لبنان: الوضع الحكومي على جموده.. وحزب الله يتوقع التأليف قريبا

«القوات» تطالب بصيغة جديدة بعد تموضع جنبلاط أو حكومة تكنوقراط

وزير الخارجية اللبناني فوزي صلوخ أثناء لقائه وفدا من المجلس الماروني في المانيا أمس (تصوير: دالاتي ونهر)
TT

ما زالت تداعيات انفصال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط عن قوى «14 آذار» ترمي بثقلها على مساعي تأليف الحكومة الجديدة في لبنان، الذي أحدثه في التوازنات السياسية بين فريقي الأكثرية والأقلية. وبدا أن كل الاتصالات والوساطات الداخلية والإقليمية لم تحدث اختراقا يذكر في جدار الأزمة الحكومية، الأمر الذي حمل الرئيس المكلف سعد الحريري على تمديد إجازته العائلية في فرنسا حتى إشعار آخر.

وفي وقت تقمص «حزب الله» شخصية رئيس مجلس النواب نبيه بري التفاؤلية بقرب تأليف الحكومة بعد صوم الأخير عن الكلام لإخفاق كل توقعاته، سجل موقف جديد ولافت لأحد أطراف الأكثرية وهو «القوات اللبنانية» التي أعلنت أمس أن تموضع جنبلاط الجديد بدّل الصيغة الحكومية التي كان متفقا عليها، فقد أكد عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان أن «القوات» مع إعادة النظر في الصيغة التي اتفق عليها لتشكيل الحكومة، بعد موقف جنبلاط الأخير. وقال: «الكل مجمع اليوم على أن تموضع وليد جنبلاط بدّل بالصيغة الموجودة والتي كنا نتكلم فيها وهي 15 ـ 5 ـ 10. وهذا التموضع يدفعنا لإعادة النظر بهذه الصيغة، واليوم هناك خريطة جديدة نتيجة هذا التموضع السياسي توجب أن يرى الرئيس المكلف مع رئيس الجمهورية ما هي الصيغة الأفضل في ضوء هذا التموضع».

وسأل عدوان «لماذا لا نذهب إلى حكومة تكنوقراط الآن، ونترك الأمور الخلافية لبحثها، من دون أن تؤثر على مشاكل المواطن الحياتية؟ فهذه فكرة، وسنطرحها مع الرئيس المكلف». ورأى أن «الرئيس المكلف أخذ فترة تراجع عما يحدث لقراءة المتغيرات والتعاطي مع الوضع الجديد».

ومن جهته، استغرب نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري في تصريح له حملة رئيس «تكتل الإصلاح والتغيير» النائب ميشال عون وأعضاء من كتلته «على رمزين سياديين كبيرين هما رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والبطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير». واعتبر أن عون «يساهم عمليا في إضعاف موقع رئاسة الجمهورية من خلال سعيه إلى سحب الحقائب السيادية من حصة الرئيس في الحكومة»، ووصفه بأنه «أداة لتعطيل مسيرة تأليف الحكومة ولغم مضاد لكل ما يساهم في حسن سير المؤسسات الدستورية»، ورأى في تطاول عون أو غيره على صفير «جريمة».

وقال مكاري إن «رئيس الجمهورية هو رمز الوطن والمؤتمن على الدستور والمؤسسات، والرئيس سليمان تحديدا هو خير من يمكن أن يؤدي في هذه المرحلة بالذات، من خلال حصته في الحكومة، دور الضامن للدستور ومؤسساته. وبالتالي، لا يحق لعون أن يحدد للرئيس حصته الوزارية، ونوعية الحقائب التي يجب أن يحصل عليها في الحكومة، وأن يطالب بحرمانه حقائب سيادية ليطالب بها لنفسه، كما لو أنه صار أهم من رئيس البلاد». وأكد وزير الدولة نسيب لحود أن رئيس الجمهورية «ومن الموقع الذي أنيط به في السهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، مصمم بكل قواه على حماية هذا الجوهر، جوهر اتفاق الطائف، ومصمم على استكمال بناء الدولة ومؤسساتها وعلى تفعيل آلية النظام الديمقراطي وسد الثغرات والشوائب التي تعتريه دون المس بجوهر التوازنات الميثاقية الضامنة للاستقرار».

ورأى عضو كتلة «المستقبل» النائب زياد القادري «أن البعض يراهن على إضعاف رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري من خلال عملية تأليف الحكومة، ولكن رهانهم خاسر حكما، فالانتخابات النيابية الأخيرة أثبتت أن الرئيس الحريري زعامة وطنية عابرة للطوائف والمذاهب والمناطق، وكل الآمال معلقة عليه اليوم لأن المرحلة تتطلب قيادة شجاعة، تملك بعدا وطنيا وعربيا ودوليا، وتستطيع النهوض بلبنان في وجه التحديات الداخلية والخارجية».

وإذ لفت إلى أن «عودة الرئيس الحريري من إجازته العائلية ستضع النقاط على الحروف، وتعيد الزخم إلى الملف الحكومي المصاب بالجمود والغموض»، أشار إلى أن «واقعا جديدا أطل على المشهد السياسي الداخلي، في ضوء المواقف الأخيرة لرئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط، وتتم قراءة هذا الواقع الجديد كما هو، بعقلانية وهدوء، بعيدا عن التشنج، كي يبنى على الشيء مقتضاه».

وأكد عضو كتلة «المستقبل» النائب بدر ونّوس «أن لبنان لم يعد قادرا على الاستمرار من دون حكومة فعلية قادرة على مواجهة الاستحقاقات والمستجدات».

وقال: «إن حكومة تصريف الأعمال مرحلية لا تملك أن تتخذ أي قرار جدي فاعل لمواجهة أي حدث خطر، ولذا فالحكومة الجديدة ضرورة للأمة وتأخيرها ضرر للناس والتعجيل بها دون الاتفاق حولها إضرار بالوطن، أي المطلوب السرعة ولكن ليس التسرع».

إلى ذلك لفت عضو كتلة «حزب الله» النائب حسين الحاج حسن «أن الاتفاق على الإطار السياسي لتشكيل الحكومة قد حصل، وكانت هناك نقاشات حول الأسماء والحقائب وتوقفت لأسباب سياسية. فالقرارات الكبيرة والمهمة تحتاج إلى حكومة وحدة وطنية، وطالما اتفقنا على الشراكة فلتشكل الحكومة». ورأى «أنه بعد عودة الرئيس المكلف من الخارج ستتكثف الاتصالات ويمكن أن يتم التسريع في تشكيل الحكومة وهذا مطلب اللبنانيين، كي تتصدى الحكومة المقبلة للمشكلات التي تقلق اللبنانيين كافة ومنها تهديدات العدو الصهيوني وأطماعه ومشاريعه التي تهدد المنطقة كلها والمشاكل الخدماتية والمعيشية».

كما استغرب عضو «كتلة حزب الله» النائب نواف الموسوي «التأخير في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بعدما تم الاتفاق على إطارها السياسي». وقال: «ليس مبررا التحولات السياسية التي برزت في الآونة الأخيرة، لأن هذه التحولات لم تغير شيئا في ما كان متوقعا فكيف إذا كان الإطار السياسي الذي جرى الاتفاق عليه يقوم على مبدأ اعتماد التوافق في اتخاذ القرارات الحكومية. فإن اختار فريق سياسي موقعا معينا في هذه الآونة لا يمكن أن يعيد عجلة تأليف الحكومة إلى الوراء لأن أمر الإعداد داخل مجلس الوزراء قد جرى تجاوزه بالاتفاق على الاعتماد على التوافق في اتخاذ القرارات». واعتبر مسؤول منطقة البقاع في «حزب الله» محمد ياغي «أن تشكيل الحكومة العتيدة قد تأخر»، وقال: «نعتقد أنه لم يعد هناك من عقدة لتشكيلها، وأن الأيام القليلة المقبلة سوف تشهد إعلان الحكومة الجديدة التي ندعوها لتعطي أولوية لمعالجة المشكلات الداخلية، الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية».

وأعلن رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، من جهته، «أن العلاقة مع الآخر لا تقوم على أساس الحقد، بل المطلوب هو احترام حق الاختلاف. ولا يجوز تربية الشباب على الحقد والكراهية، والحقد يفجر صاحبه ولا يقتل عدوه». وأكد أن «المسيرة مستمرة، والأحداث تعطي خيارات تكتل التغيير والإصلاح والتيار الوطني الحر الحق». وقال في احتفال شعبي: «يحاولون اليوم استهدافنا خصوصا من خلال التوطين الفلسطيني الذي تعمل إسرائيل عليه باتجاهين، فهي من جهة تخطط لرفضها عودة الفلسطينيين إلى فلسطين، ومن جهة ثانية تعمل على توطينهم في أماكن وجودهم. إن لبنان لا يحتمل التوطين ولا يقبل إلا بدعم الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه، وهذا يوجب علينا التضامن مع مكونات مجتمعنا ومع محيطنا. وبعد التفاهم الداخلي أتينا بالاستقرار الخارجي الأوسع. وكل ما وعدتكم به سيتحقق ولن نتنازل عن خياراتنا».

وقال عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب فريد الخازن في الاحتفال نفسه «إنه قبل 7 حزيران (الانتخابات النيابية) الماضي حاولوا القضاء على الخط السياسي والشعبي للعماد عون واستعمل المال لشراء الضمائر، ورفعت شعارات وصلت إلى حد التخوين في ظل حملة إعلامية أوحت بأن وجود التيار الوطني الحر وتكتل الإصلاح والتغيير هو خطر على المصير والكيان، لكن هذا الكلام انتهت مفاعيله في 8 حزيران حين سقطت الأقنعة والشعارات وانكسرت الأوهام وانتصر الحق فجددت كسروان ـ الفتوح وفاءها وقناعاتها وخياراتها».

وتوجه الخازن إلى عون قائلا له: «انتم من أوائل المدافعين عن السيادة والاستقلال وعن وحدة لبنان ودور مسيحييه الريادي بعيدا عن التهميش والاستهداف والإقصاء».

ودعا وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال ماريو عون الرئيس المكلف سعد الحريري إلى أن «يعود فورا إلى لبنان إما لتأليف الحكومة أو مصارحة شعبه بالحقيقة وتحديد مكمن المشكلة». وقال «ليس صحيحا أن التيار الوطني الحر هو المعرقل بل هو من أكثر الفرقاء الذين يسهلون عملية التأليف، فالعماد عون تنازل عن النسبية ووافق على أن تكون حصته خمسة وزراء بعدما كان يطالب بستة».

وطالب الرئيس المكلف بأن «يعلن من يعرقل تأليف الحكومة ويحدد إذا كانت الدولة الفلانية أو تلك أو الفريق السياسي الفلاني أو الآخر، لا أن يقال إننا نطالب بحقيبة سيادية، وهذا حق لكتلة مؤلفة من 27 نائبا».

واعتبر أن «الاستمرار بهذا النوع من السياسة غير جائز، وإذا كانوا يريدون أن تبقى الحكومة حكومة تصريف الأعمال، فليعلنوا ذلك ويحددوا الفترة لنبني على الشيء مقتضاه وندير شؤون الوزارة كما يجب». بدوره قال عضو تكتل «الإصلاح والتغيير» النائب نبيل نقولا إن «كل الدول من أميركيين وأوروبيين وعرب وخليجين وغيرهم لا يستطيعون منع اللبنانيين من الاتفاق مع بعضهم بعضا. ومن يتهم العماد عون بأنه من يعطل تأليف الحكومة نلفته إلى أننا منذ اليوم الأول قلنا للرئيس المكلف إنه إذا ما كانت هذه الحكومة ستؤلف في لبنان، فلها شروطها وهي الوحدة الوطنية».

وشدد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان على «ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة العتيدة من أجل رعاية شؤون ومصالح الناس ولتجميع القوى للدفاع عن لبنان من التهديدات الإسرائيلية التي تأتي بفم ملآن من قادة العدو الإسرائيلي». وقال: «إن المطلوب من القيادات السياسية في لبنان أن تسارع إلى تشكيل حكومة وفاق وطني شاملة كل الأطراف السياسية وليس حكومة محاصصة، في إطار يعيد تكريس نظام طائفي يحمل في طياته تفجير ذاته».

ورأى الوزير السابق وئام وهاب «أن رئيس الحكومة المكلف (سعد الحريري) يتقصد الضغط على بعض الأطراف عبر الاستمرار في حكومة تصريف الأعمال وهذا لا يجوز». وخاطب الحريري قائلا: «الكل مستعد للتعاون معك في تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية وأن العدد لم يعد له قيمة لأننا ربما أصبحنا (المعارضة) أكثرية في المجلس النيابي والمسألة مختلفة اليوم، لذلك الكل مستعد لتسهيل مهمتك، فعد وناقش الأمر بصراحة مع كل الأطراف، وابدأ بعملية تشكيل الحكومة».

ودعاه أيضا إلى «إجراء نقاش مع كل الناس، واعتقاد البعض أن المعارضة قد تتخلى عن أحد أطرافها كلام سخيف ولا وجود له. فلا حزب الله هو من يترك حلفاءه ولا حركة أمل والرئيس بري سيتركان العماد ميشال عون وحيدا. هذه أوهام يجب أن يتحرر منها الجميع».