إيران تحاكم أجانب وإصلاحيين وموظفي سفارات أجنبية بتهم التجسس والتحريض

باحثة فرنسية وموظفان بالسفارتين البريطانية والفرنسية ضمن المتهمين > باريس ولندن تعربان عن غضبهما

الباحثة الفرنسية كلوتيلد ريس خلال مثولها للمحاكمة في طهران أمس، بحسب الصور التي وزعتها وكالة «فارس» الإيرانية (أ.ف.ب)
TT

فوجئت فرنسا وبريطانيا بوضع السلطة القضائية الإيرانية لمواطنة فرنسية كانت تقوم بأبحاث في إيران، وإيراني يعمل محللا في السفارة البريطانية في طهران للمحاكمة أمس بتهمة التجسس والمشاركة في التحريض على الاضطرابات بعد الانتخابات الإيرانية في يونيو (حزيران) الماضي. وإضافة إلى المواطنة الفرنسية والموظف الإيراني في السفارة البريطانية، هناك العشرات من الإصلاحيين والصحافيين الذين مثلوا أمس أمام المحكمة الثورية في طهران. وقالت وكالة أنباء فارس «بدأت صباح اليوم، (أمس)، جلسة محاكمة المجموعة الثانية للمتهمين بالتورط في الاضطرابات التي أعقبت الانتخابات»، موضحة أن من بين الذين يحاكمون الصحافي الإيراني الإصلاحي أحمد زياده أبادي ومعتدلون بارزون آخرون مثل علي تيجاني وهدايت اغائي وشهاب طبطبائي وجواد إمام.

وبحسب وكالة «إرنا» الحكومية، فقد اعترفت الباحثة الفرنسية كلوتيلد ريس بأنها قدمت تقريرا إلى السفارة الفرنسية في طهران حول التظاهرات في أصفهان وسط، بعد انتخابات 12 يونيو (حزيران). ولدى سؤال القاضي ريس إن كانت قد كتبت تقريرا، أجابت «كتبت تقريرا من صفحة واحدة وقدمته للمسؤول عن معهد الأبحاث الفرنسي في إيران، التابع للقسم الثقافي في السفارة».

كما قالت ريس للمحكمة إنها شاركت «لأسباب شخصية» في التظاهرات والاحتجاجات التي تلت الانتخابات، واعترفت بأنها ارتكبت «خطأ». وأضافت أمام المحكمة الثورية في إيران «دوافع مشاركتي كانت شخصية.. أعترف بأنني ارتكبت خطأ وما كان علي أن أشارك في التجمعات». وأضافت «إرنا» أن ريس طلبت «الصفح» آملة في «العفو» عنها. وقالت «أطلب الصفح من البلاد ومن المحكمة الإيرانية وآمل أن يتم العفو عني». وتابعت: «السجن قاس، لكن الحراس والمحققين الذين تولوا استجوابي لم يبدر منهم أي تصرف سيئ، ولم أواجه أي مشكلة خاصة في السجن»، مضيفة بحسب الوكالة أنها تعاني «ضغطا نفسيا» حيال مصيرها.

وأوقفت الفرنسية التي تبلغ الرابعة والعشرين وتحاضر في جامعة أصفهان في الأول من يوليو (تموز). ومثلت ريس في قفص الاتهام إلى جانب موظفة إيرانية في السفارة الفرنسية وموظف في السفارة البريطانية، ونحو عشرة أشخاص آخرين يحاكمون لدورهم المفترض في تظاهرات الاحتجاج على إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد، مما شكل مفاجأة للأوساط الدبلوماسية وأقاربها. وأفادت وكالة (إرنا) بأنها «متهمة بجمع معلومات وتشجيع المشاغبين».

ومثلت الفتاة التي كانت تلقن اللغة الفرنسية وتتعلم الفارسية في جامعة أصفهان، وهي ترتدي سروال جينز ومعطفا قاتما وتضع منديلا على رأسها، وكانت جالسة في الصف الأول من المتهمين وإلى جانبها شرطية كما ظهرت في صور بثتها وكالة «فارس». واتهمت المواطنة الفرنسية في البداية بالتجسس، لأنها التقطت صورا لتظاهرات بهاتفها الجوال في أصفهان، ولأنها أرسلتها إلى صديق فرنسي في طهران.

إلا أن والد الباحثة الفرنسية أكد أن ابنته «بريئة». وقال ريمي ريس «لم أكن على علم وفوجئت عندما رأيتها ماثلة في هذه المحاكمة». وأضاف «بالطبع أكرر أنها بريئة وأنه ليس هناك أي دليل على التهم الموجهة إليها» معربا عن الأمل في أن تكون المحاكمة «بداية خروج من الأزمة». ولم يشأ ريمي رايس الإدلاء بالمزيد من التعليقات.

ومن ناحيته قال مصدر دبلوماسي فرنسي إنه «فوجئ بمثول ريس أمام المحكمة»، موضحا لوكالة الصحافة الفرنسية: «علمنا بذلك صباح اليوم عن طريق التلفزيون ولم نبلغ من قبل». ولم يتمكن سفير فرنسا في طهران برنار بوليتي من لقاء ريس سوى مرة وحدة في سجن ايوين في طهران. لكنه تحادث معها هاتفيا مرتين.

وقالت هذه الفرنسية في 27 يوليو (تموز) للسفير الفرنسي إن «معنوياتها عالية» وإن كانت «قلقة على مستقبلها»، حسبما ذكرت وزارة الخارجية الفرنسية. وصرح مساعد الناطق باسم الوزارة فريديرك ديزانيو للصحافيين «ما زلنا نطلب إمكانية أن نمارس حقنا في زيارة مواطنتنا».

ويأتي ذلك فيما قالت الموظفة الإيرانية في سفارة فرنسا بطهران نازك افشر التي تمثل بدورها أمام المحكمة أمس، إن مسؤولي السفارة طلبوا من موظفيها استقبال المتظاهرين داخل مقر البعثة الدبلوماسية إذا اقتضى الأمر على ما أفادت وكالة «إرنا». وقالت نازك افشر «حسب القرارات المتخذة التي تبلغانها، إذا جرت مواجهات أمام مقر القسم الثقافي وإذا أراد شخص اللجوء داخل السفارة، فعلينا أن نمنحه اللجوء».

كما مثل أمام المحكمة أمس إيراني يعمل لدى السفارة البريطانية بطهران ويحاكم بتهمة التجسس. وقالت وكالة «إرنا» إن كبير محللي السفارة البريطانية في طهران حسين رسام قال إن المعلومات التي جمعتها السفارة حول اضطرابات ما بعد انتخابات الرئاسة أرسلت إلى واشنطن. وتابع رسام «لا تملك الحكومة الأميركية الوسائل اللازمة لإجراء مسح لأحداث إيران، وتوجد علاقات قوية بين واشنطن ولندن، لذا أرسلت السفارة البريطانية بطهران تفاصيل اضطرابات ما بعد الانتخابات إلى واشنطن». وقالت وكالة أنباء فارس إن رسام تجري محاكمته بتهمة التجسس التي تصل عقوبتها إلى الإعدام، وإنه اعترف في المحكمة بتورط بريطانيا في الاضطرابات.

وانتقدت بريطانيا بشدة المحاكمة أمس لرسام. ووصفت ذلك بأنه يتجاوز حدود اللياقة وأنه يتعارض مع تأكيدات سابقة قدمها مسؤولون إيرانيون بارزون. وقالت متحدثة باسم وزارة الخارجية البريطانية، إن سفير بريطانيا لدى إيران يسعى للحصول على توضيح عاجل بشأن المحاكمة. وقالت المتحدثة «سوف نقرر بعدها كيفية الرد» على أحدث إجراء يتجاوز حدود اللياقة. وقالت المتحدثة «هذا أمر غير مقبول على الإطلاق ويتعارض بشكل مباشر مع تأكيدات حصلنا عليها مرارا من مسؤولين إيرانيين بارزين». وأضافت «ندين هذه المحاكمات وما توصف بأنها اعترافات للسجناء الذين حرموا من حقوقهم الإنسانية الأساسية».

وبدأت المحكمة الثورية في إيران في الأول من أغسطس (آب) محاكمة أكثر من مائة شخص، بينهم شخصيات إصلاحية. ويلاحق المتهمون بتهم عدة، أبرزها الإخلال بالنظام العام والمس بالأمن الوطني، وهي جرائم تصل عقوبتها إلى خمس سنوات. وإذا ثبتت بحقهم تهمة «مخرب» أي (عدو الله) فقد يصدر بحقهم حكم بالإعدام. وانتقد مير حسين موسوي زعيم المعارضة الإيرانية والرئيس السابق الإصلاحي محمد خاتمي هذه المحاكمات «غير الشرعية» ووصفاها بأنها «مسرحية»، فيما قالت منظمات حقوقية إن المعتقلين يتعرضون لضغوط هائلة كي يعترفوا بالتهم الموجهة إليهم. وردت المحكمة الثورية بتحذير إلى الذين «يبلبلون الرأي العام بتعليقات حول مسائل قانونية، ويؤكدون مثلا أن اعترافات المتهمين غير قانونية ولا يمكن استخدامها لإدانتهم».

إلى ذلك يؤم الرئيس الإيراني الأسبق على أكبر هاشمي رفسنجاني صلاة الجمعة القادمة في الرابع عشر من الشهر الحالي في جامعة طهران. وكان ظهور رافسنجاني خلال صلاة الجمعة في السابع عشر من الشهر الماضي، قد أدى إلى اندلاع مظاهرات واسعة النطاق في العديد من أحياء طهران احتجاجا على التلاعب المزعوم في الانتخابات الرئاسية.

وبالإضافة إلى موسوي وخاتمي، فإن رفسنجاني يعد واحدا من شخصيات المعارضة الرئيسية.

ولم تعترف الشخصيات الثلاث بإعادة انتخاب أحمدي نجاد، وقاطعت بشكل علني مراسم إقرار وتنصيب الرئيس وأدائه اليمين. وأثار رفسنجاني، الذي شغل منصب الرئيس من عام 1989 وحتى عام 1997 ولا يزال شخصية سياسية بارزة، حالة من الغضب داخل طبقة رجال الدين في البلاد، عندما قال إن إيران في أزمة. ودعا رجل الدين المعتدل الحكومة إلى الإفراج عن كل السجناء السياسيين كخطوة أولى صوب علاج الأزمة.