صمت السياسيون.. فاحتل الصحافيون الشاشات

مواقف جنبلاط ترافقت مع قرارات عدم التعليق.. وكثرة البرامج السياسية زادت من أزمة «شح» الضيوف

TT

شكل إعلان رئيس «اللقاء الديمقراطي» والزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط انسحابه من فريق الأكثرية النيابية في لبنان وانقلابه على قوى «14 آذار»، مادة إعلامية شغلت الأوساط السياسية طوال الأسبوع الماضي، إلا أن هذه المادة لم تجد قوى سياسية تشبعها شرحا وتحليلا على هواء المحطات التلفزيونية اللبنانية، وذلك بموجب قرارات الصمت التي اتخذتها غالبية الأطراف المعنية، مما فرض على هذه المحطات الاستعانة بفريق احتياطي قوامه السياسيون المستقلون، على ندرتهم، والصحافيون والكتاب المحللون.

وتقول مديرة البرامج السياسية في تلفزيون «الجديد» مريم البسام: «ترتفع أسهم الصحافيين والمحللين في لحظة الصمت السياسي فيحتلون الفراغ ويكونون أقدر من أصحاب الشأن على الحديث عن الأزمة التي تحصل». وتضيف «أن السياسي المنتسب إلى حزب ما قد يكون مُحرجا فيفضل الصمت. وعندما يوافق على مشاركته في برنامج ما قد يفشل في الإجابة عن الأسئلة ويأتي كلامه خاليا من المضمون لأنه مكبل بقيادته، ويخضع إلى آلة تحكم من بُعد ينتظر منها التوجيهات». وقالت إنه في الحلقة الأخيرة من برنامج «الأسبوع في ساعة»، اتصل معد البرنامج ومقدمه جورج صليبي بـ90% من السياسيين الذين رفضوا المشاركة ولم يجد سوى كاتبين محللين استضافهما.

أما الإعلامي طانيوس دعيبس على محطة «ANB» فيقول: «صمت السياسيين في فترات معينة يرتبط بالارتباك السياسي في الموقف. المعنيون بموقف جنبلاط صاموا عن الكلام. ومن تكلم حرص على عدم الدخول إلى النقاش الفعلي ولم يعلن عن موقف واضح». ليضيف: «إلا أن المواقف المتحفظة لسياسيي جنبلاط وتيار المستقبل تختلف عن تحفظ سياسيي حزب الله. فهؤلاء لا يريدون إعلان موقف مؤيد لجنبلاط ولا يريدون اعتراضه بتصريحات استفزازية. كما أنهم حريصون على ترك إعلان الموقف الرسمي لحزبهم إلى الأمين العام السيد حسن نصر الله الذي سيتكلم في 14 أغسطس (آب) في ذكرى انتهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان، وسوف يتركون لكلامه أن يتفاعل قبل الخروج إلى الحوارات الإعلامية. وهذا الأمر يرتبط بالخطة الإعلامية للحزب». ويضيف: «هنا يبرز دور الصحافيين اللبنانيين، وتحديدا كتاب الرأي والتحليل الذين يتكلون على معلوماتهم ليتحولوا إلى أدوات نقاشية للوضع السياسي، فيحاول مقدم البرنامج أن يستدرجهم إلى تحليل هذا الوضع من خارج الاصطفاف السياسي لكل حزب أو فريق، فيما يكتفي السياسيون بتقديم موقف مرجعياتهم إلى الجمهور».

وتشير البسام إلى «أن قادة الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية نادرا ما يطلعون سياسييهم على قراراتهم، وهذا ما يضعفهم لأنهم لا يستطيعون التصفيق أو الاعتراض، فتختفي ردود الفعل وتحبس الأنفاس ويصمت السياسيون، فتتأثر وسائل الإعلام المرئية بالأمر وتواجه مصيبة بغياب الصورة، في حين تستطيع وسائل الإعلام المكتوبة تدبير أمرها عبر المصادر التي تكون معروفة وتسرب المعلومات ولكن من دون إحراج بإعلان الاسم». وتضيف: «أما الإعلام المرئي فلا يمكنه تقديم برنامج حواري قوامه المصادر. ومع ما أثارته مواقف جنبلاط كان صعبا علينا الحصول على توضيح أو موقف من أي طرف سياسي. الكل تحفظ ونحن كمحطات تلفزيون عشنا أزمة وجوه سياسية تغذي بآرائها الحدث». ويؤكد دعيبس أن «السياسيين الذين يعرفون ماذا تفعل قياداتهم نادرون. غالبا ما يكونون داخل الجو العام لحركة القادة ولكن ليس داخل المفاوضات. والقلة التي تعرف هي في أحسن الأحوال حاملة رسائل غير مؤثرة. أحادية القرار لدى القيادات والزعامات في لبنان لا جدال فيها. أما السياسي المنضوي تحت لواء هذه القيادات فمهمته تفسير مواقفها للعامة».

ويضيف: «من هنا يبدو الصحافي أقدر على المعرفة من خلال لقاءاته غير الرسمية مع القيادات والزعامات ومناقشتهم والاستماع إلى أجوبة لا يستطيع طرح أسئلتها إلا خارج المنبر الإعلامي، مما يشكل لديه مادة يستند إليها ليتوسع في تحليله ويعطي المشهد السياسي واحتمالات مساراته. هذا على المستوى الداخلي. أما على المستوى الإقليمي الذي يرهن المسارات السياسية في لبنان فقلة من الصحافيين اللبنانيين تملك مصادر الخارج الذي يؤثر على الداخل».

وتقول الإعلامية في «المؤسسة اللبنانية للإعلام» (LBC) شدا عمر: «مررنا بظروف مشابهة واعتمدنا على المحللين أو السياسيين المستقلين ولم يكن الأمر سيئا. فالمحلل يعطي صورة غنية للموضوع المطروح للنقاش إذا كان موضوعيا، وأحيانا أكثر من المعني بهذا الموضوع، مما يعكس الحقيقة أكثر. إنما تكرار الأمر غير مستحب وموقف الشخص المعني يبقى ضروريا ومفيدا». وتشير عمر إلى أن «كثرة البرامج السياسية على المحطات اللبنانية تزيد من الأزمة، نظرا إلى الحاجة الدائمة للضيوف. ويتفاقم الأمر عندما تقرر شريحة كبيرة من السياسيين الصمت. في حين يكون المطلوب مشاركة أصحاب الشأن».