أحمدي نجاد يبدأ تشكيل حكومته.. وتوقع توزيره امرأة لأول مرة منذ الثورة الإيرانية

الشرطة الإيرانية تقر بإساءة معاملة متظاهرين في السجون * روسيا تبني رادارا يراقب إطلاق الصواريخ في الشرق الأوسط يشمل إيران

قوات الباسيج تمنع مظاهرات في إحدى مناطق طهران في 30 يوليو الماضي ( إ ب أ)
TT

بدأ الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد غداة تنصيبه رئيسا لإيران لولاية ثانية، العمل على تشكيلة الحكومة الجديدة التي يجب أن يقدمها خلال أسبوعين للبرلمان، وسط توقعات أن يقوم بتعيين امرأة في منصب وزاري وذلك للمرة الأولى منذ الثورة الإيرانية عام 1979. وعلى الرغم من إجراءات الأمن المشددة في العاصمة طهران وعدم السماح بأي مظاهرات جديدة أمس، فإن الآلاف من فوق أسطح منازلهم ومن داخل بيوتهم رددوا ليلة قسم نجاد اليمين الدستورية أول من أمس «الله أكبر» لفترة طويلة. وحول تشكيلة الحكومة الإيرانية الجديدة، قالت وكالة «مهر» القريبة من السلطات إن أحمدي نجاد قد يقترح توزير امرأة للمرة الأولى منذ الثورة الإيرانية في 1979. ويتردد في هذا السياق اسم النائبة السابقة مرضية وحيد دستجردي. وبحسب «مهر» أيضا، فإن المتحدث باسم الحكومة السابقة غلام حسين إلهام والمستشار الخاص للرئيس مجتبى سماره هاشمي مرشحان لمنصب النائب الأول لرئيس الحكومة. وكان أحمدي نجاد قد أجبر نهاية يوليو (تموز) على إقالة صهره اسفنديار رحيم مشائي من هذا المنصب بعد رسالة من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. وطلب رئيس البرلمان علي لاريجاني من أحمدي نجاد تشكيل حكومة «في إطار احترام القانون» على أن تضم «أشخاصا أكفاء وخبراء». وكان الرئيس الإيراني قد أعلن في 7 يوليو (تموز) للتلفزيون أن «تشكيلة الحكومة يجب أن تتغير بشكل كبير». وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» خلال الأيام الماضية إن وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي سيغادر منصبه. كما أن وزراء البترول والثقافة والعمل والاستخبارات والصناعة سيتم تغييرهم في حكومة نجاد الجديدة. وعلى الرئيس الإيراني أن يقدم لائحة بأعضاء حكومته خلال أسبوعين. وبحسب القانون، فإنه يجب أن يدقق في المرشحين قبل أن يمنح الثقة لكل وزير، وذلك في مهلة أسبوع.

وأشادت الصحف المحافظة أمس بخطاب أحمدي نجاد لدى تنصيبه، الذي هاجم فيه القوى الغربية التي لم توجه إليه التهنئة بانتخابه، وقال فيه «اعلموا أن لا أحد في إيران ينتظر رسائل تهانيكم»، مؤكدا مواصلة التصدي لـ«المستكبرين».

وعنونت صحيفة «كيهان» على صفحتها الأولى عبارة لأحمدي نجاد قال فيها إن «وجه الغرب العابس أو المبتسم لا يهم الشعب الإيراني». وكتب مدير الصحيفة حسين شريعتمداري: «لن توقف الولايات المتحدة مؤامراتها ضد إيران». وأضاف: «لكنهم أدركوا تماما أنهم لا يستطيعون التصدي للجمهورية الإسلامية عندما رأوا أن نسبة المشاركة (في الانتخابات) بلغت 85%. أدركوا أن الأساليب التي استخدموها في الماضي لم تؤت ثمارها». وقال: «المؤسف هو أن بعض الإصلاحيين (في إيران) لم يفهموا درس الشيطان الذي خذلهم».

وتغيب زعيما المعارضة المحافظ المعتدل مير حسين موسوي والإصلاحي مهدي كروبي اللذان يرفضان نتائج الانتخابات الرئاسية، عن حفل تنصيب أحمدي نجاد، كما غاب عنه رئيس مجلس الخبراء علي أكبر هاشمي رفسنجاني والرئيس السابق للحرس الثوري محسن رضائي وأحد مرشحي الرئاسة أمام أحمدي نجاد. إلى ذلك، أقرت الشرطة الإيرانية أمس بإساءة معاملة بعض المتظاهرين المعتقلين في سجن كاهريزاك جنوب طهران، وذلك في بيان نشرته وكالة الأنباء الطلابية «إيسنا». وأفاد البيان أن «عددا من الموقوفين في أحداث 9 يوليو (تموز) نقلوا إلى معتقل كاهريزاك بسبب ضيق المكان في سجن ايفين، وهذا كان خطأ».

وأضاف بيان الشرطة أن التحقيق أظهر حصول «إهمال ومخالفات من طرف عدد من المسؤولين والموظفين في معتقل كاهريزاك». وتابع أن «ضابطين عوقبا لأنهما مارسا عقوبات جسدية على الموقوفين». كما أكد البيان أن مسؤولي المعتقل «أقيلوا من مناصبهم وعوقبوا لأنهم استقبلوا عددا من الموقوفين يفوق قدرة المعتقل، ولأنهم أحجموا عن رفع تقارير بالمشكلات، وامتنعوا عن مراقبة ظروف اعتقال الموقوفين».

وكان المرشد الأعلى للجمهورية آية الله علي خامنئي قد «أمر بإغلاق» معتقل كاهريزاك نهاية يوليو (تموز) لأنه لا «يوفر المعايير اللازمة لاحترام حقوق المتهمين». إلا أن الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي رد بهجوم عنيف قائلا: «ما الذي يعنيه أن السجن ليست به المعايير اللازمة؟ هذا السجن وقعت فيه جرائم، وأناس قتلوا، ولا بد أن يحاسب أحد على هذه الجرائم». واعتقل نحو ألفي شخص في المظاهرات التي تلت إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد المثيرة للجدل في 12 يونيو (تموز). وبحسب الحصيلة الرسمية، فقد قتل 30 شخصا في تلك الاضطرابات. كما أقرت السلطات بوفاة معتقلين لإصابتهما بالتهاب السحايا. وتحدثت الصحافة عن وفاة أربعة أشخاص على الأقل في السجن. إلا أن أهالي القتلى تحدثوا عن تعذيب لأبنائهم في السجون، داعين إلى محاسبة المسؤولين. إلى ذلك، وفي خطوة يمكن أن تقلل الخلافات بين روسيا وأميركا حول إيران والدرع الصاروخية الأميركية التي تريد واشنطن نصبها على حدود روسيا، أعلنت موسكو أنها خلال الأشهر الثلاثة المقبلة سوف تقوم بوضع رادار بقدرات لمراقبة إطلاق صواريخ من منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك إيران، وذلك بحسب ما نقلت وكالة «إنترفاكس» الروسية. وقال نيكولاي ابروسكين رئيس منظمة «سبيتستروي» العسكرية لوكالة «إنترفاكس» أمس إن الرادار الروسي سوف يبدأ العمل خلال أكتوبر (تشرين الأول) أو نوفمبر (تشرين الثاني) المقبلين. وكان فلاديمير بوتين قد أعلن في 2007، عندما كان رئيسا لروسيا أن موسكو بدأت منذ 2006 إنشاء الرادار في إطار منظومة دفاعية مشتركة بين موسكو وواشنطن والغرب ضد الصواريخ. وقدم بوتين المبادرة في محاولة لإقناع واشنطن بعدم بناء حائط دفاع صاروخي في بولندا، كما تخطط واشنطن. وترى موسكو أن إقدام أميركا على تلك الخطوة سيعرض الأمن الروسي للخطر. وحتى الآن ترفض واشنطن التخلي عن بناء الدرع الصاروخية. وفي بروكسل، قال متحدث باسم المفوضية الأوروبية أمس، إن المفوضية لم ولن ترسل تهنئة إلى الرئيس الإيراني على فوزه المثير للجدل في الانتخابات. وقال المتحدث امادو التافاج تارديو للصحافيين في بروكسل إن «المفوضية الأوروبية لم تبعث برسالة تهنئة ولا تعتزم القيام بذلك» ويتماشى موقف المفوضية مع موقف واشنطن. كما رفضت فرنسا وبريطانيا وألمانيا تهنئة الرئيس الإيراني. وبينما حضر سفراء أجانب، من بينهم السفير البريطاني والفرنسي والسويدي، حفل تأدية أحمدي نجاد اليمن الدستورية أول من أمس، فإن المفوضية لم تكن ممثلة في الحفل. يأتي ذلك فيما أعلنت وزارة الخارجية النرويجية أنها استدعت القائم بالأعمال الإيراني في أوسلو وأبلغته قلقها على أوضاع حقوق الإنسان في بلاده. وهي المرة الثانية في غضون أقل من شهر التي تستدعى فيها هذه الدولة الاسكندنافية القائم بالأعمال الإيراني لبحث هذه المسألة.

وبعد أداء أحمدي نجاد اليمين الدستورية، يبقى أمام الغرب الانتظار حتى سبتمبر (أيلول) وهو الموعد الذي حددته الدول الغربية لإيران للرد على عرض بدء حوار نووي. ويبدو من شبه المؤكد الآن أن إيران لن تلتزم بالمهلة، لكن يبدو من غير المرجح بدرجة مساوية أن واشنطن ستسارع إلى فرض عقوبات أقسى.

وقال رضا أصلان، الخبير والكاتب المتخصص في الشؤون الإيرانية في لوس أنجليس لوكالة «رويترز»: «التفكير في تشكيل حكومته وسط أكبر اضطراب منذ الثورة الإسلامية وفي الوقت نفسه التوصل إلى طريقة للرد على الولايات المتحدة.. هذا لن يحدث. سيواجه وقتا صعبا لتشكيل حكومة، ناهيك عن الحكم، ومن المرجح إلى حد كبير ألا يستمر حتى لعام آخر. يجب التخلص من أي فكرة سابقة عن جدول زمني». وكان أوباما في البداية قد حدد مهلة تنتهي في نهاية العام لمراجعة سياسة إدارته للتواصل مع إيران ثم قدم موعدها إلى أواخر سبتمبر (أيلول) لتتزامن مع الاجتماع القادم لمجموعة العشرين للدول الغنية والقوى الاقتصادية الصاعدة.

وراقب مسؤولون أميركيون الاضطرابات التي شهدتها إيران بعد الانتخابات محاولين تقييم كيف قد تؤثر على آفاق الدبلوماسية مع خصم الولايات المتحدة منذ فترة طويلة. وقال ستيفن كوك كبير الباحثين في دراسات الشرق الأوسط بـ«مجلس العلاقات الخارجية» بواشنطن: «اضطروا لرؤية كيف ستتطور الأمور في إيران قبل اتخاذ أي خطوات». وأضاف: «أعتقد أنه سيكون على الإدارة الانتظار لفترة أطول من بعض هذه المهل لترى الاتجاه الذي سيسير فيه النظام الإيراني». وعلى الرغم من ذلك، واصل مسؤولون أميركيون، من بينهم هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية، ممارسة الضغط مؤكدين على الموعد الذي يحل في سبتمبر (أيلول) والتهديد بعقوبات «تشل» الاقتصاد الإيراني إذا لم ترد طهران في الموعد المحدد.

ويرى متابعون للشأن الإيراني أن هذه التصريحات تهدف في الأساس إلى استرضاء إسرائيل حليفة الولايات المتحدة التي أيدت على مضض سياسة التواصل التي دعا إليها أوباما وفي الوقت نفسه ألمحت إلى أنها قد تتخذ إجراء وقائيا ضد المنشآت النووية الإيرانية إذا اعتقدت أن الدبلوماسية الأميركية لن تؤدي إلى شيء. وكتبت صحيفة «الغارديان» البريطانية في افتتاحية تقول «بطريقة أو أخرى اضطر السيد أوباما إلى تحديد مهلة مبكرة في سبتمبر (أيلول) لإيران لترد على عرض الولايات المتحدة بإجراء محادثات. إنه لا يحتاج إلى الالتزام بالجدول الزمني الذي وضعه والذي أملته إسرائيل أكثر مما أملاه تقييم أميركي مدروس لقدرة إيران على تخصيب اليورانيوم». وتعمدت إدارة أوباما الغموض في الحديث عن العقوبات ولم تتبن علنا محاولة في الكونغرس لفرض قيود على واردات إيران من البنزين والمشتقات النفطية المكررة الأخرى. لكن لا يخالج أي أحد شك في أن هذا أحد الخيارات التي يجري بحثها. ويقول مسؤولون أميركيون أن التفاوض على أي عقوبات مع الحلفاء وتفعيلها سيستغرق وقتا. وأشار محللون إلى أن إقناع روسيا والصين، الشريكين التجاريين الكبيرين لإيران، بالموافقة عليها سيكون صعبا إن لم يكن مستحيلا. واستبعد المسؤولون الأميركيون تقريبا القيام بعمل عسكري، غير أنهم يقولون إن الخيار «يظل مطروحا على الطاولة». وقالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الأسبوع الماضي إنها تتطلع إلى التسريع بنشر قنبلة ضخمة جديدة يقول محللون إن من المحتمل استخدامها ضد المنشآت النووية في إيران.

وكتب مايكل سينغ من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»: «التلويح بالعقوبات مع استبعاد العمل العسكري فيما يبدو قد يقلل من مصداقية التهديد بالعقوبات، بل ويشير إلى أن الولايات المتحدة لن تذهب إلى أبعد من هذا في استخدام الضغط». وأيا كانت الشكوك التي تساور أوباما بشأن شرعية انتخاب أحمدي نجاد يرى محللون ومسؤولون بالإدارة أن السعي إلى إجراء مفاوضات مع إيران في مصلحة الأمن القومي والاقتصاد الأميركيين. وقال كريم ساد جاد بور من «معهد كارنيغي للسلام الدولي»: «التحدي الذي تواجهه إدارة أوباما هو المصالحة وكيفية التعامل مع نظام لحق به الخزي ويمثل تحديات ملحة للأمن القومي من دون إخماد الزخم لحركة مدفوعة شعبيا يمكن أن يكون لنجاحها آثار إيجابية جدا على الولايات المتحدة».