمة بالحلول السلمية للمشاكل القائمة، وتلك المجموعات في لبنان، حزب الله أو غيرها تعرف أن الولايات المتحدة حاولت أن تكون وسيطا صادقا هناك وتتعامل مع من ينبذ العنف والأمر نفسه للفلسطينيين».

وفي تصريحات سابقة لواشنطن بوست قال جون أو برينان أن على الحكومة الأميركية أن تعيد تعريف الصراع ضد الإرهاب، حيث يجب أن تستبدل «الحرب على الإرهاب» بحملة موسعة تكرس فيها كافة مناحي القوى القومية لهزيمة العدو.

وتعد آراء المسؤولين بالبيت الأبيض من أكثر تصريحات الإدارة شمولا حول الإستراتيجية طويلة المدى للقضاء على تنظيم القاعدة والمتطرفين الآخرين في كافة أنحاء العالم؛ فقد قال برنان في حوار أجري معه إن الولايات المتحدة سوف تستمر في الضغط بلا هوادة على معاقل الإرهاب بما يشمل الأماكن التي تقع على مقربة من الحدود الأفغانية ـ الباكستانية وفي اليمن والصومال. وقال إنه سيكون على واشنطن أن تقرن الهجمات العسكرية التي استنزفت القيادات الوسطى في تنظيم القاعدة بالمزيد من الدعم الاقتصادي والدبلوماسي والثقافي للقضاء على الفكر الأصولي؛ أي باستخدام «القوى الناعمة» وهي الوسائل التي أعلن الرئيس السابق جورج بوش عن ترحيبه بها ولكنه لم يزعج نفسه بتنفيذها. فيقول برنان: «تحتاج تلك الجهود إلى أن تصبح أكثر من كونها جهودا نشطة، فيجب أن تشتمل على جهود استخباراتية وجهود قوات فرض القانون. فيجب أن تكون أكثر شمولا». ويقول برنان الذي سوف يلقي خطابا على المركز الاستراتيجي للدراسات الدولية يوم الخميس: «هذه ليست (حربا على الإرهاب).. لا يجب أن نسمح لمنشور الإرهاب بتحديد الطريقة التي يجب علينا أن نتفاعل ونتعامل بها مع الأجزاء المختلفة من العالم».

ويأتي التغير في نبرة الخطاب الأميركي، في ظل سعي المسؤولين بإدارة أوباما للأمن القومي بعد وصوله للحكم بستة أشهر فقط للحصول على موافقة كلا الحزبين على الاستمرار في سياسات عصر بوش التي ساعدت على تدمير تنظيم القاعدة، مع استغلال الظروف السياسية المتغيرة بالداخل والخارج. وبينما اشتملت حملة أوباما على أفكار مشابهة حيث ألغت مذكرة مالية تتعلق بالميزانية أصدرها البيت الأبيض في مارس (آذار) شعار «الحرب العالمية على الإرهاب»ـ فإنه يبدو أن مساعدي البيت الأبيض يحاولون ملء الفراغات، من خلال تعريف التهديدات والأهداف الأميركية والتحديات التي تعترضها.

ويقول ميشيل إي ليثر مدير المركز القومي لمكافحة الإرهاب وهو المركز الأميركي المتخصص في تحليل التهديدات الإرهابية: لقد أصبح الوقت ملائما لاستخدام «الخطاب هادئ النبرة.. ومناقشة الخطوات التي يجب علينا اتخاذها والخطوات التي يجب علينا ألا نتخذها بهدوء. فما تعلمناه خلال السنوات العديدة الماضية كان أن الفوارق الدقيقة تصنع فارقا هنا». ويقول برنان إن المسؤولين الأميركيين يعملون على تطوير المثل الأميركية ـ تعزيز المشاركة السياسية والنمو الاقتصادي ـ والقضاء على العوامل التي تساعد على انتشار الإرهاب. ويضيف: «نحن لا نقول إن الفقر يتسبب في الإرهاب، ولكننا لا نستطيع أن ننكر ارتباط ظواهر معينة بالإرهاب. يجب أن نحارب الإرهاب وبالتأكيد يجب علينا مهاجمته والقضاء عليه ولكننا لا نستطيع تجاهل بعض الملابسات الخفية التي ربما تدفع الأفراد في الحقيقة لأن يضلوا طريقهم إلى الإرهاب». وبشكل ما، يعد اختيار برنان مثاليا لتوصيل هذه الرسالة؛ حيث كان برنان يعمل كمحلل سابق بالاستخبارات الأميركية، وكبير الموظفين في إدارة المدير السابق جورج تينت، كما أنه كان مشاركا أساسيا في عمليات الاستخبارات الأميركية لمكافحة الإرهاب طوال تاريخه المهني الذي يصل إلى 25 عاما، بالإضافة إلى أنه ساعد في تأسيس المركز القومي لمكافحة الإرهاب تحت إدارة بوش قبلما يترك منصبه في 2004. وبعدما تساءل الليبراليون المنتقدون حول دور برنان في عمليات الاحتجاز التي حدثت بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) وسياسات الاستجواب، انسحب من مركزه كرئيس للاستخبارات الأميركية ونقله أوباما إلى البيت الأبيض.

يقول دايفيد كوهين الاستخباراتي المخضرم وأحد المسؤولين بقسم مكافحة الإرهاب بنيويورك: إن سلوك برنان الذي يماثل سلوك اليسوعيين، جعل منه عامل الوصل الأساسي بين الإدارات المختلفة. ويقول مسؤولون بالاستخبارات الأميركية إن برنان قد شارك برأيه في النقاش الداخلي المحتدم حول سياسة الاستخبارات في إدارة الرئيس أوباما حيث لا يوجد سوى عدد قليل من المسؤولين الذين لديهم خبرة في مجال الاستخبارات.

فمن المعروف، أن برنان قد عارض رفع السرية عن آراء إدارة بوش القانونية التي خولت الاستخبارات الأميركية باستخدام إجراءات الاستجواب العنيفة، وذلك بالرغم من أن البيت الأبيض ـ في ظل إدارة أوباما ـ لم يعمل بتوصياته.

يقول ليون بانيتا مدير الاستخبارات الأميركية الذي عينه أوباما لاحقا: «إن جون يفهم كيف تساند كل من الاستخبارات والسياسة كل منهما الأخرى ـ فهذا أحد مصادر قوته. كما أنه يعتبر عامل الربط الأساسي بين الاستخبارات الأميركية ومجلس الأمن القومي».

ويقول مارك لبرت الذي كان يعمل كمساعد لأوباما للسياسة الخارجية ويعمل حاليا ككبير الموظفين في مجلس الأمن القومي والذي يديره مستشار الأمن القومي جيمس جونز ورئيس برنان: «إن دوره يتعاظم، ولا يقل». ويمتد دور برنان إلى ما هو أكثر من الإرهاب فهو يشمل التعامل مع الأمن الإلكتروني، وأنفلونزا الخنازير وبعض الأمور الاستخباراتية الأخرى. ويقول لبرت: «إنه يحظى بثقة الرئيس.. ويحترمه الناس من كافة المجالات السياسية ومجتمع الاستخبارات».

وحتى في ظل تخفيف إدارة أوباما للهجة الخطاب الأميركي، استمر برنان في السياسة المثيرة للجدل بداية من مهاجمة المنازل التي يشتبه في أنها تابعة لتنظيم القاعدة أو لحركة طالبان داخل منطقة القبائل المستقلة في باكستان. ويبدو أن الصاروخ الذي أطلقته طائرة درون بدون طائر يوم الأربعاء على أحد المنازل في باكستان تابع للاستخبارات الأميركية. وهو الهجوم الذي أسفر عن مقتل امرأة يقال إنها زوجة بيت الله محسود قائد طالبان الذي يعتقد بتورطه في مقتل رئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو. لقد قذفت الطائرات بدون طيار بعض الأهداف في باكستان على الأقل 31 مرة خلال العام الجاري، مما أسفر عن مقتل أكثر من 360 شخصا، وفقا للعدد الذي نشره الموقع الإلكتروني «لونغ وور جورنال».

ويعارض بعض المسؤولين البارزين في وزارة الدفاع مثل تلك الهجمات؛ قائلين إن تلك الهجمات تحقق نتائج عكس المراد منها لأنها تثير المشاعر المعادية للغرب في باكستان. وقد اعترف برنان الذي رفض التعليق على عمليات الاستخبارات في المنطقة بعدم التوافق الداخلي حول القضية ولكنه قال إنه يجب الاستمرار في الضغط على «القاعدة». وأضاف: «من الضروري الاستمرار في الهجوم على مواقع مثل منشآت ومعسكرات التدريب الإرهابية، ونحن نعمل بالتعاون مع الحكومات الأفغانية والباكستانية للتخلص من تلك المنشآت».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»