كرزاي يتودد لأمراء الحرب للفوز بدعمهم في الانتخابات الرئاسية.. رغم التكلفة الباهظة

بعضهم يعتقدون أن الرئيس الأفغاني يعدهم بالحماية من التعرض لملاحقات قضائية وإطلاق سراح كبار تجار المخدرات

TT

عندما كان محمد قاسم فهيم نائبا للرئيس الأفغاني ووزيرا للدفاع في الحكومة التي أعقبت الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001، كانت دباباته تطل على كابل، وكان ينظر إليه من قبل الكثيرين على أنه أكثر قوة من الرئيس الأفغاني المدعوم من الولايات المتحدة حامد كرزاي.

وعندما أتيحت الفرصة للشعب الأفغاني لانتخاب رئيسه للمرة الأولى عام 2004 أقصى كرزاي فهيم، أمير الحرب الطاجيكي، وفاز بالانتخابات، الأمر الذي أثار استحسان الحكومات الغربية، التي أعربت عن قلقها من احتمالية إصدار فهيم أوامر لدباباته بالتحرك إلى شوارع كابل للاستيلاء على السلطة. بيد أنه في إطار استعداداته للانتخابات الرئاسية القادمة، المقرر إجراؤها في 20 أغسطس (آب) اتخذ كرزاي منحى مختلفا. فبناء على طلب مسؤولين غربيين اختار كرزاي فهيم كنائب أول له في حملته.

ويقول منتقدون، إن هذه الردة في موقفه تشير إلى أن حملة كرزاي للحفاظ على السلطة دفعته إلى التحالف مع ستة من أمراء الحرب السابقين الذين ضمنوا له دعما سياسيا مقابل صفقات خلفية.

وعلى الرغم من الجهل بطبيعة وثمن تلك الاتفاقات، إلا أن مسؤولين غربيين وسياسيين أفغان ومنظمات غير حكومية قالوا، إنها تحمل وعودا بالحماية من التعرض لملاحقات قضائية وتكوين أقاليم لصالح مجموعات عرقية وإطلاق سراح كبار تجار المخدرات.

لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يقوم فيها الأفغان أو حماتهم من الأميركيين بعقد اتفاقات مع أمراء الحرب ممن أسهمت عمليات السلب والنهب وقتل المدنيين في التسعينات في نشأة جماعة طالبان. وبعد طرد طالبان من السلطة قدمت الحكومة الأميركية ملايين الدولارات والدعم العسكري لأمراء الحرب. لكن العديد من الأفغان والمراقبين الأجانب يقولون، إن العلاقات مع أمراء الحرب قد تربح كرزاي الانتخابات، لكنها ستكلفه وبلده ثمنا غاليا، وهو ما يتركه في وضع سيئ ويخلق حكومة مركزية غاية في الضعف. وقال توماس روتنغ، الدبلوماسي الخبير في الأمم المتحدة السابق والمدير الحالي لشبكة أفغان أناليستس نتورك، المؤسسة البحثية غير الربحية، «كان من الضروري من وجهة النظر الأميركية وجود أفراد مسلحين على الأرض عندما كانت تركز على إسقاط حكومة طالبان. لكن إذا ما كنت ستشرك أمراء الحرب والآخرين ممن لهم مصلحة في ترك الأمور غير مستقرة فإنك بذلك تقوض ما بنيته».

ومن بين أمراء الحرب الداعمين لكرزاي الجنرال عبد الرشيد دوستم القائد الأوزبكي الذي اتهم رجاله بقتل المئات من أسرى طالبان عام 2001، الذي تعهد الآن باستعادة المزيد من السلطة على الشمال الأفغاني. وكذلك محمد محقيق وكريم خليلي أميرا الحرب من أبناء الأقلية الهزرية الشيعية، وعبد رب الرسول سياف الذي قتلت ميليشياته المئات من المدنيين الهازار غربي كابل عام 1993.

وهناك أيضا أمير الحرب غول أغا شيرازي الذي تورط في عمليات فساد تتعلق بتجارة المخدرات، الذي يشغل حاليا حاكم إقليم نانغارهار، الذي يحتمل أن يصبح حاكم قندهار أو وزيرا كما قال حاجي دين محمد مدير حملة كرزاي. وقال محمد مشير إلى أمراء الحرب، «أنا على يقين أن من كان يدعمه المجاهدون فإنه سيربح الانتخابات». ويتابع المسؤولون الغربيون الموقف في أفغانستان عن كثب. وقال كي إيدي قائد بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، «أتوقع تفهم حقيقة أننا بحاجة إلى القليل من أمراء الحرب والكثير من الوزراء الأكفاء». وقال إيدي، «إذا لم يفهم ويحترم ما توقعناه فإنني أعتقد أن نتائجه ستكون مغضبة للمجتمع الدولي، إذ يجب أن نترك فترة أمراء الحرب وراء ظهورنا». وبالنسبة للعديد من الأفغان فإن ضررا كبيرا قد وقع بالفعل، وأشاروا إلى أن تجديد التحالف مع أمراء الحرب، من بينهم دعم بعض أمراء الحرب لأحد خصوم كرزاي، عبد الله عبد الله، وزير الخارجية الأسبق يعني أن الأقوى لن يخضع للمحاسبة خاصة أولئك الذين يواجهون اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان.

وقالت سيما سمار رئيسة لجنة حقوق الإنسان الأفغانية المستقلة ووزيرة سابقة في حكومة كرزاي المؤقتة، «من السهل القول أنني سأجلب الإصلاح والعدالة، لكن أين المحاسبة؟ إذا ما كان هؤلاء يحيطون بك، فذلك يعني أنك لست جادا في تحقيق العدالة».

وفي الآونة الأخيرة دافع كرزاي عن مناصريه من أمراء الحرب واصفا إياهم بالأبطال القوميين الذين حاربوا الروس وطالبان. وقال محمد مدير حملته، «إن من يرغب في تنفيذ برنامج في أفغانستان لا يستطيع تطبيقه من دون دعم من المجاهدين، فما زالوا يتمتعون بنفوذ كبير في مناطقهم».

وعندما برزت استراتيجية كرزاي بشأن أمراء الحرب ربيع هذا العام، بدا أنه يمتلك ما يضمن تحقيق الفوز وإعادة انتخابه. لكن العديد من المحللين يعتقدون الآن أنه قد لا يحصل على نسبة 50% من الأصوات التي يحتاجها للفوز في الانتخابات، وربما يواجه دورة ثانية في الانتخابات.

ربما تظهر الانتخابات أن تأثير زعماء الحرب آخذ في التضاؤل أم لا. ففي عام 2004 فاز كرزاي في الانتخابات بنسبة 55.4% من نسبة الأصوات، وفاز محقيق والجنرال دوستم بنسبة 21.6% مجتمعين.

وقد عبّر مسؤولون غربيون أن محقيق وخليلي اللذين قادا ميليشيا خلال الحرب الأهلية طالبان حصلا على وعد بالحصول بتشكيل أقاليم جديدة من المناطق التي يسيطر عليها الهازار في أقاليم غزني ووارداك، الأمر الذي يسهم في تدعيم قوة قادة الهازار، ويتسبب في إذكاء صراع إقليمي مع خصوم الهازار، كما صرح محقيق أن كرزاي وعده بحصول أبناء عرقيته على خمس حقائب وزارية. لكن محمد أنكر معرفته بأي شيء عن مثل تلك الاتفاقات.

ويرى مسؤولون غربيون أن الاتفاقات مع عبد الرشيد دوستم المعروف بوحشيته هي الأكثر قلقا. فالجنرال الذي ينفي وقوع أي مذبحة دولية لأسرى طالبان عام 2001 عين مستشارا عسكريا لكرزاي، لكنه ترك البلاد العام الماضي بعد اتهامه بالاعتداء على أحد خصومه، لكن عاد إلى البلاد بعدما تمت تبرئته من القضية في أعقاب إعلان دعمه لكرزاي، وقد حاول مسؤولون أميركيون تأخير عودته.

وقد يؤدي اتفاق الجنرال دوستم مع كرزاي إلى نزاع حول السلطة في الشمال، لكن عبد الله زعم مؤخرا أنه يحظى بتأييد الجنرال دوستم على الرغم من إنكار أعضاء في حزب دوستم ذلك.

من ناحية أخرى، أثار عفو كرزاي عن خمسة من إقليم نانغارهار أدينوا في أبريل (نيسان) عام 2007 بتهريب 260 رطلا من الهيروين غضب المسؤولين الأميركيين. وقد حوكم الرجال الأربعة أمام قوة عمل خاصة مع محامين أشرفت عليهم الولايات المتحدة والناتو. وتعد قوة العمل نموذجا للنظام القضائي الذي يرغبه المسؤولون الأميركيون في أفغانستان، لكن العفو بعث بإشارة مفادها أنه حتى كبار تجار المخدرات ممن يملكون صلات جيدة قادرون على الإفلات بجرائمهم. أحد من شملهم العفو هو ابن أخ محمد الذي عمل حاكما سابقا لكابل. وبحسب المرسوم الذي وقعه كرزاي وحصلت عليه «نيويورك تايمز»، فقد تم العفو عن الرجال احتراما لعائلاتهم التي تسيطر على السياسات في قطاع عريض من شرق أفغانستان. وفي مقابلة معه نفي محمد ممارسته أي نوع من الضغوط على كرزاي للحصول على العفو.

* «خدمة نيويورك تايمز»