شبكة معارف واتصالات مالية وسياسية واسعة أمنت نجاح مهمة بيل كلينتون السرية

اتصالات خاصة وراء إطلاق سراح الصحافيتين الرهينتين لدى كوريا الشمالية

TT

جاء الدور المحوري الذي اضطلع به الرئيس السابق بيل كلينتون في جهود إعادة الصحافيتين المحتجزتين لدى كوريا الشمالية، ليسلط الضوء مجددا على شبكة الاتصالات المالية والسياسية الواسعة التي يحظى بها، شبكة أثارت قلق أعضاء مجلس الشيوخ أثناء دراستهم ما إذا كان ينبغي التصديق على تعيين زوجته وزيرة للخارجية. فيما يخص قضية المحتجزتين، حث كلينتون عددا من رجال الأعمال الأثرياء للاضطلاع بمهمة كانت ستعد غير قانونية حال عدم إصدار ترخيص فيدرالي خاص للطائرة بالتوجه إلى كوريا الشمالية. منذ بضعة أسابيع ماضية، كان أحد رجال الأعمال من معارف بيل كلينتون يحظى بثقة هيلاري رودهام كلينتون، فيما يخص دورها كوزيرة للخارجية، ما ذكر الجميع على نحو مثير للقلق بشبكة معارف ومصالح الرئيس السابق بالغة الاتساع. والملاحظ أن تداخل السلطة والاتصالات الشخصية ألقى بظلاله على طبيعة الزيارة التي قام بها بيل كلينتون إلى كوريا الشمالية. يذكر أن بيل كلينتون وافق على لقاء كيم يونغ إيل بعد يومين من وصف كوريا الشمالية لزوجته بأنها أشبه بـ«تلميذة في المرحلة الابتدائية» لتشبيهها كوريا الشمالية بطفل صعب المراس. من ناحيتها، بذلت إدارة أوباما جهودا دؤوبة لإبعاد نفسها عن المهمة التي اضطلع بها الرئيس السابق في كوريا الشمالية، رغم اعتراف المسؤولين بإجرائهم اتصالات عدة بنظرائهم من كوريا الشمالية خلال الأيام السابقة لزيارة بيل كلينتون للتأكد من إطلاق سراح الصحافيتين حال زيارة بيل كلينتون لبيونغ يانغ. من جهتها، وجدت هيلاري كلينتون، التي كانت تقوم بجولة في أفريقيا، بينما تناقلت وسائل الإعلام صور زوجها أثناء لقائه كيم، نفسها مضطرة إلى تناول قضية الرسائل المتضاربة أثناء حديث أجرته معها محطة «إن بي سي» خلال وجودها في نيروبي الأربعاء، حيث قالت، «أود التأكيد على ضرورة ألا يخلط الناس بين ما فعله بيل، وهي مهمة إنسانية خاصة لإعادة الرهينتين إلى الوطن، وبين سياستنا، التي تبقى قائمة على عرض مجموعة من الخيارات على كوريا الشمالية، لا تزال سياستنا ثابتة من دون تغيير». لكن في إشارة إلى احتمال إثمار مهام زوجها فوائد دبلوماسية، قالت هيلاري، «ربما سيبدون استعدادهم الآن للشروع في الحديث إلينا». جدير بالذكر أنه لم يتم استخدام أي أموال فيدرالية لتمويل رحلة بيل كلينتون، باستثناء رواتب عملاء الخدمة السرية الذين رافقوه. إلا أن الرئيس السابق حصل على الطائرة والطاقم عبر اللجوء لشركات سبق وأن ساعدت في توفير الدعم المالي لمحاولاته. وببعض العون من قبل إدارة أوباما، تمكن بيل كلينتون من انتقاء أعضاء الفريق المرافق له، طبقا لمصادر مطلعة على جهود التخطيط للزيارة. جدير بالذكر أن شركة «داو كيميكال»، التي تبرعت بما يصل إلى 50.000 دولار إلى «مؤسسة ويليام جيه. كلينتون»، وفرت الطائرة التي نقلت الرئيس السابق من منزله في ويستشستر كاونتي في نيويورك إلى بيربانك في كاليفورنيا. ومن هناك، استقل بيل كلينتون طائرة طراز بوينغ 737 مخصصة بأكملها إلى رجال الأعمال. وتحمل تكاليف التذكرة منتج هوليوود الثري، ستيف بنغ. رافق بيل كلينتون في رحلته فريق يضم جون دي. بودستا، الذي عمل رئيسا لفريق العاملين بالبيت الأبيض في ظل رئاسته، والخبير السابق لدى وزارة الخارجية فيما يتعلق بشؤون كوريا الشمالية. ومن المقرر أن يتحمل بنغ، الذي يعد واحدا من كبار المتبرعين لـ«مؤسسة ويليام جيه. كلينتون»، حيث وصلت إجمالي قيمة التبرعات التي تقدم بها تتراوح ما بين 10 ملايين و25 مليون دولار، قيمة تكاليف الوقود الخاصة برحلة كلينتون وأجور أفراد الطاقم والنفقات الأخرى المقدرة بـ200.000 دولار، حسبما أعلن مارك جيه. فولكرود، رئيس شركة «أفجيت» في بيربانك. من جهته، رفض بنغ، الذي يعد أيضا أحد كبار المتبرعين لصالح القضايا المرتبطة بالحزب الديمقراطي، التعليق على دوره في الرحلة التي قام بها بيل كلينتون لكوريا الشمالية. وأكد متحدث رسمي أن بنغ لا يتحدث إلى وسائل الإعلام. من ناحية أخرى، قال فولكرود، إن الرحلة انطوت على صعوبات كبيرة في تنظيمها بسبب القيود التي وضعتها الإدارة الفيدرالية للطيران، التي تحظر هبوط طائرة مسجلة لدى الولايات المتحدة على أراضي كوريا الشمالية. وأضاف أن الشركة تقلت اتصالا هاتفيا من بنغ بشأن رحلة الطيران، إما مساء الخميس الماضي أو صباح الجمعة. واستطرد موضحا أن القائمين على الرحلة نالوا «مستوى غير مسبوق من التعاون» من قبل الإدارة الفيدرالية للطيران ووزارة الخارجية، لضمان الحصول على الموافقات القانونية والدبلوماسية اللازمة في الوقت المحدد قبل موعد إقلاع الطائرة يوم الاثنين. على الجانب الآخر، راودت الإدارة الرغبة في إرسال آل غور، نائب الرئيس السابق، إلى كوريا الشمالية بدلا من بيل كلينتون، خاصة بالنظر إلى أن غور من المشاركين في تأسيس قناة «كرنت تي في»، التي تعمل لحسابها الرهينتان. إلا أن المسؤولين الكوريين الشماليين ألمحوا إلى رغبتهم في استقبال مبعوث في مكانة بيل كلينتون، حسب ما أعلنته مصادر مطلعة. وجاءت الانفراجة في أزمة الرهينتين ـ اللتين صدر بحقهما حكم قضائي في يونيو (حزيران) بالسجن مع الأشغال الشاقة لمدة 12 عاما بعد إلقاء القبض عليهما قرب الحدود الصينية في مارس (آذار) ـ في 18 يوليو (تموز)، عندما أخبرت الرهينتان أسرتيهما عبر اتصال هاتفي أن المسؤولين الكوريين الشماليين أعلنوا بوضوح أنه سيتم إطلاق سراحهما حال مجيء كلينتون إلى بيونغ يانغ. وعلى الفور، شرع المسؤولون الأميركيون في التحقق من صحة المعلومة لدى نظرائهم الكوريين الشماليين. وفي 24 يوليو (تموز)، طلب مستشار الأمن القومي، جيمس إل. جونز، من بيل كلينتون التفكير بشأن القيام برحلة إلى بيونغ يانغ. وأشار مسؤول بارز بالإدارة إلى أنه لم يتم الحصول على كافة الضمانات اللازمة من بيونغ يانغ حتى الاثنين، اليوم الذي غادر الرئيس السابق فيه بيربانك على متن الطائرة التي يملكها بنغ. عند وقت الرحيل، علم المسؤولون الأميركيون أن بيل كلينتون من المقرر أن يعقد لقاء نادرا من نوعه مع كيم. من جهته، أثنى غور على بنغ خلال مؤتمر صحافي بعد هبوط الطائرة. وقال، «لستيف بنغ وجميع الذين جعلوا من هذه الرحلة أمرا ممكنا، نوجه الشكر العميق». وشكرت الصحافيتان «داو كيميكال» ورئيسها التنفيذي أندرو ليفريس ـ وهو عضو بـ«مبادرة كلينتون العالمية»، أحد المشروعات الأخرى للرئيس السابق. الواضح أن شبكة اتصالات الرئيس السابق على درجة من الضخامة، لا تملك هيلاري كلينتون معها سوى الاستعانة بمساعدة بعض أعضائها. يذكر أنه خلال رحلتها إلى الهند الشهر الماضي، جلست إلى جانب أحد المتبرعين لصالح مشروعات زوجها، موكيش أمباني، خلال اجتماع في مومباي مع مجموعة من كبار رجال الأعمال الهنود. يذكر أن «ريليانس هولدنغز»، الشركة الأوروبية التابعة لـ«أمباني»، أسهمت بما يصل إلى 250.000 دولار لصالح «مؤسسة ويليام جيه. كلينتون». خلال الاجتماع، دعا أمباني لإقامة مؤسسات مشتركة بين الولايات المتحدة والهند لتطوير «تقنية نظيفة». من ناحية أخرى، تجرى حاليا محادثات بين «مؤسسة ويليام جيه. كلينتون» والحكومة الإقليمية في جوجارات لإنشاء أكبر مشروع في العالم يعتمد على الطاقة الشمسية. كما تعمل «ريليانس هولدنغز» على الإعداد لعدد من المشروعات القائمة على الطاقة الشمسية في الولاية. ما زاد من تعقيد الأمور أن «ريليانس هولدنغز» تشكل واحدة من كبريات الشركات التي تمد إيران بالغازولين المكرر، ويمكن أن تتعرض للاستهداف في إطار جهود الكونغرس الرامية لوقف إمدادات الغازولين عن طهران. في تلك الأثناء، لم يحصل بيل كلينتون على قسط من الراحة، حيث أعلن مكتبه أن الرئيس السابق و«عددا من كبار مصنعي العقارات» سيصدرون «إعلانا مهما» في هارلم الخميس.

* «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»